صراجة نيوز – كتب الوزير الأسبق الدكتور صبري الربيحات مقالة تناول فيها مناقشات النواب للمواززنة وكانت بعنوان ( الموازنة .. ووابل الخطب والبيانات )
نص المقال
من الصعب اعتبار ما يجري تحت القبة مناقشة جادة وموضوعية للموازنة العامة للدولة. فالكثير مما ورد في خطابات النواب لا يعدو ملاحظات عامة وكلمات مرتجلة وفرد عضلات لا علاقة له بالمناسبة ولا يمس فلسفة وأسلوب وغايات الخطة المالية للدولة. الكثير مما قاله النواب لا يفيد في تطوير المشروع أو في بيان فعالية الرقابة التي يقوم بها المجلس على أداء الحكومة، فغالبية ما قيل يعبر عن مطالبهم ورغباتهم وميولهم أكثر مما يرتبط ببنية الموازنة وتوزيع ارقامها وتخصيصاتها ومحاكمة قدرتها على إحداث التغيير والنهضة في الميادين والمجالات التي قالت الحكومة بأنها ستوليها عناية فائقة.
في معظم الخطابات ناقش النواب الموازنة دون العودة إلى بيان الحكومة السياسي الذي نالت بموجبه الثقة. بعض الخطباء استثمر المناسبة ليدلي ببيان حول مواقفه التاريخية والبعض الآخر قدم مرافعة عن نزاهته ونظافة يده في حين قدم آخرون بيانات انتخابية لدوائرهم وسعى غيرهم لتحسين علاقتهم بالحكومة او ارسال رسائل في كل الاتجاهات. الأصل أن ينظر للموازنة العامة على انها خطة انفاق الحكومة المرتبطة بسياساتها للعام القادم ومن المفترض أن يجري تقييمها في ضوء ما قالت الحكومة انها ستنفذه خلال العام.
مشروع الموازنة الذي تقدمت به الحكومة لمجلس النواب لا يعكس ملامح خطة النهوض الوطني التي قال الرئيس بانه سيعمل على تنفيذها فقد زادت النفقات الجارية على 88 % من مجمل المبالغ الواردة في باب النفقات وجهت لبنود الرواتب والاجور والتقاعد وخدمة الدين العام فلا مخصصات استثنائية لبرنامج الدمقرطة والإصلاح السياسي الذي سيقود إلى الدولة القوية التي كانت أولى أولويات الرئيس وأهم محاور خطة النهوض الوطني التي سبق وأن عرض اركانها في محاضرته الشهيرة في الجامعة الأردنية قبل أشهر.
على الصعيد الاقتصادي لا يوجد في الموازنة ما يشير إلى نية الحكومة لإصلاح الدورة الاقتصادية التي قال الرئيس بانها ستجلب الاستثمار وتولد فرص العمل وتحقق النمو وتنعكس ايجابا على نوعية حياة الناس. في بند ايرادات الموازنة الجديدة هناك اعتماد كبير على المواطن فهو المورد الاساسي لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات فبالاضافة إلى الاعباء الضريبية المباشرة وضرائب الرسوم والسلع والخدمات لا يوجد ضمن الموازنة مصادر جديدة لموارد يمكن ان تعفي المواطن من الاعباء او تقلل احتمالات اللجوء لزيادة الاسعار ورفع الضرائب.
التكافل الاجتماعي الذي جاء عنوانا للمحور الثالث من برنامج النهوض الذي تحدث عنه الرئيس لا يبدو واضحا تماما في الموازنة التي تحدث عنها الرئيس فلا تغيير ملحوظ على كمية ومستوى الانفاق على التعليم يزيد على حاجة القطاع للخدمات التي تفرضها معدلات النمو الطبيعي في اعداد الطلبة والمدارس كما غابت عن موازنة الصحة المخصصات الضرورية للأجهزة والتكنولوجيا الطبية التي اصبحت أهم عناصر التشخيص والرعاية. فمنذ سنوات تعاني مستشفيات القطاع العام من مشاكل الاكتظاظ ونقص أطباء الاختصاص واختفاء العلاجات والأدوية الضرورية لبعض الأمراض وعدم كفاية الأجهزة والحاجة إلى تكنولوجيا طبية جديدة .
على مستوى النقل يعاني الأردن من رداءة وسوء إدارة انظمة النقل العام الأمر الذي يجعل من التنقل عبئا اقتصاديا مرهقا لميزانيات الأسر الفقيرة والمتوسطة وقد عانى هذا القطاع وظل يعاني على مدار أكثر من ثلاثة عقود دون أي نجاح يذكر في ايجاد حلول مناسبة لمشكلة تبدو في غاية السهولة.
التربية والصحة والنقل والتعليم العالي والعمل والسياحة والتنمية الاجتماعية بعض من القطاعات التي كنا نتطلع الى وجود خطط ومعالجات حقيقية لها من خلال سياسات وبرامج تعكسها الموازنة. البرامج التي تديرها بعض المؤسسات بمنح خارجية تأتي وتذهب دون ان يلمس آثارها المواطن أو المجتمعات المستهدفة. العديد من البرامج تفتقر لمعرفة حقيقية بالواقع وتعمل ضمن تصورات وافتراضات وموازنات وبرامج غير مطابقة لحاجات وخصوصية الفئات التي تتناولها.
في الأردن اليوم لا يوجد ما هو خفي على الناس. المشكلات أصبحت معروفة للجميع والحلول واضحة وليست صعبة المنال.
المشكلة الحقيقية في ضعف آلية اتخاذ القرار وغياب الجرأة لدى من يعمل على تنفيذه. في كل مكان يعرف الناس أن الاقتصاد في أزمة وأن هناك مشكلات في الإدارة وضعفا في التنسيق وتداخلاً بين المصلحة الشخصية والوظيفة العامة .لكن الجميع منشغل في الخلاص الفردي ومكتف بإعادة تشخيص الواقع والشكوى من غياب الحلول واتهام الآخر بالتقصير والتواطؤ.