الدكتورة فيرز عمرو تكتب : مكافحة عمالة الأطفال خطوة الألف ميل في طريق الحد من التسرب المدرسي

11 يونيو 2022
الدكتورة فيرز عمرو تكتب : مكافحة عمالة الأطفال خطوة الألف ميل في طريق الحد من التسرب المدرسي


صراحة نيوز – بقلم الدكتورة فيرز عمرو

تشير البيانات والدراسات التي تناولت العوامل المؤدية إلى عمل الأطفال إلى حقيقة مؤداها وجود صلة مباشرة بين عمالة الأطفال و انخفاض المستوى الاقتصادي للأسرة. وأثبتت هذه الدراسات بأن الغالبية العظمى ممن لم يستوعبهم النظام التعليمي هم من أسر متدنية اقتصادياً ، فكان الملجأ الوحيد لهؤلاء الأطفال هو الانخراط في سوق العمل منذ مرحلة عمرية مبكرة لا يسمح بها القانون .
وعلـى الـرغم مـن أن هنـاك العدیـد من العوامل التي تدفع الأطفال إلى العمل إلا أن الفقـر یـأتي فـي مقـدمتها حیـث ینظـر الأطفـال إلـى العمـل بإعتباره المصدر لتوفیر لقمة العیش لأنفسهم ولأسرهم، وعلى الـرغم مـن أنهـم لا یتقاضـون أجـوراً مجزیـة أو حتـى جیـدة إلا أن الأجـور التـي یتقاضـونها تظـل، رغـم ضـآلتها، أحـد المصـادر الأساسـیة للـدخل التـي تسـاعد علـى تـوفیر الحـد الأدنـى مــن العــیش فــي الكثیـر مــن دول العــالم الثالـث ومنها الأردن .
أن انخفاض مستوى دخل الأسرة يعد مؤشراً هاماً وفاعلاً في عمل الأطفال ، فأرباب الاسر من عمال المياومة وعمال الخدمات وصغار المزارعين واللذين تتفاوت دخولهم بحسب ظروف عملهم، يصبح عمل أطفالهم عاملاً مهماً في دخل أسرهم، بحيث لا تعنى هذه الأسر بالبحث لأطفالها عن فرص في التعليم أو حتى فرص لتعلم مهنة ما، وانما تضطر إلى الزج بهم في سوق العمل .
وقد أكدت دراســة أجراهــا “البرنــامج الــدولي للقضــاء علــى عمــل الأطفــال” أن عمــل الأطفــال هــو إحدى دلالات الفقر، فكلما ارتفع دخل الأسرة تضـاءل عمـل الأطفـال واستمرت الأسـرة فـي تعلـیم أبنائها وإرسالهم إلى المدارس . أضف إلى ذلك أن بطالة رب الأسرة تعد مـن أهـم عوامـل خـروج الطفـل إلـى العمـل وفقاً لتقرير لمنظمة العمل الدولية الذي أكد على انعكاس البطالة على زیادة عمالة الأطفال، فكلما زادت بطالة البالغین ازداد عدد العاملین مـن الأطفال، و هي نتيجة حتمية لانحسار الخيارات المتاحة أمام هذه الأسر لتعويض بطالة رب الأسرة ،حيث تلجأ إلى استخدام أطفالها في أعمال قد لا يستطيع الكبار ممارستها إما لانخفاض الأجور فيها أو لتفضيل بعض أصحاب العمل تشغيل الأطفال فيها وخاصةً الأعمال والصناعات والحرف التي لا تتطلب تأهیلاً أو جهداً من قبل العامل .
وفي الأردن توصلت دراسة أجرتها منظمة اليونيسيف في العام 2020 ( دراسة الأردن – حول الأطفال خارج المدرسة ) إلى أن التسرب من المدرسة عملية مدفوعة بعوامل خطر وعوائق مترابطة، وبينت أن الأطفال من الأسرالفقيرة و ذوي الإعاقة والذكور وأطفال الأمهات غير المتعلمات هم الأكثر عرضة لترك المدرسة مبكراً؛ و أن الأطفال الذين ينتمون إلى الأسر الأكثر فقرا أكثر عرضة للتسرب بنسبة 10%من الأطفال الذين ينتمون إلى الأسر الأكثر ثراءً .
