صراحة نيوز – بقلم سارة طارق السهيل
بعد جهود حثيثة ولعدة سنوات من أجل اقرار ميثاق قانوني يحفظ حقوق الطفل بالمملكة الاردنية، اخيرا وصل مشروع هذا القانون للبرلمان للتصديق عليه، لكنه صادف كالعادة جدلا بين مؤيد ومعارض، وكلاهما له وجهة نظره محل التقدير والاحترام، ولكننا بحاجة الى التوصل لتفاهم حول صيغ قانونية تريح الطرفين بما يحقق مصالح الطفل .
منبع هذا الجدل هو أولا: ان هذا القانون يتصل بمستقبل أطهر وأقدس انسان على الارض وهو الطفل، وان أي ثغرة في القانون وتمريرها قد تدمر قدسية هذا الطفل وتقضي عليه مستقبلا.
ثانيا: أن المجتمع الاردني مجتمع قبلي وعشائري محافظ على القيم الاجتماعية المتوارثة، ومن ثم فهو لا يقبل التغيير بسهولة، لكنه قد يقبله اذا ما اطمئن اليه وانه سوف يكون اكثر فائدة للمجتمع .
ولاننا امام قضية مستقبل ومصير أجيال فمن الطبيعي ان يحدث هذا الخلاف في وجهات النظر، ولكن ينبغي ألا يصل بنا الى طريق مسدود يقف حجر عثرة امام انجاز هذا القانون فتضيع الجهود المبذولة فيه خلال 12 عاما الماضية ونحرم الطفل من حقوقه.
وبدلا من ان نهاجم مشروع القانون ونرفضه فعلينا ان نكون اكثر عقلانية وتحضر وان نسهم معا في تقديم مقترحات عملية لتعديل البنود المختلف عليها والمقلقة للبعض منار ربما اكون انا احدهم.
وأي عاقل لابد وان ينظر بعين التقدير لمشروع هذا القانون، فهو يعالج الكثير من القضايا المتعلقة بحقوق الطفل مثلا حق التعليم والتوسع في رياض الاطفال والرعاية الصحية وانشاء مراكز متخصصة للحماية من الادمان ومن العنف الأسري المتزايد.
ولاشك انني أؤيد الكثير من البنود المطروحة في مشروع قانون الطفل، وخاصة وان 90% من بنوده تحقق الاحتياجات الضرورية لحماية الطفل، ولكن هناك بنودا أخرى تتضمن ثغرات قد تهدم بناء الطفل وشخصيته السوية في المستقبل، في صدارتها مفهوم حرية الطفل ، فقد وردت بعبارات مطاطية لم يطمئن اليها مسلمو ومسيحيو الاردن.
فإطلاق الحرية دونما ضوابط رقابية من الاسرة وهي الاكثر ارتباطا بالطفل في مراحل تنشئته المختلفة، قد يفسد الطفل وينمي بداخله مشاعر الانانية المفرطة التي تقود لاحقا الى مخاطر السلوك البوهيمي والفوضوي والعدواني .
فقد أعطي انا كأحد ذوي الطفل حق للطفل في شراء ملابسه واختيار اللعبة الرياضية واماكن التنزه والتسلية المأمونة بصحبة الاهل او الاصدقاء الموثوق بهم، ولكن هل يمكن ان اعطي الطفل حق تغيير معتقده الديني وهو في سن لا يفقه فيه هذه المعتقدات الدينية؟.
