صراحة نيوز – بقلم فايز الفايز
حتى يوم الإثنين الماضي لم يكن هناك أي تصور لدى أعلى المرجعيات لماهية التعديل الوزاري الذي إنشغل الرأي العام فيه، لقد تحدثت أمام جلالة الملك في الفرصة المتاحة خلال اللقاء عن التعديل الذي ينوي الرئيس الرزاز إجراءه وهل هو تغيير إيجابي أم مجرد تدوير، فإن كان تغييرا في الأسماء وحسب أو تنصيب أشخاص لا يمتلكون رؤية لانتشال الحكومة مما هي فيه، فإن التعديل سيُغرق الحكومة والرئيس في المشاكل والتعقيدات أكثر من بقاء الوزراء الحاليين، فإن لم يأت بمن هو أفضل فما الفائدة، حيث كانت إجابة الملك متوافقة تماما مع ما طرح، وأضاف إن التشكيل جاء أصلا بعدد كبير والأصل تقليص العدد ودمج الوزارات المتشابهة كما يرى الرئيس.
المشكلة التي لا يدركها كثير من المسؤولين أن التغيير المفاجىء والمتعاقب في القيادات الأولى دون إتباع خطة إستراتيجية طويلة الأمد للوزارات هو السبب الرئيس في تراجع الأداء، فمن غير المعقول أن يخرج وزير ما وقد اضطلع ببرامج متخصصة وأصبح لديه رؤية واضحة عن مستقبل العمل، ليأتي وزير جديد لا يعرف شيئا ثم يطلق في اليوم الثاني تصريحات قد لا يفهمها أصلا، وفي المقابل يدخل وزراء ويخرجون ولا يسمع أحد منهم شيئا عن أي إنجاز، إنهم لا ينظرون خارج النافذة.
التعديل وحتى التشكيل الجديد في كثير من الأحيان أصبح عبئا ثقيلاعلى الدولة، فهناك وزارات أسمية، وهناك أسماء ليس لها أي داع، ورغم أن منصب الوزير هو سياسي بالدرجة الأولى حسب الأجندة السياسية للدولة منذ عهد بعيد ، فيجب أن يكون هناك هدف واضح اليوم وهو وضع خطة سريعة وتحرك أسرع لفتح آفاق إقتصادية والبحث عن محركات للسوق وجلب إستثمارات مالية من الخارج وتشجيع رؤوس الأموال في الداخل من إستثمار ثرواتهم ومنحهم إعفاءات كاملة لا مطاردتهم على أبسط الفواتير.
إن دولة كالولايات المتحدة تعاني حكومتها الفيدرالية من الدين الذي يناهز 17 تريليون دولار، ولكن الناتج المحلي عال جدا، وقد حقق لإقتصاد هناك، حسب أخبار الأمس، أعلى مستويات له منذ سنوات طويلة وانخفضت نسبة البطالة الى حدود لم تصلها منذ خمسين عاما، و كل ذلك بخمس عشرة وزارة فقط ، فيما نحن سجلنا رقما قياسيا في المديونية إذ وصل الدين العام الى أكثر من 28 مليار دينار بنسبة 98 بالمئة من الناتج المحلي، ولا زلنا نفكر في نفسالمعادلة التي أطاحت بنا منذ بداية السنوات العجاف.
في مقابلته مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الجمعة، نقل مراسل »بلومبيرغ»مقولة لوزير مالية أوروبي لم يسمه، مفادها :»أن صنّاع السياسة لا يفعلون الأمر الصائب إلا عندما يصلون الى حافة النافذة وينظرون الى الأسفل»، هذه الجملة الفلسفية هي الحقيقة التي نراها أحيانا في حكوماتنا، ولكن بشكل أسوأ، إنهم يحاولون فجأة عمل الأمر الذي يعتقدون أنه صائب عند فوات الأوان، فالمسألة ليست كم تجنّي من المكاسب، بل كم أحصيت من الخسائر مقابل ذلك إن غالبية الشعب الأردني لم يعد لديه ما يخسره، فهو غارق أصلا بالفقر أو بالدين وما يمتلكه من أحلام لمستقبله تحولت الى كوابيس، ولهذا هو بحاجة الى خطة وارئ لإنقاذه لا تعديل وزاري، فليس هو من كان يقترض من البنك الدولي، بل كان ضحية لأخطاء السياسات التي لا ترى من خلف النافذة