غذاءُ الانسان من المواضيع الخطيرة في هذا العصر، ومن الواجب على كل مسلم ان يَعلمه ويُعلمه. والعودة الى إبراز دور التشريع الاسلامي في هذا المجال، اصبح من ضروريات الحياة لتحقيق الخير للبشرية وتفادي الامراض التي تتعاظم في تأثيرها على الانسان. فالتشريع الاسلامي لم يترك ناحية من مناحي الحياة التي تهمُ الانسان الا واوردها، فحق الانسان في الغذاء الآمن شأنه شأن الحق في الحياة ذاتها. قال تعالى “ما فرطنا في الكتاب من شيء”(الانعام 38)، ومن جهة اخرى قال تعالى “الذي خلقني فهو يهدين(78) والذي هو يطعمني ويسقين (79)”(الشعراء). وقال عليه السلام “إن لجسدك عليك حقا” اي حقٌ عليك ان تطعمه إذا جاع وتريحه إذا تعب، وتحميه من الامراض، وتداويه إذا مرض. وحيث وصفَ، أحد أطباء العرب قديما، المرض فقال: “المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء”. لذلك وضع الاسلام منذ قرون ضوابط وتعاليم لتحكم مسيرة الانسان الغذائية.
ففي التشريع الاسلامي توجد آيات تبين طبيعة طعام الانسان، فقال الله تعالى “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)”(عبس). وبنفس السياق قال الخالق ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11)”(النحل). توضح هذه الآيات كيف خلق الله طعام الانسان بانه بعد صب الماء على الارض تنبت البذور فتشق الارض لتخرج البادرات الى السطح والتي تعطي الحبوب والاعناب والحشائش (التي يأكلها الانسان) واشجار الزيتون والنخيل وحدائق كثيفة الاشجار والشجيرات وثمار (فاكهة وخضار) واعشاب علفية للماشية. فهذا هو الاصل في طعام الانسان ورعي الماشية ايضا. فهذا هو شرع الله العلمي بالتغذية فالحبوب والثمار النباتية كافية لتغذية الانسان والانعام لانها هي الاصل في التغذية.
اما بالنسبة للحوم فقد قال تعالى “وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ (21)”(الواقعة)، هذا هو طعام لاهل الجنة وليس في الدنيا التي نعيش.
ولكنه قال ايضا “وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ”(النحل 5). ومن جانب آخر قال “وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ”(هود 69). هذه الآيات تبين بان اكل اللحوم ليس هو الاصل في التغذية في التشريع الاسلامي، لذا تؤكل اللحوم على فترات او في المناسبات وليس يوميا كما نفعل في هذا العصر. وحتى عندما تؤكل، يجب التأكد بان هذه اللحوم والدواجن ومنتجات الالبان قد تم انتاجها بأعلاف طبيعية، كما كان الحال في اللحوم والدواجن البلدية، وليست منتجة بالأعلاف المركزة.
والطريف ان العلوم الطبية الحديثة تقول ان من لا يأكل اللحوم فان تغذيته غير مكتملة لعدم وجود البروتين بالجسم. ولكن اذا امعنا النظر في طريقة تسمين الحيوانات التي ناكل لحومها تتم بتغذيتها على الحبوب والاعشاب ثم يقال لنا بان الحبوب لا يوجد بها بروتينات. وبنفس الوقت نجد كثير من الذين يأكلون اللحوم لديهم فقر دم (انيميا) والذين يأكلون الشعير في الارياف لا يوجد عندهم فقر دم، فلا شك بان هنالك من لا يريد للبشرية ان تعرف الحقائق عن هذه التغذية.
لقد خلق الله تعالى الانسان ليعيش بسلام، وحفاظا على صحته من الامراض فقد أقر له اهم مبدأ صحي وهو عدم الاسراف في تناول الطعام، فبين له كيفية إشباع حاجته من الغذاء في قوله تعالى: “… وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ “(الاعراف31). فهذه الآية أصل من اصول التربية السليمة التي تتوقف عليها سلامة الانسان من الامراض، وهي تشريع يحرم الاسراف، لان الخالق يقول بانه لا يحب المسرف. وقال عليه السلام “ما ملأ آدمي وعاءٌ شراً من بطنه، بحسب ابن ادم لُقيمات يُقمن صُلبه، فإن كان لا محالة فاعلاً، فثُلث لطعامه، وثُلث لشربه، وثُلث لنَفَسه”.
ان الاكل والشرب فوق حد الشبع هي صفة من صفات غير المسلمين. فالمسلم المؤمن لا يأكل حتى يجوع واذا اكل لا يشبع، اما غير المسلمين فيأكلون دون التقيد بمبادئ دينية صحيحة المصدر، ويأكلون دون هدف او غاية غير ملء بطونهم ويشتركون في ذلك مع الانعام. فقال عنهم تعالى “… والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام …”(محمد 12).
وقديما قالوا حُكماء العرب “لا تأكل طعاماً ابداً إلا وانت تشتهيه، ولا تأكل لحماً يُطبخ حتى تُنعم إنضاجُه، ولا تأكل الفاكهة إلا في نُضجها، وأجد مضغ الطعام، ولا تأكل طعاما وفي معدتك طعام، وإياك ان تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغه فتعجز معدتك عن هضمه”.
فالعلم النافع هو العلم المفيد للناس ولا يجب ان ينبهر علماء المسلمين بالعلوم التغذوية الغربية. فالنظام الغذائي الاسلامي قد وضِعت قواعده الصحية لقرون مضت، والتي اذا تم تطبيقها في زمن العلل الذي نعيش، قللت من الحاجة الى الطبيب والعلاج. فعندما يمعن المسلم فيما سبق من الايات والاحاديث ويقوم بتطبيقها عمليا في نظامه الغذائي فانه يمارس اقوى وانجح برنامج غذائي للنجاة من الامراض واخطارها.
لذلك علينا العودة الى التشريع الاسلامي وإلا ستَهَلك البشرية، لان الامراض التي تظهر في هذا العصر اسبابها غير معروفة لدى الغرب. والحل الوحيد لكي نتجنب جميع هذه الامراض هو موجود في كتاب الله فقط، وعلى علماء الاسلام (التغذية والفقه والطب) ان يقفوا موقفا قويا لإنقاذ الامة والبشرية جمعاء.
د. ماجد فندي الزعبي / مستشار في الزراعة والبيئة