نعم للانسان الحق في تغيير معتقده الديني فهو حر عندما يبلغ الاهلية بسن الرشد فيختار ما يشاء ليكون مسئولا عن اختياره، ولكني كيف أمنح الطفل غير المؤهل فكريا ونفسيا واجتماعيا حرية تغيير متعقده الديني؟!، او مثلا اختيار ما يشاهده او يتابعه على وسائل التواصل من امور محضورة على سنه وعقله نفسيا وتربويا وطبيا قبل ان يكون محظورا من الناحية الدينية او الاخلاقية، كذلك منح مشروع القانون حق الطفل بالمشاركة في التجمعات والنوادي على اطلاقها دونما وضع عبارات تضبط طبيعة هذه التجمعات، فقد تتضمن هذه التجمعات افرادا وافكارا مسمومة وشيطانية ومخالفة للقيم الاخلاقية المتعارف عليها، بما لا ينسجم مع مجتمعاتنا وبيئاتنا فما يناسب بلد معين من الممكن ألا يكون مناسبا في بلد اخر، واذا ما تم اقرار مثل هذا البند فلا يحق للأسرة التدخل ومنع أبنائهم من الارتباط بمثل هذه التجمعات الخطرة .
ومن العبارات المقلقة ايضا نص حق الطفل في طلب المعلومات والحصول عليها، وهو حق اصيل لكنه اذا ترك فضفاضا فانه قد يتيح للطفل معلومات لا تتناسب من قيمه التربوية والاسرية مما يحدث خللا في منظومته الاخلاقية والسلوكية.
وتضمن مشروع القانون دعوة الجهات المختصة بما فيها وزارتي الصحة والتربية والتعليم اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتوفير برامج التوعية المتعلقة بنمو الطفل والتطورات الجسمية والنفسية والصحة الجنسية،وهذا النوع من الثقافة وهي ضرورية بقدر معين ، وبشكل معين وفي اطار يتناسب مع سنه وثقافته المجتمعية واذا مررناه على اطلاقه، فاننا نفتح بذلك باب واسع من الممكن ان يتفرغ لنطاقات لا يحمد عقباها في مؤسسات التربية والتعليم وخطورته في فتح عيون الاطفال على امور لا تناسب سنهم فتكون نتائجها وخيمه لان مثل هذه الامور يجب ان تكون في اطار التوعية للحماية من التعرض للخطر من الغرباء لا ان تكون باب لإخراج الطفل من دور البراءة والعفة فتجعل منه سابقا لأوانه .
في تقديري، اننا لا نسطيع ان نطلق العنان لحرية الطفل، واذا فعلنا، فاننا نفتح عليهم وعلى المجتمع باب جهنم، واذا تركنا للطفل حرية مشاهدة افلام العنف او افلام غير سوية اخلاقيا مثلا او حرية اختيار الاصدقاء بلا ضوابط اسرية او مراقبة، فقد يلتقي الطفل بأصحاب السوء فيفسد بسرعة تلف الزرع قبل ان تنضج بثمارها .
حتى في اوروبا واميركا هناك ضوابط على سبيل المثال يمنع الاطفال في السينما من مشاهدة بعض الافلام لانها تتخل مشاهد عنف او مشاهد خاصة حتى بعض الكتب والمنشورات وبعض المواقع لا يسمح للجميع في البلدان المتقدمة استخدامها ؛ فمفهوم الحرية الوارد في نصوص مشروع هذا القانون فضفاضة وليست مريحة للكثيريين، فكيف أترك للطفل حرية المعتقد وهو في سن لا يفقه شئ عن الحياة الا النذر اليسير وبدون خبرات انسانية تؤهله للاختيار ، فاذا تركنا له الحرية، قد يختار ان يكون لا ديني، او ان يكون مثلي الجنس في مخالفة صريحة للفطرة الانسانية السوية، فمن له حق الاختيار يجب ان يكون بالغ راشد عاقل صاحب خبرة وتجربة ونظرة حتى يكون له حق الاختيار فالطفل ليس حقل تجارب لنجعله عرضه في وقت مبكر للاخطاء التي لا يستطيع بصغر سنه تداركها او تدارك تبعاتها .
علينا ان نقر بأننا في زمن السموات المفتوحة والحرية جزء اصيل في بناء الانسان وتقدمه، لكننا نعيش ايضا في زمن تتماوج فيه الافكار الاصلاحية بافكار الأبالسة في كل مكان بالعالم، فما هي عبقرية هذا الطفل وسط هذا التماوج حتى تتاح له الحرية المطلقة في الاختيار ؟.
