السؤال القديم الجديد الذي نسمعه بين حين وآخر هو : هل يكرر التاريخ نفسه في الحياة العملية ؟ لقد تعددت وتنوعت الإجابات على هذا السؤال، ولكنها أجمعت على أن التاريخ لا يكرر نفسه تماما، ولكن قد يكرر بعض ملامحه القديمة في واقع جديد. وفي هذا السياق يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس، وإن كنت من غير أتباعه ” أن التاريخ لا يكرر نفسه، وإذا فعل . . فهو في المرة الأولى صانع دراما كبيرة، وفي المرة الثانية صانع مهزلة “.
ولكن التاريخ في الأردن يكرر نفسه مرات عديدة دون غضاضة، ومن احد الأمثلة الحديثة على ذلك هو تعيين رئيس الوزراء الأسبق دولة السيد سمير الرفاعي رئيسا ” للجنة تحديث المنظومة السياسية ” بقصد الإصلاح في الدولة الأردنية. وهذا الرجل الذي أحترمه على الصعيد الشخصي، وصفه جلالة الملك عبد الله الثاني بالفشل في الإصلاح.
وعندما شُكلت هذه اللجنة، كتبت مقالا بتاريخ 11 / 6 / 2021 بعنوان ( اللجنة التسعينية للإصلاح )، بينت به أن جلالة الملك أشار في كتاب التكليف لدولة السيد معروف البخيت، في حكومته التي خلفت حكومة الرفاعي، إلى فشل الحكومة السابقة في مهمتها بما أسماه ( ثغرات واختلالات في عملها، وأن من أسباب فشلها، هو عدم تحقيق رؤيته الإصلاحية التحديثية التطويرية الشاملة، والتردد في اتخاذ القرار من قبل الكثيرين، ممن أوكلت إليهم أمانة المسؤولية. إضافة إلى سياسات الاسترضاء، التي قدمت المصالح الخاصة على الصالح العام ).
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : كيف يمكن لدولة سمير الرفاعي وبعض رفاقه، أن يتحولون إلى مصلحين بين عشية وضحاها، بعد تجربتهم الفاشلة التي أشار إليها جلالته ؟ فالإصلاح ببساطة يحتاج إل عنصرين أساسيين، هما أرادة الإصلاح الحقيقية لدى صاحب القرار، ورجل دولة يؤمن بالإصلاح فيلتقط الفكرة، ثم يحولها إلى عمل حقيقي في العمل العام المشهود.
وتسليما بما حدث . . فإن اللجنة ستخرج بعد بضعة أشهر من تشكيلها، بتوصيات هزيلة لا تحقق الغاية المرجوّة، ثم تُحفظ في الأدراج كما حدث لتوصيات لجان مشابهة سابقة.
وللتأكد من صدق ما سبق، فقد ظهر علينا قبل أيام وعلى شاشة تلفزيون المملكة رئيس اللجنة، ليبشرنا بأننا نحتاج إلى 20 عاما، خفضها جلالة الملك إلى 10 أعوام، لكي نتمكن من تشكيل حكومة برلمانية، تعتمد في عملها على برامج حزبية.
وإذا ما عدنا إلى تاريخ تشكيل الحكومات في الأردن، لوجدنا أن دولة السيد سليمان النابلسي رحمة الله عليه، شكل حكومة برلمانية في عام 1956، رغم أنها أقيلت قبل أن تبلغ من عمرها القصير في الحكم6 أشهر.
يُقال في الأحاديث المتداولة في المجتمع الأردني وغيره من المجتمعات، أن الشعب الأردني من أكثر شعوب العالم وعيا وثقافة. وإن كان رئيس اللجنة يؤمن بهذه المقولة، فهل يحتاج هذا الشعب الذي يحمل تلك الصفة، إلى 10 أو 20 عاما ليتمكن من تشكيل حكومة برلمانية، بعد أن مر على تشكيل أول حكومة برلمانية في البلاد 64 عاما ؟ وهل نحن نتقدم وننهض بدولتنا كبقية دول العالم المتحضّرة، أم أننا نقوم بتقدم ونهوض معكوس ؟ أعتقد أن تصريحات رئيس اللجنة، تحتاج إلى إعادة نظر ، قبل أن تأخذ صبغتها الرسمية، وتظهر إلى حيز الوجود . . !