كما أوضحت الدراسة الاستقصائية التي أعدتها منظمة اليونيسف بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء التونسي في العام 2022 على العلاقة المباشرة بين عمالة الأطفال وظروف مزاولتهم للتعليم وتزايد احتمالية وقوع ذلك في حالات التسرب والانقطاع المدرسي بعد ابتعادهم الاختياري أو القسري عن مقاعد الدراسة.
وقد تأكدت هذه الصلة واتضحت بعد الأوضاع الاقتصادية التي عانى منها الأردن بعد جائحة كورونا و تداعياتها على الأسر و خاصةً الفقيرة منها، حيث أظهر تقرير لبيت العمال الأردني للدراسات ارتفاع عدد الأطفال العاملين في البلاد لحوالي 100 ألف طفل في العام 2020 مقارنة بـ 76 ألفًا في العام 2016 وفقاً لآخر مسح وطني لعمل الأطفال، والذي تضاعف بدوره عن نتائج مسح عمالة الأطفال في العام 2007 حيث بلغ عدد الأطفال العاملين في المملكة حينئذ 33 الف طفل . واعتبر التقرير أن انضمام أكثر من 80 ألف شخص لصفوف البطالة، وانخفاض أجور أكثر من 500 ألف عامل خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، من العوامل التي تدفع الصغار إلى العمل. وأشار إلى أنّ 45 ألف طفل في الأردن، يمتهنون أعمالًا تصنف بأنها خطرة وفقاً لقانون العمل الأردني.
ولا بد في هذا الصدد أن نميز بين شكلين أساسيين للتسرب ؛ يتمثل الأول بعدم إلحاق الأطفال بالمدرسـة الابتدائیـة من الأساس ، أما الثاني فيتم بعد الالتحاق بالمدرسة من خلال الغياب الیــومي المتكـررالذي مــا یلبـث أن یتحول إلى انقطاع تدریجي ثم انقطاع مستمر، أومن خلال هجر الدراسة كلیاً ومرةً واحدة وفي كلتا الحالتين يظل العامل الاقتصادي هو المسبب الرئيسي للتسرب.
وقد أشارت الدراسة التي أجرتها اليونيسيف ( دراسة الأردن – حول الأطفال خارج المدرسة ) إلى هذين الشكلين من أشكال التسرب حيث بينت أن 112.016 من الأطفال في الأردن غير ملتحقين بتعليمهم من الصف 1-10و أن 54.761 منهم في عمر التعليم الأساسي 6 11- سنة (الصف 1-6 ) و57.255 منهم في عمر التعليم الإعدادي 12 – 15 سن( الصف 7-10 ) ، كما بينت أن الأطفال اللذين لم يلتحقوا بالمدرسة مطلقاً من الفئة العمرية 6-17 سنة تشكل1.6 %، وأقل من 1% في الفئة العمرية 9-15 سنة ، وأن أكبر عدد من الأطفال خارج المدرسة في محافظات عمان والمفرق والزرقاء وإربد، حيث بلغت نسبة الأطفال خارج المدرسة في المفرق 19%بين الأطفال في عمر التعليم الأساسي و24% بين الأطفال في عمر التعليم الإعدادي .
وقد يعزى عدم إلحاق الأطفال في المدارس نهائياً في المناطق الريفية إلى أن دخل بعض الأسرهناك لا يسمح لها بالاستغناء التام عن أولادها في العمل الزراعي رغم صغر سنهم ،وهذا ناتج عن النمط الاقتصادي السائد في الريف والتكوين العائلي، مما يترك أثراً واضحاً في حجم التسرب من المدرسة الابتدائية .ولا يقتصر هذا الأمر على الريف بل يشمل المدن أيضاً، وخاصة في الطبقات الفقيرة والعاملة.حيث نجد أن كثيراً من الأولاد في سن التعليم الابتدائي يستخدمون في المقاهي ولدى الباعة المتجولين والحوانيت أما الفتيات فيستخدمن للعمل لدى بعض الأسر الميسورة .
