صراحة نيوز – بقلم حسين الرواشدة
نصوم في رمضان، فنمتنع عن تناول الطعام والشراب، ونمتنع، أيضا، عن فعل المنكرات والشرور، الصيام بهذا المعنى امتناع عن ممارسة العوائد الآدمية، والغرائز البشرية، التي نباشرها أحد عشر شهرا بالسنة، كما أنه من جهة أخرى، انفتاح كامل على “الخير العام”.
الصائم يضبط ساعته الإيمانية على “التقوى” التي تتحرك عقاربها باتجاه دوران الضمير، فلا صيام بعكس هذا الاتجاه، ولا إفطار، بالتالي، يتناقض مع عنوان “الخيرات”، بما تشتمله من علاقة بين الإنسان وربه، والإنسان وأخيه الإنسان.
مثلما نحتاج الصيام لتقوية المناعة والوازع الديني، وإنعاش الضمير الإنساني، تحتاج السياسة، وبالتالي السياسيون، للصيام عن العوائد السياسية التي يباشرونها على مدى العام، الامتناع عن استفزاز الناس بمقررات غير مدروسة، وغير مفهومة، الامتناع، أيضا، عن الاستهانة بعقول المواطنين، أو إهانتهم بتصريحات وإجراءات محمولة على مراكب الاستعلاء والتذاكي.
الصيام السياسي هو أفضل ما يمكن أن يفعله السياسيون الذين يريدون استعادة ثقة المواطنين بهم، الثقة، هنا، معادل موضوعي للتقوى، وهما وجهان لعملة الطهارة السياسية التي غالبا ما نفتقدها.
الأهم من صيام السياسيين عن المنكرات السياسية، أن لا يصوموا عن العمل والحركة، وعن خدمة المواطنين والإحساس بمعاناتهم، وأن لا يصفدوا أيديهم عن تقديم ما يلزم من واجبات أقسموا على القيام بها حين تسلموا مواقعهم.
إفطار السياسيين هنا مطلوب وضروري، لكن السؤال، على ماذا يفطرون؟ مراجعة الأخطاء التي تراكمت، والإصلاحات التي تأخرت، والانسدادات التي قادت للفشل، هذه مواسم الإفطار الواجبة برمضان، فمرحبا بالإفطار السياسي حين يكون بإطار المراجعة، واستعادة الصدقية، والانسجام مع مصالح البلد والناس.
إفطار السياسيين عبادة، حين يخرجون عن صمتهم وامتناعهم عن الاستماع لأصوات الأردنيين المظلومين، وإعادة حقوقهم اليهم، وحين يتحررون من خوفهم على مواقعهم، لمصلحة خوفهم على البلد، وحين يفطرون على “شق تمرة”، ويحاسبوا أنفسهم وغيرهم على مثلها إذا كانت من المال العام.
إفطارهم عبادة حين تكون التقوى السياسية حاضرة على الدوام بأفعالهم وأقوالهم، وحين يصلون على “سجادة” الوطن، لا على سجادات المغانم والمكاسب، ويذهبون “للتراويح” ليريحوا عباد الله، ويخففوا عنهم أتعابهم وقسوة ظروفهم، لا أن “يروحوا” عن أنفسهم وأصدقائهم فقط.
يستنفر الأردنيون للصيام بهذا الشهر، يستعدون، تماما، للاحتفاء به، واستقباله بما يلزم من إيمانيات وخيرات، فهل بوسع الدولة، بمختلف إداراتها، أن تصوم وتستقبل شهر رمضان، كما يستقبله الناس العاديون؟
صيام الدولة السياسي، وكذلك إفطارها، أصبح ضروريا، كم من السياسات والإجراءات والمقررات تحتاج للصيام، وكم مثلها يحتاج للإفطار والإشهار، الأجندة التي تتعلق بالنهج العام معروفة، ومزدحمة بالتفاصيل، رمضان فرصة ثمينة للدولة لمباشرة التغييرات الكبرى، بدون تردد، فهل ستفعلها، أم أنها ستبقى تنتظر “ليلة قدر” سياسية، ربما لن يراها أحد؟ لا أدري.