صراحة نيوز – بقلم الدكتور حسين عمر توقه
باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي
يقول نتنياهو : “لقد حان الوقت لتطبيق القانون الإسرائيلي وكتابة فصل آخر في تاريخ الصهيونية .
إن الحكومة الجديدة ستعمل على تطبيق السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية “.
ونحن نقول “إن نزع صفة أراضي أردنية عن الضفة الغربية لا يمكن أن يحصل قانونيا إلا بإقامة دولة فلسطينية على تلك الأراضي.
إن توجه إسرائيل لضم الضفة الغربية يعني بكل بساطة إحتلال أراضي أردنية مما يؤدي إلى إلغاء السلام مع محتل “.
وإذا صدق صائب عريقات في تعليقه على صفقة القرن بأنه قد تم عرضها بكافة حذافيرها ومفرداتها على السلطة الفلسطينية في بداية عام 2011 من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وزارته الثانية فهذا يعني أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وزوج إبنته جاريت كوشنر لم يكن لهما أي دور في صياغة مفردات صفقة القرن أي أن نتنياهو هو العقل المدبر والمنفذ لصفقة القرن .
وإذا قام نتنياهو بضم المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية وإذا استمر في تطبيق الشعارات التي أطلقها في حملته الإنتخابية والمتعلقة بضم غور الأردن فإن هذا يعني إغلاق كل الحدود على الشعب الفلسطيني والإستفراد بتطبيق كل أشكال العنف والعقاب الجماعي ووأد أحلام تحقيق الدولة الفلسطينية .
إن ضم غور الأردن يشكل ضربة إستراتيجية سياسية قاصمة ويعطي الجيش الإسرائيلي فرصة فرض سيطرته المطلقة على منطقة ذات بعد استراتيجي وجيوبولتك هام فمنطقة الأغوار تعتبر منطقة تقتيل لأي محاولة من قبل الدروع لإجتيازها . كما يعطي هذا الضم إسرائيل إستراتيجية السيطرة في التحكم بمعابر الحدود الأردنية الفلسطينية .
أما أحد الدوافع الكبرى في أحلام نتنياهو فيكمن في رغبة بعض شركات الدواء العالمية في إستغلال أراضي الأغوار في زراعة القنب الهندي ( CANNABIS ) والبدء في عملية استثمار تجارية ضخمة من أجل إنتاج أكثر أنواع الدواء أهمية وغلاء وهي صفقة تقدر بمئات المليارات من الدولارات بدلا من زراعة الأرض بالخيار والبندورة والموز .
وفي تقارير إستخبارية سرية فإن اللقب الذي يطلق على نتنياهو أنه القيصر الصغير الذي يعاني من جنون العظمة لا سيما وهو يعيش في أجواء أحلامه ويعبر لأصدقائه المقربين عن ألمه في بقاء كل من جبل نيبو ومدينة البتراء ووادي موسى تحت السيادة الأردنية .
كما أنه يفكر بتنفيذ مشروع قناة البحرين التي تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الميت بالإضافة إلى تنفيذ مشروع قناة ثانية تربط البحر الأحمر شمال إيلات وتلتقي مع القناة الأولى في نقطة المنتصف والتي لم يتم تحديدها بعد لتصب جميعها في البحر الميت .
وفي أحيان كثيرة يعلن عن طموحه الأكبر ويتساءل عن إمكانية فتح قناة موازية لقناة السويس تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر .
كما أنه يعاني نفسيا ومعنويا من تهم الفساد الثلاث وإن أكثر ما يخشاه أنه بالرغم من جائحة الكورونا فيروس التي اجتاحت العالم بأسره فإنها لن تحميه من المثول أمام المحكمة .
وفي أحيان كثيرة يعود بذاكرته إلى الصدام الذي وقع بينه وبين المغفور له الملك الحسين رحمه الله نتيجة فشله وفشل الموساد في إغتيال خالد مشعل وفشل مخططه الإجرامي في إيقاع الفتنة بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني وكيف ارسل الترياق صاغرا لإنقاذ حياة خالد مشعل .