ومما يؤسف له انه حتى لو تم إلحاق هؤلاء الأطفال في المدارس، فإنهم معرضون بنحو خاص لخطر التسرب منها قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي بالرغم من مجانية التعليم في هذه المرحلة ، إذ أن إرسالهم إلى المدرسة يتطلب من أسرهم إنفاق المال على اللوازم المدرسية من قرطاسية و ملابس وغيرها من التكاليف غير المباشرة كالمواصلات والمصروف اليومي للطفل، وهو ما لا تتمكن أسرهم الفقيرة والهشة من احتماله .
و يقترح البعض في هذا المجال حلولاً قانونية للحد من التسرب المدرسي مفادها العمل على إيجاد قانون أو نظام يلزم أولياء الأمور بتسجيل أبنائهم في المدارس وفرض الغرامات المالية عليهم في حالة امتناعهم عن ذلك و ضرورة تفعيل نص المادة15/ ب من قانون التربية والتعليم وذلك بمنع أي طالب من ترك مقاعد الدراسة قبل إتمام السادسة عشرة من عمره ، والنص على عقوبات على ولي أمر الطالب الذي يسمح لابنه بالإنقطاع عن المدرسة قبل إتمام هذا السن. ولكننا نرى أن هذه المقترحات و إن نفذت فإنها ستصطدم بواقع الأسر الفقيرة و المعدمة و التي ستفصل لقمة العيش على أي أمر آخرحتى ولو كان تعليم أبنائهم .
وإزاء هذا الواقع المؤلم، وهذه الأرقام الصادمة، وإزاء التحذيرات المتكررة من زيادة عمالة الأطفال في الأردن جراء أزمة كورونا التي فاقمت و بشكل َكبير العوامل الأساسية التي تزيد من عمالة الأطفال ؛نتساءل عن الحل لوقف هذا التزايد الملحوظ في معدلات عمالة الأطفال وما يستتبعها من ظاهرة التسرب المدرسي بكل ما تحمله من آثار سلبية على المتسرب و المجتمع و ما تؤدي إليه من إعاقة لسير العملية التربوية ومن الإهدار التربوي ؟؟
فلو نظرنا إلى الناحية التشريعية نجد أن القوانين الأردنية جاءت منسجمة تماماً مع معايير العمل الدولية وخاصةً فيما يتعلق بالتوافق والتكامـل بـین قـوانین العمـل والتعلـیم بمـا یحقـق تسـاوي السـن الـدنیا للعمـل مـع سـن الانتهـــاء مـــن التعلـــیم الأساســـي، بهـــدف الحیلولـــة دون تشـــغیل الطفــل قبـــل الانتهـــاء مـــن التعلـــیم الإلزامي حيث منع قانون العمل الأردني تشغيل الحدث إذا لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور مطبقاً بذلك ما ورد في إتفاقية العمل الدولية رقم 138 الخاصة بـ “الحد الأدنى لسن الاستخدام” كما منع تشغيله في الأعمال الخطرة أو المرهقة أو المضرة بالصحة قبل بلوغ الثامنة عشرة وعلى أن لا تزيد ساعات عمله عن 6 ساعات، وأن لا يتم تشغيله ليلاً وفي الأعياد والعطل الرسمية إعمالاً للاتفاقية رقم 182 الخاصة بـ “حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال” وعاقب صاحب العمل المخالف بغرامة تتراوح ما بين (300) و(500) دينار. ويضاف إلى ذلك مصادقة الأردن على اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1989 والتي تعد منطلقا هاما لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي .
إلا أن هذاالتوافق والتكامـل والتواءم في التشريعات الأردنية في مكافحة عمالة الأطفال لم تحل دون زيادتها خلال السنوات الماضية، وذلك لأن العوزوالفقر أقوى من كل التشريعات و القوانين، فالإشكالية الأساسية لـیست مشـكلة قـانون أو إیجـاد قـانون، بل تتمثل في مدى فعالية هـذا القـانون وهـل هنـاك تصميم مـن طـرف الجهـات المختصـة على تطبیقه و تفعيله؟ وهل وجود هذا القانون یجعل الطفل الأردني في مأمن من الأخطار وخاصة أن الواقع الإقتصادي هو الذي يسيطر على ظاهرة عمالة الأطفال؟
وقد أجاب عن هذه التساؤلات تقرير حديث صادر عن منظمة العمل الدولية حيث أشار إلى أن تحسين الحمايات القانونية وإدارة سوق العمل والحمايات الاجتماعية وفرص الحصول على تعليم جيد والحوار الاجتماعي بين الحكومات والشركاء الاجتماعيين وغيرهم من أصحاب المصلحة المهتمين تُعد جوانب مهمة في مكافحة عمل الأطفال .كما أضاف أنه لا يمكن للتشريعات وحدها أن تقضي على عمل الأطفال، ولكن في الوقت نفسه لن يكون من الممكن القضاء عليه دون تشريعات فعالة. فأكثر من 99.9 في المائة من أطفال العالم في سن 5-17 عاماً تشملهم اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 لعام 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها والتي صادقت عليه 181 دولة. كما حظيت الاتفاقية رقم 138 لعام 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام بمصادقة واسعة، إذ صادقت عليها 170 دولة. ولكن تحويل هذه المعايير إلى قوانين وطنية لا يزال يشكل تحدياً كبيراً، وكذلك ضمان الرصد والتطبيق الفعالين للقوانين النافذة لمكافحة عمل الأطفال. وثمة أيضاً حاجة إلى أنظمة قوية لتفتيش العمل لأنه نادراً ما يصل إلى أماكن العمل في الاقتصاد غير المنظم حيث يعمل معظم الأطفال العاملون .
ونحن بدورنا نرى أن الحل الجذري في مكافحة عمالة الأطفال يكمن في محاربة الفقر من خلال زيادة الاستثمار في أنظمة وخطط الحماية الاجتماعية، إذ أن الحماية الاجتماعية تقلل من فقر الأسرة وضعفها، وبالتالي تقلل من الدوافع الرئيسية لعمل الأطفال وفقًا لتقرير جديد صادر عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
فأنظمة الحماية الاجتماعية الحكومية ضرورية لمحاربة الفقر والضعف، والقضاء على عمالة الأطفال ومنعها وهي حق من حقوق الإنسان وأداة سياسية فعالة لمنع الأسر من اللجوء إلى عمالة الأطفال و خاصةً في أوقات الأزمات. فمن الأهمية بمكان قيام الحكومة بإجراءات على مستوى السياسات الاجتماعية، وتطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاقتصادية لأسر الأطفال المعرضين للانخراط في سوق العمل، وتطوير سياسات للحد من البطالة، وتفعيل دور صندوق التعطل، وشمول عمال المياومة والعاملين لحسابهم الخاص بمظلة الضمان الإجتماعي، وربط الأسر المتضررة بشبكات الأمان الاجتماعي .
كما يتوجب على منظمات المجتمع المدني دعم سياسات الحد من عمالة الأطفال من خلال تبني المشاريع المتکاملة لمکافحة عمل الأطفال والقضاء على أسوأ أشکال العمل وذلك من خلال إعادة تأهيل وإدماج الأطفال العاملين في المؤسسات التعليمية وتوجيه البعض منهم إلى المسار المهني وتوفير الإمکانيات والدعم اللازمين لمنع الأطفال من خطر الانضمام إلى سوق العمل فضلاً عن وضع استراتيجيات مبتکرة لتوفير سبل العيش المستدامة لأسرهم. كما يتوجب عليها المساهمة الفعالة في التوعية المجتمعية بخطورة تشغيل الأطفال وبالحقوق التي تكفلها التشريعات والقوانين والإتفاقيات والتوعية بضرورة توفير الحماية من المخاطر ومشقة العمل وتوفير ضمانات الرعاية الطبية الدورية، وتحديد ساعات العمل التي يجب عدم تجاوزها عند تشغيل الأطفال في سن ما بين 16 و18 سنة.
و في النهاية فإن الشعار الذي تبنته الأمم المتحدة في اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال للعام 2022
“الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمل الأطفال”
وذلك لإدراك المجتمع الدولي ان الفقر وهشاشة الأوضاع الإقتصادية هم المسبب الرئيسي لعمالة الأطفال .

الاخبار العاجلة