في ظني ان مشروع هذا القانون يفتقر الى خبرات علماء نفس الطفل والتربويين المتخصصين بمجال الطفولة وتنشئته، نعم كلنا تحفظنا ورفضنا أساليب تربية الطفل قديما على الخضوع والخجل الزائد عن الحد وعدم قدرته في التعبير عن نفسه مما أحدث خللا كبيرا بداخله ينقصه الجرأة والشجاعة والاقدام والتطور الاسرع في بناء شخصيته ونجاحاته العلمية والعلمية ،في مقابل طفل اليوم الاكثر جرأة وقدرة في التعبير عن نفسه واحتياجاته ومن ثم حاجته لمزيد من الحرية، ولكن ان تكون حرية مضبوطة بالايقاع الاسري والاجتماعي الذي يحفظ الطفل من هلاك الحرية المطلقة .
وفي تصوري الخطأ الذي وقعت به الاسر قديما في تربية ابناءها على العنف والقهر والخضوع الكامل لسلطة الابوين مما ألغى ارداة الاطفال كان تطرفا وعنفا اجتماعيا يقابل اليوم عنف موازي وتطرف في اطلاق الحرية للطفل في مشروعات قوانين تحاول الانتصار لحق الطفل .
ولذلك وجدنا نصا يختص بحق الأطفال في حفظ خصوصيتهم من تدخلات الأهل، ومنعهم من انتهاك حياتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، علما بأن وسائل التواصل مليئة بالعديد من المخاطر التي قد تدمر عقل الطفل ونفسيته بقدر ما تفتح له من الافاق الثقافية والمعرفية الكثيرة جدا .
ومن مظاهر خطورة مشروع القانون في اعطاء الحق للطفل لاحترام حياته الخاصة والحق بمقاضاة الأبوين في حال اطلاعهم على مراسلاته أو تدخلهم في حياته الشخصية، جورا لحق الاسرة في حماية اطفالهم، ومنحها لسلطات اخرى قانونية، مثل منح الطفل الحق في التواصل مع مقدمي الخدمات القانونية دون قيد أو شرط، مما يجرد الابوين من سلطاتهم الرقابية وهذا تطرف واخلال بدور الاسرة في حماية ابنائها، ويفقد الاطفال قيمة مرجعية ذويهم وتقديرهم، بل انه قد يفقد الاسرة كلها التراحم والتفاهم فيما بينها فتشتعل البيوت بالخلاف المدمر .
نعم اقر بأن بعض الاسر غير مؤهلة للتعامل مع طفل والبعض يقوم بالاعتداء على الطفل ويمنع عنه الحقوق في العيش الكريم والآمن و البعض يستغل اطفاله في العمالة المبكرة او الضرب المبرح او تشغيلهم في اعمال مخلة او ادراجهم في عصابات الممنوعات او التسول او المخدرات او اطفال الشوارع اعلم بأن الكثير من الاحداث ما هم الا ضحايا ابويهم او احد ذويهم و لكن ما ذنب الاسر السوية بأن تواجه قانون يجب ان يكون خاص بهذه الحالات ولكنه عم على الحالات كلها .
في تصوري اننا بحاجة الى التمهل قليلا لدراسة بنود مشروع قانون الطفل ، والعمل على معالجة اوجه القصور الواردة في بعض عباراته غير الواضحة والتي احدثت بلبلة ولغطا ، نحن في غنى عنها مثل العبارات المطاطية لحرية الطفل ، والتي يستند اليها رافضو القانون وأدخلتهم في دوامات من مخاوف مخالفة الضوابط الدينية في ظل تكريس استقلال الطفل عن أسرته فكريا أو دينيا، وذلك رغم الجهد الكبير والمشكور المبذول في انجاز مشورع هذا القانون .
