صراحة نيوز – بقلم د. هايل ودعان الدعجة
لوحظ بالآونة الاخيرة ان هناك من يحاول او يتطوع باشغال الداخل الاردني، بمسألة الهوية الوطنية التي يفترض اننا تجاوزنا الخوض في مفهومها، وانتقلنا بها من مرحلة التعريف الى مرحلة الممارسة الحقة منذ ان حظينا بشرف الانتساب الى هذه البقعة الاردنية الطاهرة، واتخذنا من حبها وعشق ترابها روابط مقدسة، نسجت في عقولنا وجوارحنا قبل اجسادنا معنى الولاء والانتماء لها، لتكون شاهدا حيا على مواطنتنا واردنيتنا التي جسدت هويتنا، وجعلت من النجاح والانجاز والعطاء عنواننا .. حتى عندما تكالبت علينا الظروف والتحديات والمحن من القريب قبل الغريب في اكثر من محطة ومناسبة زمنية، لمجرد ان طينتنا التي شكلت خصوصيتنا ( غير ) .. طينتنا التي استخلصت تركيبتها من عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا واخلاقنا وصفاتنا .. من قيادتنا وجيشنا واجهزتنا الامنية .. من اردنيتا وروابطنا وعلاقاتنا وعشائرنا ومكوناتنا الاجتماعية .. التي كانت حصيلتها مجتمعة الهوية الاردنية .. ليأتي بعد كل هذه الرحلة او المسيرة الوطنية الناجحة من يزج في مشهدنا الوطني بمصطلحات لا نعرف حتى اللحظة ما هو القصد منها، ولا ما هو السر من ورائها .. كالعقد الاجتماعي الجديد، والتيار المدني، والهوية الوطنية الجامعة وغيرها، التي نجح مطلقوها في اثارة موجة من التعليقات انطوى الكثير منها على شكوك حول مرامي ونوايا من يقف خلف هذه المصطلحات، خاصة بعد ان بدأنا نشتم رائحة تيارية وفكرية دخيلة تريد ان تنعطف بهويتنا وثوابتنا عن مسارها الوطني والتاريخي الصحيح ، بما يشبه الحملة لتفكيك الجوامع الوطنية التي نسجت مجتمعة الخصوصية الاردنية، التي لعبت الدور الاكبر في تأسيس الدولة الاردنية وتعزيز قوتها ومنعتها ومسيرتها بالنجاحات والانجازات، وجعلها واحة امن واستقرار.
ولأن الاردن ليس بالبلد الطارئ او المفكك او التائه او الفاقد للبوصلة ليتم البحث عنه ( وتجميعه ) .. فقد كان من حق الشارع الاردني ان يقف مندهشا ومستغربا ومنزعجا عند مصطلح الهوية الوطنية (الجامعة ) الذي رمى به البعض فجأة ودون مقدمات، بصورة اثارة الشكوك ولجهة التوقيت تحديدا. ورغم قناعتي الشخصية بان الزج بهذا المصطلح لم يكن الا مجرد فلسفة زائدة وسوء تعبير عكس جهالة وسطحية تفكير من اطلقه، الا ان هذا لا يمنع من القول وعلى قاعدة ( مجنون رمى حجر بالبير ) بان هناك من تعامل مع هذه المسألة من موقع المشكك، وبصورة مست الثوابت الاردنية من القضية الفلسطينية تحديدا، عندما ذهب بتفسيره وتفكيره بعيدا حد الافتراض بان المقصود بطرح هذا المصطلح هو العودة الى نغمة الخيار الاردني والوطن البديل ، التي يفترض اننا قد تجاوزناها.
وعندما حاول البعض المطلق لهذا المصطلح، الذي اثار موجة من السخط والاحتجاج المحلية، الدفاع عن موقفه وتوضيح وجهة نظره حيال ما اعتبرها تفسيرات خاطئة لا تمت بصلة لما قصده من وراء استخدامه وطرحه ، وجدناه وقد دخل في متاهة اخرى لم تقل خطورة عن المتاهة الاولى ( المصطلح )، عندما اراد ان يقول ويوضح بان ما قصده بالهوية الجامعة .. المظلة التي تضم وتجمع تحتها كافة الهويات الفرعية .. كالهوية العشائرية والمناطقية وتلك المتعلقة بالاصول والمنابت والكوتات وبالمكونات المجتمعية وحتى الدينية .. مطلقا او مفترضا او معتبرا هذه القواعد والعناصر والاصول والرموز والمكونات المنصهرة في بوتقة الوطن منذ تأسيسه، بانها هويات فرعية، وهي التي ذابت واندمجت اصلا وشكلت مجتمعة الهوية الوطنية .. بحيث يصبح من المعيب والمخجل اطلاق وصف الهويات الفرعية على هذه المكونات والروابط الاصيلة والمقدسة التي مثلت الاساسات المتينة والقواعد الصلبة التي قامت عليها الدولة الاردنية ، كجغرافيا وتاريخ وهوية ومواطنة وعادات وتقاليد وقيم ومكونات وعلاقات وانجاز وقوة وحضور ومؤسسات وجيش وامن وغير ذلك من الثوابت والمعالم الوطنية .. فهل الانتساب او الانتماء او كون الشخص فردا في عائلة او عشيرة او مكون اجتماعي او ديني او سياسي او تنظيمي معين او يقطن منطقة جغرافية معينة ، يعتبر او يمثل او يجسد هوية فرعية من وجهة نظر هذا البعض .. فمن منا بلا اسرة او عائلة او عشيرة او ديانة او بيت يقطنه على الجغرافيا الاردنية .. ولمصلحة من هذا العبث بوحدة نسيجنا الوطني وبثوابتنا الوطنية والعمل على خلخلتها وتفكيكها واثارة الشكوك حولها ، خاصة تلك الجزئية المتعلقة بالثابت الوطني المقدس تجاه القضية الفلسطينية ، بشكل يغذي الفتن والنعرات ويخدم الاجندات الاسرائيلية الساعية الى تصفية هذه القضية المقدسة على حساب الاردن .. فاذا بنا امام معادلة معقدة وعصية على الحل او الفهم .. ونحن نرى في فلسفة من خانهم التعبير ربما من وراء استخدام مصطلح الهوية الوطنية الجامعة وفي هذا التوقيت بالذات ، وقد التقت فلسفتهم التي لم تراعي المصلحة الوطنية مع اجندات الاعداء .. او هكذا فهمت او فسرت . وكأني بهم عندما ارادوا توضيح ما قصدوا بالهوية الوطنية الجامعة .. وقعوا بالمحظور وارتكبوا خطيئة اخرى جراء فلسفتهم الزائدة في التعاطي مع الثوابت والخطوط الحمراء .. في تأكيد على ان الخصوصية والتركيبة السكانية الاردنية الحساسة لا تحتملان الخوض في هكذا نقاشات وطروحات وفلسفات زائدة لا حاجة لها.