صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
يا ناس المزارع حقه ضايع ، يا ناس الفلاح مش مرتاح . السياسات غير الوطنية ، العشوائية أضاعت أكبر القطاعات المنتجة والمُشغّلة لمئات الألوف من الأيدي العاملة ، حيث كان يشغل هذا القطاع (٣٠٪ ) من الأيدي العاملة . اضافة لمساهمة الزراعة في الأمن الغذائي الوطني ، فانها كانت تساهم ب (١٢ ٪ ) من الناتج المحلي الإجمالي قبل عقود ، انخفض الى ( ٤ ٪ ) عام ٢٠١٨ ، وهي النسبة الأعلى منذ (٢٠ )عاماً ، حيث كانت ( ٣,٢٪ ) عام ٢٠٠٠ . ولمن لا يعلم ، في خمسينات القرن الماضي كان الأردن يُصَدِّر القمح الى أوروبا . أإلى هذا الحد يتم إهمال القطاع الزراعي !؟ الزراعة التي تُثبِّت الناس في ارضهم وفي مناطقهم وتحد من هجرة الريف الى المدينة .
ورغم الضيق الذي يعانيه المزارع ، بسبب وقف التصدير للعديد من الأسواق التقليدية للمنتجات الزراعية الاردنية نتيجة الظروف الأمنية في العديد من الدول وخاصة دول الجوار العربي . فبدل ان تتفهم الحكومة ظروف المزارعين وتهيئ لهم الظروف المناسبة لتصدير منتجاتهم ، تفرض رسوماً على الصادرات ، ما هذا !؟ هل يعقل هذا !؟ يبدو ان الحكومات الاردنية المتعاقبة لا تَطّْلِع على تجارب دول العالم للإستفادة منها في تشجيع صادرات دولهم . فتردى القطاع الزراعي ، لدرجة انه في أحايين كثيرة وصلت بعض القطاعات حدّ الانهيار . ولم تتوقف حالة تدهور القطاع الزراعي عند فرض رسوم على الصادرات ، بل حتى سوق الخضار المركزي تسيطر عليه مجموعات غير أردنية ، تشتري المنتجات من المزارع الاردني بأبخس الأثمان ، ويبيعونه للمستهلك بأسعار مرتفعة جداً ، فلا استفاد المزارع ، ولا انخفضت أسعار البيع على المواطنين ، والمتنفذون الغرباء هم من يجنون الأرباح الخيالية . وفي سنوات عديدة تجد ان الدولة تسمح باستيراد الخضار والفواكه والحبوب واللحوم في مواسم يتوافر فيها المنتجات المحلية ، فيخسر الفلاح موسماً كاملاً يتحمل فيه الديون . هل هذا أداء دولة تدير شؤون الوطن بالشكل الصحيح !؟
هكذا سياسات خرقاء تجلب الكثير من المشاكل للوطن ، فيزداد طابور العاطلين عن العمل ، وتزداد الهجرة الى المدن بحثاً عن العمل ، ويزداد الضغط على الخدمات في المدن ، فتزدحم الشوارع والطرقات في الناس والسيارات ، ويزداد الضغط على كل المرافق الخدمية الصحية ، ويتضاعف أعداد الطلبة في المدارس ، وترتفع ايجارات المساكن ، ويزداد الضغط على شبكات المياة ، والمجاري . فتزدحم المدن ، وتُهجَر القرى ، وتبور الأراضي الزراعية .
الفلاح يكد ويشقى ويعاني البرد القارص والشمس اللاهبة ، تتجمد أطرافه شتاءاً ، وتلفح الشمس بشرته صيفاً ، لتأمين لقمة عيش شريفة لعائلته ، وحتى لا يتسول الوظيفة ، يقبل الشقاء للبقاء في ارضة ، التي يعشق وينتمي .
