صراحة نيوز – بقلم سهير جرادات
شهر رمضان المبارك هذا العام يأتي مختلفا ؛ في ظل انتشار جائحة الكورونا ، وصدور تعليمات الدولة في فرض الحجر المنزلي ، وحظر التجول في جميع أرجاء المملكة ، الذي يتزامن مع وقت الإفطار ، لتغيب موائد الرحمن ، وموائد صلة الأرحام ، فيتساوى الانسان البار بوالديه مع العاق بهما، والذي يصل الأرحام مع قاطعها، وإن اختلفت الأسباب والنيات .
شهر الرحمة والمغفرة لهذا العام سيتم فيه تساوي المشاعر بين من يُصل رحمها مع المقطوع رحمها ، إلا باختلاف بسيط ، بإعتقاد من يُصل رحمها بأن هذا أمر طارئ بسبب الوباء وسيزول بزواله ، لكن المقطوع رحمها ستجد فرجا لها بتحميل انتشار الوباء مسؤولية هذا القطع ، ولن تواجة مرارة الحزن والأسى عندما يوجة لها السؤال الاكثر ايلاما : فطورك عند مين ؟!..
في هذا العام يتشابه الجميع بالمشاعر ، ويتشاركون بقطع الأرحام – رغما عنهم – .. وسنشعر جميعا بغصة لقمة كبار السنوهم يتناولون طعام الإفطار بعيدا عن الأبناء والأحفاد – بغض النظر عن الاسباب – إن كانت لظروف الحياة والعمل في الخارج ، أو بسبب عزل المحافظات عن بعضها بعضا ، أو بسبب عقوق الوالدين ..وسنشعر بحرقة الأرملة التي لا يدخل عليها من هم أقرب اليها، ولا يسأل الأهل والاقارب عن حالها وأبنائها ..وسنشعر مع المطلقة التي تُركت وحيدة في سعيها لتربية الأبناء والإنفاق عليهم في ظل أحكام النفقة العقيمة في القانون الأردني ..وسنحزن على الايتام الذين سيفتقدون إلى من يدخل عليهم البهجة والسرور ، وسنشعر مع الفقراء الذين لا يعلم بحالهم إلا الله ، الذين يفطرون وحدهم في منازلهم بما قسم الله لهم لضيق ذات اليد، بعيدا عن وصلة الارحام .. لنصبح أكثر قدرةفي وصف مشاعر لا يمكن التعبير عنها إلا بعد تجرعها .
أبادك الله يا كورونا … فأنت فيروس ضد النساء ، وقد تستهدف الرجال في الاصابة أكثر من النساء ، إلا أن أثارك السلبية والنفسية على النساء أكثر ، بعد أن زادت في فترة الحجر الصحي الأعباء المنزلية على المرأة – التي لا تقبل القسمة على اثنين- وما صاحبها من ارتفاع لنسبة المشاكل داخل المنازل ، التي تغيب عنها أواصر المحبة وروح التفاهم بين الأسر، لتسجل إحدى المنظمات النسوية 400 مكالمةهاتفية في يوم واحد فقط ، لنساء يشكين اوضاعهن الاسرية المزرية ، وما يحصل من مشاحنات مع الازواج ، الامر الذي دفعهن إلى المطالبة بالتدخل السريع لحمايتهن .
وفي العيد ، سنفتقد إلى الصلاة في الساحات العامة والمساجد ،وستخلو البيوت من المعايدين ، ولن نتمكن من زيارة المقابر والوقوف عند الاضرحة لنقرأ الفاتحة على أرواح من فقدناهم وأخذ العظة من الموت ، لأننا منذ الجائحة ونحن دائما نفكر بالمرض والموت ، وأن الإصابة بالفيروس تُخيفنا، والموت ليس ببعيد عنا – ليس من باب التشاؤم- لكنه واقع الحال ، بأن الموت أقرب الينا من حبل الوريد ،لنجد أننا تساوينا مع أهل المقابر في الاتعاظ من الموت ، لكن هم تحت التراب ونحن فوقه .
متعارف عن شهر رمضان ، أنه شهر التقارب الأسري وعمل الخير والصلاة ، إلا أن فيروس كورونا الذي يشاركنا هذا العام حياتنا في الشهر الفضيل أدخل الخوف إلى قلوبنا ، وفرض علينا التباعدالاجتماعي ، الذي يتنافى مع مبادئ هذا الشهر الفضيل ، لنشهد أكثرعام مختلف مر على الاجيال ، وأكثر شهر صيام أحدث غصة في قلوبنا لم نعهدها في الاعوام السابقة.
ولكن من مبدأ الايمان ، ومن باب التفاؤل ، لن نقل العام هذا من أسوأ الأعوام ، ولن نقول الشهر المبارك لهذا العام أغرب رمضان يمر علينا ، بل سنقول أنها سنة الدروس والعبر .. سنة تعلمنا فيها آلية جديدة لوصل الفقراء والمساكين والأسر العفيفة .. وقدرنا فيه قيمة التواصل والتقارب الاجتماعي.. وادركنا معنى عقوق الوالدين .. وشعرنا بمرارة قطع الأرحام .