أكدت وزيرة الدولة للشؤون القانونية، على حرص الحكومة على مراعاة خصوصية المجتمع الاردني عند صياغة القانون، والبرهنة على ذلك بنص المادة الخامسة من القانون ،التي تنص صراحة على أن ” التنشئة السليمة للطفل تحترم الحرية والكرامة والإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية”. ، فان هذا التأكيد داخل القانون لم يشفع للخائفين في المجتمع بالطمأنينة على حماية اطفالهم في ظل حرية أكبر خاصة اذا مرت سنوات طويلة حيث ان الاشياء تنحرف عن منحاها مع الزمن.
الا انني لا يسعني الا ان اثمن الدور الذي تقوم به اللجنة القانونية بمجلس النواب في العمل على ارساء حقوق الطفل، ولكن الامر يحتاج أيضا الاستماع الى مقترحات الخبراء المتخصصيين بمجال علم نفس الطفل وعلم الاجتماع والتربية .
ويمكن دعوة المتخصصيين بهذه المجالات مع مؤسسات المجتمع المدني عبر مؤتمرات سريعة كسبا للوقت، وورش عمل مع الخبراء القانونيين لصياغة البنود الواردة بمشروع قانون الطفل محل الخلاف والرفض والتوصل الى مقترحات و توصيات تتوافق مع طبيعة المجتمع وقيمه حتى لا يلفظ المجتمع هذا القانون بعد التصديق عليه .
واهم ما يجب العمل على دراسته وانجازه أولا تحديد العبارات والمصطلحات الخاصة بالحرية ، وتحديد مفهوم دور الاسرة كعنصر فاعل في منح الطفل للحرية، وان يتوافق مشروع قانون الطفل بعد مراجعته مع قانون الأحوال الشخصية، المختص بحل قضايا الأسرة ومنها حفظ حقوق الرعاية والنفقة والتعليم للطفل، مقابل ما يتوافر للأبوين من حقوق بشأن تربية ابنائهم وتنشئتهم على أسس تربوية و أسرية سوية .
وهذا التوافق لقانون الطفل مع قانون الاحوال الشخصية ، من شأنه أن يغلق باب الجدل والخلاف من جانب المهاجمين لقانون الطفل ، ويسمح باذابة الخلافات في وجهات النظر الخاصة بالمخاوف المحتملة من منح الطفل حرية اكبر من سلطة ذويهم قد تدفعهم للتطاول على ذويهم والتمرد عليهم وعلى المجتمع ككل في وقت لاحق .
ولاشك ان التحديد المفصلي للمصطلحات القانونية وبيانها بدقة من خلال تعريفات مفصلة من شأنه أن يغلق أبواب الصراعات الاجتماعية والقانونية المحتملة عند اقرار قانون الطفل وتفعيله على ارض الواقع، ويجنب المجتمع الكثير من الصدمات المحتملة داخل المؤسسة الاسرية .
ومن أمثلة ذلك عبارة “احترام حياة الطفل الخاصة” التي تحتاج لذلك التفصيل القانوني والاجتماعي لها والواردة في الفقرة أ من المادة 8 من مشروع القانون.
ووقف خبراء القانون أنفسهم عند اشكاليات قانونية واردة ببعض العبرات في المادة 24 من مشروع القانون والخاصة بالحق في المساعدة القانونية والتمثيل القانوني، وصعوبة تطبيقها على أرض الواقع لان الطفل لا يملك أهلية قانونية لتوكيل محامي للدفاع عن حقوقه فيما يخص هذه النقطة، ولا بد ان يكون راشدا لكي يتمتع أهلية التوكيل للمحامي وفقا لنصوص القانون المدني .
وهنا يتضح ان مشروع قانون الطفل يحتاج لمراجعات تربوية واجتماعية ونفسية وايضا قانونية قبل التصديق عليه ،وان هذه المراجعات لابد وان تنطلق من مبدأ أساسي وهو تحديد المطصلحات والتعريفات الخاصة بأنواع الحقوق الواردة للطفل بمشروع هذا القانون، وان تخضع هذه المراجعات لاستطلاعات رأي وخبراء متخصيين بالطفولة، وان يتوافق عليها مختلف اطياف الشعب الاردني حتي تحظي بالقبول ومن التطبيق علي ارض الواقع بيسر وسهولة