وفي خاطرة بريئة لطفل أردني لم يتجاوز العاشرة من عمره يتساءل لو رفعت الدول العربية ذات الحدود المجاورة لإسرائيل سوريا ولبنان والأردن ومصر يدها وتوقفت عن تنفيذ مسؤولياتها في تأمين الحدود المشتركة وحراستها وسمحت بتهريب أسلحة خفيفة ومسدسات لسكان غزة والضفة الغربية ما هو مصير الأمن في إسرائيل .
المقدمة :
لقد اعتبر بناء المستعمرات اليهودية انعكاسا للعقيدة الصهيونية التي تهدف إلى غرس اليهودي المهاجر في الأرض الفلسطينية بقوة السلاح وتثبيت وجوده . ولقد عمدت إسرائيل إلى تطبيق هذه الإستراتيجية في مرتفعات الجولان حيث قامت ببناء العشرات من المستعمرات لتضمن الإنتقال الإجتماعي والأمني والسياسي السلس قبل الإعلان عن ضم مرتفعات الجولان السورية العربية إلى السيادة الإسرائيلية .
أما في الضفة الغربية والقدس العربية فلقد تجاوزت المستعمرات الإسرائيلية مئات المستعمرات وتجاوز تعداد سكانها (1200000) المليون ومائتي ألف مستوطن مدججين بالسلاح فرضوا واقعا ديمغرافيا جديدا على الضفة الغربية وتمكنوا من خلق واقع جيو استراتيجي عسكري أمني تسيطر إسرائيل من خلاله على كل المدن والقرى الفلسطينية حيث تم إختيار مواقع هذه المستعمرات بدقة منقطعة النظير في الأماكن الإستراتيجية المرتفعة والأماكن التي تسيطر على كافة مفترقات الطرق والشوارع التي تستطيع إسرائيل من خلالها وقف أي إتصال مباشر بين المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية .
المستوطنات اليهودية بداية إحتلال فلسطين :
. ونحن في إستعراضنا السريع لهذه المستوطنات فإننا سوف نستعرض بعض البدايات التي تمت في القرن التاسع عشر وهي نفس العقيدة التي لا زالت إسرائيل تستخدمها في القرن الواحد والعشرين بعد أن زرعت مئات المستوطنات في الضفة الغربية يقطنها ما يزيد على المليون يهودي تماما كما فعلت ببناء المستوطنات اليهودية في مرتفعات الجولان قبل أن تعلن ضمها تحت السيادة الإسرائيلية .
يرجع تاريخ أول محاولة إستيطانية لليهود عام 1859 عندما أقيم أول حي يهودي خارج سور القدس وسمي آنذاك بإسم ” يمين موشي ” نسبة إلى اليهودي البريطاني ” موشي مونت فيوري ” الذي حصل على فرمان عثماني عام 1855 بشراء الأرض وإقامة مستشفى عليها وفي عام 1859 تم تحويل المنطقة إلى مساكن شعبية لليهود وأصبحت نواة الحي اليهودي في القدس خارج سور البلدة القديمة . وبالرغم من قيام الحكومة العثمانية بإصدار قانون للحد من الهجرة اليهودية إلا أنها خففت تنفيذ هذا القانون تحت ضغوط كل من بريطانيا وفرنسا حيث شهدت عددا من الهجرات اليهودية كانت الأولى منها على دفعتين الدفعة الأولى بين سنة 1882 وسنة 1884 وقام بتمويل هذه الدفعة الكولونيل جورج جاولر حاكم أوستراليا السابق والسير لورنس أوليفانت . وكانت الدفعة الثانية بين سنة 1886 وسنة 1890 والتي أمنت السلطات الإستعمارية البريطانية غطاء يهوديا لتمويل نقل المهاجرين إلى فلسطين وتوطينهم عن طريق البارون إدموند دي روتشيلد . وتبعتها الهجرة الثانية بين عام 1905 حتى عام 