الثروة الزراعية والحيوانية تعتبر من مقومات إرتقاء الدول وقيامها واستمراريتها حرة مستقلة ، قادرة على توفير الأمن الغذائي لشعبها من نتاج أراضيها التي تبسط سيادتها عليها . الفلاح يكفيه ما هو فيه ومما يعانيه من ضنك ، وتعب ، وعوز ، وفقر ، ونقص في الخدمات التي يفترض ان تقدمها الدولة ، يكفيه ما يعانيه ، ليهتم بارضة وماشيته ، ويتفرغ لحلحلة همومة الكثيرة ، من شُح المياة ، وغلاء الأعلاف ، وارتفاع أسعار الأسمدة ، وانحسار أماكن الرعي ، وشح الأمطار ، وانعكاسات تغير المناخ بمختلف سلبياتها .
الفلاح ، هو من يعتاش من الزراعة ، وتربية المواشي ، معاناتهم شديدة ، وحياتهم قاسية ، يغلب عليها التعب ، والحرمان ، خاصة في هذا الوطن الغالي . رزقهم ، ورغيفهم دوماً مصدره الإتكال على الله الواحد الرزاق ، يحرثون الارض ، ويحفرون الصخر ، ويكتنف حياتهم القهر ، والفقر ، لا سند لهم الا الله ، ولا مُعيل ولا مُنجد ، ولا مُنقذ لهم غيره ، يبذر الحبوب ، في الارض مُتكلاً ، ومتأملاً ، ان يرزقه الله ، ويأمل بموسم يحصل فيه على عِوضٍ لتعبه ، وشقائه ، ويربي المواشي ، ويعتني بها ، ويحِن عليها ، ويكون قلبه مرهفاً عليها ، ويُطعمها ، ويسقيها ، ويقلق خوفاً عليها من المرض ، ويُجهد نفسه في توفير العلف لها .
خلال العقدين الماضيين تضاعفت معاناة المزارعين والفلاحين ، لان الدولة الاردنية أدارت ظهرها لهذا القطاع ، بشقيه الزراعي والحيواني ، وهذا ادى الى تراجع مساهمة الايرادات الزراعية في الناتج الإجمالي الوطني ، وزادت نسبة البطالة ، وارتفعت فاتورة الاستيراد ، وساهمت في شُح العملات الأجنبية . هذا على المستوى الوطني ، اما على مستوى القطاع والعاملين فيه ، والمعتاشين منه ، فالأثر أكبر ، وأخطر ، لانه لا وجود لفرص عمل اخرى لتأمين لقمة العيش والحياة الكريمة للأسر ، ولا جدوى من البقاء في هذا القطاع ، بعد تراكم الخسائر ، وإضمحلال رأس المال ، وتحمُّل الديون ، فهجر الناس الارض ، وتركوا القرى والأرياف ، وهاجروا الى المدن ، فتكدست المدن بالناس ، وأصبح الضغط كبيراً على المرافق الخدمية ، من ازدحامات في الشوارع ، وضغوط على الخدمات .
لماذا لا تطّلعوا على تجارب الدول في دعم المزارعين !؟ ولانني يائس من ان تتبنوا هذا النهج ، ولإنتفاء وجود سياسات زراعية تنهض بهذا القطاع ، أتمنى ان تعودوا في سياساتكم الزراعية الى ستينات وسبعينات القرن الماضي .
من حق الفلاحين على الدولة تسهيل عمليات التصدير ، وان تساهم الدولة في فتح أسواق جديدة للمنتجات الزراعية والحيوانية الاردنية ، وان توفر الإرشاد الزراعي والحيواني ، وتوفير العلاجات والمبيدات ، والأسمدة والأعلاف بأسعار مخفضة . الحكومات التي لا تنتهج هذا النهج هي حكومات غير وطنية ، تسعى لتدمير الوطن بضياع ثرواته ، وانحسار إيراداته ، والوطن ومواطنيه يتجرعون مرارة الخسارة .