محاولات “العبث” التي تجري لزعزعة أمننا الديني والاجتماعي أصبحت مكشوفة، لا يهم من يقف وراءها، سواء الذين أشهروا أنفسهم “كواجهات” لتنفيذ المهمة، أو الآخرون الذين يتولون ادارتها وتمويلها والترويج لها، المهم أن تتحرك الدولة، بكافة مؤسساتها، لحماية المجتمع من هذا الخطر. الأمن الديني والاجتماعي لا يقل أهمية – في تقديري – عن الأمن السياسي، لأن أي محاولة لاختراقه أو ” تمييعه” ستقوض سلامة المجتمع وتماسكه، وستضرب على “عصب” الهوية التي تشكل سياج الدولة ومداميك قيمها وشرعيتها، عندئذ لن تجد “السياسة” ما يمكن أن تفعله في مجتمع يعاني من “جراحات” الشك والخوف على أهم ما لديه، وهي التعاليم والقيم والتقاليد التي تشكل إطاره الحضاري، ومصدر اعتزازه، وباعثه للحياة الطيبة والمستقبل الأفضل. هنا، لا بد من التذكير بمسألتين، الأولى أن الأردن ارتبط تاريخيا بالدين، حيث لا توجد ذرة تراب اردنية خالية من “إرث ديني”، الثانية أن الدولة الأردنية تأسست منذ مائة عام على الشرعية الدينية، وبالتالي فإن أي دعوة لعزل الأردنيين عن تاريخهم وقيمهم الدينية، سواء باسم “الدولة المدنية” او “التكيف مع مستجدات العصر، لن تكون مقبولة، كما ان من يقف وراءها سيواجه غضب الناس وازدراءهم (آسف) أيضا. لدي ما يكفي من إشارات حول ما جرى من محاولات للعبث في مجالنا الديني، سواء بما يتعلق بمناهج التعليم او بكليات الشريعة والعلوم الشرعية، او بالمؤسسات الدينية والتيارات الفاعلة بالشأن الديني، هذه المحاولات وغيرها صبت في اتجاه واحد، وهو اضعاف الفعل والوازع الديني، وسحب القيم الدينية الصحيحة من منصات التأثير، ثم إرباك المشهد الديني وخلق فزاعات وثنائيات لإدامة الخلاف وافتعال الصدام، وذلك من خلال استدعاء الماضي، بمذاهبه الفقهية وفرقه العقائدية بشكل انتقائي، لصناعة “حالة دينية” رجراجة وغير مستقرة، يجري توظيفها في اتجاهات متعددة. أما ما حدث في المجال الاجتماعي فقد توزع بين محاولات تكسير الوسائط الاجتماعية، واختراق منظومة الأسرة، وإشاعة مناخات الفاحشة، وتقديم نماذج الثقافة الهابطة والفن الرخيص، وتعميم قيم وتقاليد غريبة على مجتمعنا، ثم الاحتفاء برموزها، وتشجيع المستثمرين في “أسواقها” لعرض بضائعهم، واستقطاب التمويل اللازم خدمة لأجنداتهم. التفاصيل طويلة لا مجال لسردها هنا، يكفي ان ندقق بالأجندات التي أصبحت تحظى بالاهتمام، مثل المرأة والطفل والقاصرات والاجهاض.. الخ، لندرك أن المقصود ليس إنصاف هذه الفئات او الدفاع عن حقوقها، إنما الهدف تفكيك منظومة الأسرة والمجتمع وتحريرها من مرجعيتها الدينية والاجتماعية، ثم ربطها بمرجعيات أخرى لا علاقة لها بالدين، ولا بالعدالة والاخلاق، والفطرة الإنسانية السليمة. أعرف تماما أن رياح “العولمة” هبت على مجتمعات العالم ، ونحن جزء منها، وأن ثمة استحقاقات سياسية واقتصادية فرضت أجنداتها على واقعنا، وأننا بالتالي ندفع ضريبة هذه التحولات والاستحقاقات، لكن ما لا أفهمه ( ولا أقبله) هو أن نفتح أبوابنا على مصراعيها لدخول كل القيم الوافدة، ونتطوع بأنفسنا ( ونبالغ أحيانا) بإجراء ما لا لزوم له من ” هندسة ” لمجالنا الديني والاجتماعي، بشكل يتناقض مع مصالحنا وتجاربنا الأصيلة. عندئذ، سنغامر بركوب موجة التحديث المغشوش، وسنزرع بأيدينا أحساك التفكيك والانقسام، والصدام والكراهية، وسط مجتمع أردني محافظ تميز بالاعتدال في مزاجه الديني، والتماسك في بنيته الاجتماعية، وأفرز أفضل تجربة في الوئام والانسجام. يا سادة، بلدنا لا يحتمل مزيدا من العبث بنسيجه الاجتماعي ونواميسه الدينية، يكفيه ما يعاني على صعيد معيشته الصعبة، رجاء، لا تدفعوه بوصفاتكم البائسة الى الجدار.