1918 تحت إشراف المنظمة الصهيونية العالمية . ومنذ إنشاء مستعمرة ” بتاح تكفيا ” وتعني بالعربية فتحة الأمل عام 1878 والتي تم استيطانها في فلسطين من قبل المجموعات اليهودية من المهاجرين عام 1881 شرق يافا كبلدة زراعية اشتراها اليهود من سكان قرية ملبس العربية وهي تعتبر بداية التاريخ الرسمي للإستيطان اليهودي في فلسطين . تبعها إنشاء مستوطنات جديدة من قبل يهود أوروبا الشرقية بين عامي 1882 وعام 1884 ولقد اشتهرت الكثير من المستوطنات ” واسمحوا لي أن أسميها مستعمرات ” مثل مستعمرة ( داجنيا ) والتي كانت تعرف بإسم ” أم جوني ” وباتت المستعمرات اليهودية تشكل موطىء قدم لإحتلال الأرض وإستثمارها في تأمين وتدريب وتجهيز المهاجرين اليهود الجدد إلى فلسطين ومدهم بالسلاح .
وأخذ شعار المحراث والسيف يمثل توجهات الصهيونية العالمية والتي أطلق عليها بن غوريون والذي أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء في الحكومة الإسرائيلية إسم ” البناؤون المقاتلون ” بحيث يكون سكان هذه المستوطنات بمثابة مستعمرات من المقاتلين والبنائين في نفس الوقت بحيث يستولون على المواقع الحيوية ذات الأهمية الإستراتيجية ويحيلونها إلى قلاع وحصون ويمنعون أي تواجد غير يهودي فيها ويقاطعون اليد العاملة العربية ويعمدون إلى إغتصاب الأرض العربية وفق مخططات استراتيجية في بداية القرن العشرين بدعم من المستعمر البريطاني تجعل من إنشاء المستعمرات لخلق قوة عسكرية قادرة للدفاع عنها عملين متلازمين يمثلان الخطوة الأولى في تطلعات الإستراتيجية الصهيونية العالمية في ضم الأرض وبناء المستوطنات وخلق مجتمع صهيوني مسلح وتعميم مبدأ القوة المسلحة بين المستوطنات وتحولت مستعمرة ” الشجرة ” في الجليل إلى أول مستوطنة ذات قوة عسكرية مسلحة لا تكتفي بالدفاع عن المستعمرة فحسب بل وقادرة على شن هجمات عسكرية وممارسة العنف ضد السكان العرب والعمل على ترويعهم تحت شعارات براقة مثل شعار النضال والكفاح وهو نفس الأسلوب الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية من خلال المستوطنات الإسرائيلية حيث خلقت بعدا ديمغرافيا وإستراتيجيا أتاح المجال لإستيطان يتزايد يوما بعد يوم حتى شارف عدد المستوطنين اليهود على مليون ونيف من المستوطنين المدججين بأسلحتهم الفردية كما أن مواقع هذه المستوطنات الإستراتيجية هي النقطة الأولى في السيطرة على كل المدن الفلسطينية الرئيسة وعلى الطرق الرئيسة والفرعية التي تربطها بالقرى الفلسطينية المجاورة وتمنحهم القدرة العسكرية على تقطيع أوصال هذه المدن والقرى الفلسطينة ومنع تواصلها فإسرائيل وبكل أسف تسيطر على الأرض العربية في الضفة الغربية وإن مشكلتها الآن هو التخلص من السكان الأصليين الفلسطينيين أصحاب الأرض الشرعيين وبناء على قرار التقسيم لعام 1947 تم تحقيق إنشاء الدولة اليهودية ولم يتم حتى الآن تنفيذ كل القرارات الشرعية الدولية ولا نتائج الإتفاقات ومباحثات السلام القاضية بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة .