أيهما نصدق: رواية الحكومة قبل التعديل الوزاري أم روايتها الآن؟ تبدو المسألة بمثابة “لغز”، لكن هذا ما حصل فعلا في قضية سد “الوالة”، فقد وصلتنا روايتان متناقضتان تماما، من وزيرين تعاقبا على وزارة المياه في الحكومة ذاتها، أحدهما سابق والآخر حالي. الأغرب من ذلك أن الحكومة التي يفترض أن تتحمل مسؤولية قرار الوزير السابق، باعتباره كان عضوا فيها، حتى لو أخطأ، تنكرت له، واتهمه بعض المسؤولين فيها (آخرهم موظف كبير في سلطة وادي الأردن) بأنه تسبب بكارثة جفاف السد. قصة سد الوالة، إذا، لم تكشف فقط أزمة السدود وما يتعرض له أمننا المائي من خطر، وإنما كشفت أيضا أزمة اتخاذ القرار داخل الحكومات، وأزمة انفراد بعض الوزراء باتخاذ القرارات في قضايا كبرى دون التشاور أو الرجوع لمجلس الوزراء، ثم أزمة الخطاب الرسمي وسردياته. هنا نسأل: كيف يمكن لهذا الخطاب أن يقنع ويؤثر في ظل صراع بين صورتين على قضية واحدة، إحداهما تؤكد والأخرى تنفي، ثم كيف أسهم في هذه القضية بالذات، وبشكل غير مقصود، بوضع الرأي العام أمام معلومات، يصعب عليه الحصول عليها لو غابت الرواية الأخرى. ما علينا، المهم أن وراء تناقض الخطابين، ثم محاولة كل طرف اتهام الطرف الآخر بالمسؤولية عن جفاف سد الوالة، تبدو ثمة “قطبة” يصر الطرفان على التغطية عليها وإبقائها مخفية، أو ربما استخدامها لاحقا للدفاع عن الذات أو للتهديد، هذه العقدة مرتبطة، كما يبدو من بعض التسريبات، بقضية عطاء تنفيذ بناء السد، ثم ما حصل بعد ذلك من مخالفات وخلافات داخل الوزارة حول إدارة ملف المياه والسدود، وبينها وبين جهات لها علاقة بالموضوع. لا أريد أن أدخل في تفاصيل “حرب” التسريبات والوثائق، يمكن للقارئ الكريم أن يعود لتصريحات الوزيرين ولقاءات المسؤولين الرسميين (ناهيك عن الخبراء الآخرين)، كما يمكنه أن يدقق في تقرير ديوان المحاسبة حول عطاء بناد السد (صدر بتاريخ 28/6/2021)، وفي فاتورة المنح والقروض الميسرة التي تلقتها الوزارة وسلطة وادي الأردن (تقدر بملياري يورو للعامين الحالي والماضي). أريد أن أشير فقط إلى مسألتين؛ الأولى أننا بحاجة الى رواية رسمية صلبة ومقنعة حول ما جرى لسد الوالة تحديدا، وللسدود الأخرى التي جفت، تتضمن الإجابة عن الأسئلة المعلقة، ومنها أسباب الجفاف وقرار الوزير السابق بتسييل مياه السد أكثر من مرة، وإجراءات تصميم وإحالة العطاء، ثم صلاحية السد بعد عملية “التعلية”، وفيما إذا كان الموضوع يتعلق بسوء إدارة متراكمة لملف المياه والسدود، أم بشبهات فساد محددة. أما المسألة الأخرى، فهي إجرائية ومرتبطة بالأولى، تتعلق بضرورة فتح تحقيق بملف المياه بتفاصيله كافة، من خلال تشكيل لجنة تضم خبراء مشهود لهم بالنزاهة، على أن تحال القضية بعد ذلك للقضاء ليقول كلمته فيها، وعلى أن يشمل ذلك ما لحق بالمزارعين من خسائر لتعويضهم عنها. تبقى نقطة أخيرة، وهي أن للحجارة التي رماها المتصارعون في مياه الوالة “فضيلة” وحيدة، تذكرنا على الدوام بأن ملف المياه يقع في صميم أمننا الوطني، ومن الواجب أن نتعامل معه على هذا الأساس، ولا نسمح لأحد، مهما كان، أن يعبث به بمثل هذه الخفة الإدارية والسياسية، فبلدنا ليس الأفقر مائيا فقط، وإنما المستهدف من الصراعات على المياه في المنطقة، والأكثر عرضة للابتزاز في هذا الملف.