صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
تقدم لنا دراسة التاريخ العبر والدروس مما جرى في أحداث الماضي، لكي نتعرف من خلالها أين وقع الخطأ وأين وقع الصواب، ليجري على ضوئها تصحيح مسيرة الأمة. فما أجدرنا هذه الأيام بأن نستعيد تاريخ حقبة مضت على القضية الفلسطينية، ومن كان السبب في تعثرها والوصول بها إلى هذه النهاية المحزنة، بعد سبعين عاما من النضال والمعاناة.
يقول الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه ” سلام الأوهام ” ما يلي وأقتبس :
” وأثناء الإعداد لمؤتمر قمة عربي، كان التحضير يجري له في الرباط ( أكتوبر سنة 1974 ) استجدت صياغة لمشروع قرار يصدر عن القمة، ويعلن بلسان كل الملوك والرؤساء العرب رسميا : ( أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني ) . . .
وفي جلسة مؤتمر القمة التي خصصت لمناقشة مشروع القرار، تحدث الملك حسين – طبقا لمحضر الجلسة – فقال : إن الأردن آخر من يعترض على حق الفلسطينيين في أن يتحدثوا عن أنفسهم، وإنما هناك قضية أمانة تاريخية، ومسئولية حقائق مستقبلية. بالنسبة للأمانة فإن هذه الأراضي الفلسطينية ( الضفة والقدس ) كانت عند المملكة الأردنية عندما احتلتها إسرائيل. ويشعر الأردن بواجب أن يتحمل أمانة استعادتها.
إن تحمل المملكة الأردنية بهذه الأمانة ليس ميزة تسعى للحصول عليها، ولكنها عبء هي على استعداد لأن تتحمله. وبعد أن تعود الأمور إلى نصابها، وإذا كان ذلك رأي الأخوة من الملوك والرؤساء العرب، ورأي الفلسطينيين، فإن المملكة على استعداد للتخلي عن هذه الأراضي، بحيث يكون الانتقال من يد عربية إلى يد عربية. المهم هو استخلاص الأراضي من اليد الإسرائيلية.
إن الأردن أكثر من غيره قدرة على استعادة الأراضي الفلسطينية، فهو الطرف المعني بقرار مجلس الأمن 242 الذي لا يجيز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. ثم أن الأردن هو الدولة التي تملك حق شرعية التفاوض بحكم ما كان، مضافا إلى ذلك أن علاقات الأردن وصداقاته، تسمح له باتصالات لا تتوفر للمنظمة. وهذه الشرعية في التفاوض، مع علاقات الأردن وصداقاته ما زالت تمثل قيدا ولو معنويا على إسرائيل تتمنى أن تتحلل منه، لكي تجري على الأرض المحتلة ما تشاء من تغييرات . . .
وبدا كلام الملك حسين معقولا، وقد أضيف منطقه إلى موقف المتحفظين أصلا على مشروع القرار لأسبابهم، وبينهم مصر وسوريا والسعودية. ومال اتجاه القمة بوضوح إلى رأي الملك حسين. وفجأة تدخل الملك الحسن الثاني ملك المغرب في المناقشة وبطريقة غير متوقعة، فقد قال : أنه يرى اتجاها في القمة إلى تأجيل النظر في مشروع القرار الذي يعتبر منظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، وهو لا يستطيع قبول التأجيل، وإنما يرى أن الواجب القومي يفرض أن يتحمل الشعب الفلسطيني مسئوليته، وأن المعبرين عنه هم قادته . . .
وحاول الملك حسين أن يتدخل قائلا للملك الحسن : يا ابن العم . . . ولكن الملك الحسن لم يترك له أو لغيره فرصة، وإنما قال : أنه إذا كانت القمة ترى تأجيل النظر في مشروع القرار، فإنه هو شخصيا سوف يترك قاعة المؤتمر ويخرج. وساد الذهول بين الملوك والرؤساء، فالرجل الذي يهدد بالانسحاب والخروج هو مضيف المؤتمر، وكلهم ضيوف في قصره. واستطرد الملك الحسن قائلا بنبرة أسى : إنه حزين لهذا الموقف، لكنه يرجوهم أن يعتبروا البلد بلدهم والقصر قصرهم . . هم أصحابه وهو الضيف عليهم، ولذلك فهو يستأذن منهم. وتعالت نداءات الملوك والرؤساء العرب تطلب من الملك الحسن أن يبقى في الجلسة.
وكان الملك حسين بين الذين ناشدوا الملك الحسن، وكان قوله أنه قال ما عنده، وإذا شاءت القمة العربية أن تعفيه من مسئوليته، فهو على المستوى الإنساني يقبل ما يراه الأشقاء . . ! وجرت الموافقة على مشروع القرار مختلطة مع النداءات إلى الملك الحسن أن يبقى في الجلسة. وكان الذي حدث بعد ذلك غير بعيد عما توقعه الملك حسين. . . ثم بدا وكأن إسرائيل تنتظر أن يبتعد الملك حسين عن الطريق. ولذلك فإنه ما كاد يبتعد عن الطريق حتى اندفعت الحفارات والجرارات والرافعات، وإذا عملية الاستيطان تكتسب إيقاعا أكثر نشاطا وسرعة . . .
ومع أن قرار الرباط تلته دعوة ياسر عرفات إلى الأمم المتحدة، حيث ألقى خطابه الذي قال فيه عبارته المشهورة عن المسدس وغصن الزيتون، وأنه ترك الأول قبل دخول قاعة الجمعية العامة، ودخل بالثاني طالبا السلام، فإن المناسبة كلها بدت تحلية إعلامية بطبقة من السكر تغطي تحتها قرصا من العلقم “. انتهى الاقتباس.
* * *
* التعليق :
1. لاشك بأن القضية الفلسطينية مرت بنكسات متعددة، منذ أربعينات القرن الماضي وحتى الآن، من بينها حروب الأعوام 1948، 1967و 1982. وقد رافق هذه الحروب صنوف من التقصير والخيانات على مستوى المسؤولين في ذلك الزمان، وهي معروفة لكل متابع للتاريخ.
2. ولكن اكتملت حلقات الخيانة في مؤتمر الرباط عام 1974، والذي قرر به الرؤساء العرب تحت ضغط من الملك الحسن الثاني ملك المغرب، تخلى الأردن عن مسئوليته في استرجاع الضفة الغربية، وإحالتها إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي عجزن عن حملها.
3. قامت المنظمة بالاعتراف في إسرائيل وعقَدت اتفاقية أوسلو، وأجرت العديد من محادثات السلام برعاية أمريكية، وجرى فرش السجاد الأحمر لرئيس السلطة الفلسطينية السابق واللاحق، دون أن يحقق أيا منهما ألأهداف الفلسطينية المرجوّة. فكانت النهاية أن اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وستتبعها لاحقا بإعلان صفقة القرن، التي ستكون وبالا على الفلسطينيين والأردنيين في آن واحد.
4. لقد كان موقف الملك حسين رحمه الله موقفا مشرّفا، سيذكره التاريخ بأحرف من نور، وذلك عندما نصح بإبقاء مهمة استرداد الضفة الغربية من مسئولية الأردن، إلا أن النوايا المشبوهة أبت إلا أن تفعل فعلها وتجرم بحق القضية المقدسة. فضاعت تلك القضية تحت ظلال المسدس وغصن الزيتون في سلام الأوهام. أما خونة الأوطان فسيسجل التاريخ أسماءهم في صفحات سوداء، وتلعنهم الأجيال القادمة حتى يوم الحساب.