متخصصون يناقشون مفهوم التنمية الواقعية وشروطها في الواقع العربي
16 أكتوبر 2019
الخواجا: تطوير مفهوم أكثر واقعية لتنمية المجتمع العربي مسألة حاسمة لمستقبلنا جميعاً
الخواجا: ضرورة تقوية النسيج الاجتماعي وتوازن القوى وإدارة البناء المعرفي وتعزيز الهوية الجامعة
د. العناني: مع فقدان التناغم والتفاعل بدأت مرحلة الشرذمة والتراجع والارتداد إلى الهويات الفرعية
د. أبوحمور: غياب الرؤية المشتركة يحول دون تطوير الهوية والثقافة وينعكس سلباً على التنمية
صراحة ينوز – ألقى المستشار في مجال التنمية صادق إنعام الخواجا محاضرة في منتدى الفكر العربي، مساء يوم الأحد 13/10/2019، حول مفهوم التنمية الواقعية، تناول فيها الإنسان كمحور للعملية التنموية بتجلياته الثلاثة إنساناً ومجتمعاً ودولة؛ مشيراً إلى دور التواصل بين هذه التجليات ضمن مفهوم الدولة، وأن الغاية العليا للتنمية الواقعية تتمثل في زيادة قدرة المجتمع على تعظيم مصلحته. وعقب على المحاضرة نائب رئيس الوزراء السابق العين د. جواد العناني، وأدار اللقاء وشارك فيه الوزير الأسبق والأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور.
وقال د. محمد أبوحمور في كلمته التقديمية : إن غياب الرؤية المشتركة الشاملة يحول دون تطوير الهوية والثقافة من خلال حيوية التفاعل الخلاق بين مكونات المجتمع والدولة، وبالتالي ينعكس ذلك سلباً على الكفاءة التنموية للمجتمعات. كما أن الهوية الجامعة في تطورها الطبيعي تشكل التقاءً لكل المكونات اللازمة لتنمية واقعية قائمة على الانفتاح، ومبنية على الاعتراف بمكونات المجتمعات وفهم خصوصياتها، مما ينعكس على المسارات التنموية بصورة إيجابية تؤكد بأن الغاية الأسمى للدول ووجودها هي حفظ الأمن الإنساني وحق الإنسان في الحياة في إطار المواطنة الفاعلة والمشاركة الديمقراطية بمختلف جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن جهته، أوضح المستشار صادق الخواجا أن الأحداث التي شهدناها في المنطقة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين أثبتت مدى هشاشة واقع المجتمع العربي، وكأن الجهود العظيمة والموارد الهائلة التي سخرت في سبيل تحقيق النهضة في الدول العربية إبان القرن الماضي كانت نتيجتها العودة إلى المربع الأول. هذه الأحداث التي اتسمت بالعنف والفجاجة واللامعقولية، ما يعني أن تطوير مفهوم أكثر واقعية لتنمية المجتمع العربي مسألة أصبحت حاسمة لمستقبلنا جميعاً.
وأشار الخواجا إلى أن العالم اليوم تنتشر فيه من مشرقه إلى مغربه حالات تطرف أدت إلى تفشي ظواهر من الفردانية والتعصب، كالتطرف الديني والقومي والعرقي، ما يعني أن تطوير مفهوم أكثر واقعية للتنمية على المستوى الإنساني العام قد بات أيضاً مسألة حاسمة لمستقبلنا كبشر ولا بد لنا من المشاركة الفاعلة في ذلك على المستويين الفكري والتطبيقي.
وقال الخواجا : إن مفهوم مصلحة المجتمع يختلف عن المنفعة، فالمصلحة من صلاح الشيء الآن وفي المستقبل، أما المنفعة فآنية إما أن يستفاد منها الآن أو خسارتها. والمصلحة أيضا قد تكون مادية وقد تكون معنوية. ولكي يستطيع أي مجتمع دولة زيادة قدرته على تعظيم مصلحته فهو يحتاج إلى تحقيق المصلحة من خلال الاعتماد المتبادل بين الأفراد؛ وتوازن في القوى بمعنى امتلاك القدرة المطلوبة على صد أي تدخل منفرد في المصلحة؛ وتواصل مفتوح ومدعوم مع كافة مكونات الواقع؛ وأن تكون المصلحة هي الحلقة المشتركة بين الأفراد التي يشعر جميعهم أو الغالبية العظمى منهم أنهم جزء منها. وبالتالي فإن غياب أو ضعف أي من هذه الشروط الأربعة سيؤثر سلباً على الوصول للغاية.
وبيّن الخواجا أن المجتمع العربي عموماً يعاني من ضعف في هذه النقاط، كما أثبتت لنا الأحداث خلال العقدين الماضيين، مما يدعو إلى أن تركز أهداف التنمية الواقعية على تقوية النسيج الاجتماعي من خلال تعظيم الاعتماد المتبادل بين حلقاته؛ وزيادة تماسك حلقات المجتمع مع بعضها البعض من خلال تحقيق توازن في القوى في ما بينها؛ وإدارة صحيحة للبناء المعرفي إنتاجاً واستخداماً من خلال بناء علاقات جدلية سليمة للأفراد مع محيطهم؛ وكذلك تعزيز الهوية الجامعة من خلال تعزيز اشتراك حلقات المجتمع في حقل قيمي واحد.
وقال د. جواد العناني في تعقيبه : إنه من دون فهم لجدلية العلاقات الداخلية في كل وطن عربي، وكذلك جدلية العلاقة بين الدول أنفسها، فسنبقى أسرى للتنمية الإحصائية أو الكمية التي حققنا منها الكثير، لكن المجتمعات بقيت هشة غير قابلة للاستمرار ما لم ننظر إلى المكونات الداخلية ونرسم لها حدوداً وقواعد نلتزم بها لتحقيق التنمية الواقعية الصحيحة القابلة للاستمرار.
وأوضح د. العناني أن المجتمع العربي الذي يُظهر تنوع الحضارات والثقافات فيه عبر الآثار المرسومة على أديم الأرض العربية لا يرقى إلى مستوى دليل ذلك التنوع الماثل في الاثنيات المختلفة مثل اليزيدية، والسومرية، والسريانية، والأرمنية، وغيرها من الطوائف والمذاهب المختلفة، التي استمرت وصارت جزءاً من طبيعة المجتمع، لكن مع فقدان التناغم والتفاعل بدأت مرحلة الشرذمة والتراجع والارتداد إلى الهويات الفرعية.