صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
في جردة سريعة للأحداث الارهابية، التي شهدها الأردن في السنوات الأخيرة – هذا لا يعني قبلها لم نشهد أحداثا إرهابية دامية – دعونا نتوقف عند الأحداث الأكثر غرابة وغموضا، بدءا من حادثة اطلاق النارعام 2015 في مركز تدريب الشرطة في الموقر من قبل نقيب أمني، على زملائه إذ سقط ستة قتلى ، إلى أحداث عام 2016 ، الذي وصف بعام الارهاب، إذ بدأ بحادثة إربد الارهابية حيث سقط رائد من وحدة العمليات الخاصة شهيدا، وقُتل سبعة من الخلية المسلحة في أثناء الاشتباك واعتقل آخرون ، مرورا بالهجوم المسلح الذي استهدف مكتبا للمخابرات العامة في مخيم البقعة، وأدى لاستشهاد خمسة من مرتباتها، إلى الهجوم الإرهابي بالكرك الذي استهدف مركزي امن المدينة والقطرانة من قبل الارهابيين الذين تحصنوا داخل قلعة الكرك التاريخية، واسفر عن استشهاد تسعة مواطنين، منهم سبعة من مرتبات الامن العام والدرك، واصابة 28 آخرين، لنصل إلى الفحيص، حيث انفجرت سيارة مفخخة، أسفرت عن سقوط شهيد، واصابة ستة من مرتبات الامن والدرك ، لتليها مباشرة حادثة السلط، حيث استشهد أربعة من الأجهزة الأمنية وجُرِح 20 آخرون .
هذه الأحداث جميعها ــ وللاسف والاستغراب ــ كان منفذوها من أبنائنا، وأبناء أبنائنا، جمعهم الحقد على واقعهم ، والغضب من غياب العدالة ، وكره واقع الحال المؤلم المحبط ، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى وقفة مع الذات لفهم الدواعي إلى اللجوء للعنف والارهاب ، وخاصة انه موجه ضد اخوانهم من أبناء جلدتهم ، وهذا أمر في غاية الخطورة، ينبغي على الدولة بجميع أجهزتها أن تقوم باجراءات جدية لازالة العوامل التي ساعدت على ظهور ظاهرة الارهاب بين أبناء الوطن الواحد .
إذا نظرنا الى زاوية خسائرنا في هذه العمليات، نجد أن عدد شهدائنا يفوق عدد الارهابيين المجرمين، مما يدعونا للتساؤل والاستغراب !!.كما أن وجود هذا الكم الهائل من الاسلحة الاتوماتيكية والمتطورة والقنابل، التي تفجر بالروبوت في أيدي الارهابيين من أبناء الوطن ، يطرح السؤال التالي: من أين حصلوا على هذه الاسلحة، وكيف وصلت اليهم ؟
ويحق لنا أيضا أن نتساءل: ما الاجراءات التي اتخذتها حكوماتنا في مدارسنا وجامعاتنا والأهم في مناهجنا وعبر وسائل الاعلام لمعالجة هذه المشكلة، وكذلك ما الخطوات الاصلاحية التي اتخذتها لتحسين الواقع المعيشي لأسرنا، وماذا فعلنا في مساجدنا وخاصة ما يتعلق بخطابنا الديني؟ وهل تمت تهيئة الشباب وحمايتهم من الفراغ الفكري الذي “عززته” الدولة واجهزتها عندما حاربت الفكر الحزبي، وتركت الشباب يعيشون حالة من التيه ؛دون عملية احلال لفكرهم فتركتهم سلعة للدين المجتمعي والمعتقدات الباطلة ، وهذا باعتقادي من أخطر الاخطاء، التي ارتكبت بحق الشعب.
كل هذه الأسئلة تحتم علينا أن نحدد الأسباب التي تقف وراء انسياق أبنائنا نحو الارهاب بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي !
لماذا لا نعترف بأن الفساد أصبح سلطة خامسة مؤثرة، وتسيطر على المجتمع من خلال تأثيرها في أفراده، وعلينا أن لا ننكر بأن الفساد أصبح يتمدد وله وزنه، كما هي حال السلطات: التشريعية، والتنفيذية، القضائية، والاعلام، بل في كثير من الاحيان فاقتهن تاثيرا وقوة وسيطرة ، واصبحت أكثر تاثيرا من الاعلام( السلطة الرابعة).
علينا أن نتوقف بكل جدية،عند هموم الشباب، ونزوعهم نحو الافكار المتطرفة، ونعترف بان ميلهم للعنف والارهاب يعود الى سخطهم على واقع الحال الذي تولد بسبب تفشي مشكلتي الفقر والبطالة وغياب العدالة والاحباط المتجدد، مما يجري من أحداث ؛حوّل أبناء الوطن الى قنابل موقوتة ربما ستنفجر في وجوهنا واحدة تلو الاخرى، فبحسب الاحصائيات المعلن عنها هناك أربعة الاف داعشي يعيشون بيننا، وهنا يتوجب السؤال ، كم عدد الذين قتلوا منهم ؟ واين من بقي منهم على قيد الحياة ؟ ولماذا يُتركون يسرحون ويمرحون بيننا ؟ وما الاجراءات الاحترازية التي تتخذها اجهزتنا الأمنية لضبطهم ؟
كما ينبغي ألا نتجاهل ذلك الخطر الذي حذرنا منه مسؤول أمني سابق مشهود له عسكريا في تصريح لصحيفة محلية ناطقة باللغة الانجليزية ، إذ حذّر من ابنائنا المحاربين العائدين من سوريا، لما يحملون من أفكار متطرفة بعد اختلاطهم بالجماعات الإرهابية التي شوهت لديهم الدين والفكر، مما يتطلب حماية بلدنا من خطرهم، باعادة تأهيلهم فكريا واخضاعهم لبرامج استشارية خاصة لمساعدتهم في إعادة الادماج في المجتمعات ، ولا ضير من انتهاج الطرائق التي تستخدمها الدول المتقدمة بوضع ” اساور الكاحل ” لتتبعهم ، حتى لا ننقل سفك الدماء من سوريا الى الاردن .
وبما أنه لغاية الآن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الاحداث الاخيرة التي جرت في الفحيص والسلط ، وبحسب ما تم اعلانه بان الجناة ليسوا منتمين لتيارات ارهابية ، فانه من المرجح أن تكون العمليتان استخباريتين، عملا بسياسة لويس السادس ” اذا شعرت أنك بدأت تفقد السيطرة اصنع حدثا وتلاعب بالعواطف”، وبعيدا عن الخوض في التحليلات التي ستدخلنا في متاهات وتساؤلات تحتاج الى اجابات واضحة لها، وان وجدنا لها اجابات فانها مرفوضة وغير مقبولة. والامر الواضح، ان المقصود منها هو الاساءة للاردن وزعزعة استقراره ، وعلى جميع الاحوال فقد اصابت وجداننا وحققت هدفها.
على الحكومة أن تعمل بجد لازالة الاسباب المؤدية الى الارهاب ، واتخاذ اجراءات حاسمة للقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين ، والقضاء على المحسوبية؛ لنشر العدالة، وبالتالي نعيد الامل الى صفوف الشباب المحبط الذين لم يعد امامهم، إلا خيار الهجرة أو الارهاب!!!