الملاحمة ..جَاك يا بَلّوط مِن يبَلطَك

7 ديسمبر 2021
الملاحمة ..جَاك يا بَلّوط مِن يبَلطَك


صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه

كان هناك أحد الفلاحين ، يملك الآف الدونمات من الأراضي الزراعية . كما كان يملك ( شلايا ) أي قُطعاناً من الأغنام . ورغم ثراءه الاّ أنه يستمرأ الحرام ، ويستصيغه ، ويستعذبه . كما انه لا يلتزم بالمتعارف عليه ، بان يُعين راعٍ للأغنام ، ومعه مساعد له يُسمى ( لآحوق ) ، الذي مهمته مساعدة الراعي في تجميع الأغنام عندما تنتشر ، وخاصة بين الأراضي المزروعة ، حتى لا يتم التعدي على مزروعات الغير ، تجنباً للمشاكل ، ولعدم الوقوع في الحرام ، لأن أكل مزروعات الغير دون إذن المالك يُعتبر حراماً بيِّناً ، وليتناسب هذا السلوك الديني والمجتمعي مع تسمية الأغنام بالحلال .

كما كان هذ الفلاح الثري ، ينتقي الراعي الذي لديه إستعداد للتعدي على مزروعات الغير . ليتناسب سلوكه مع رغبات الفلاح المالك ، وكان يُسمى ( المِعْلان ) . ومن هنا جاء المثل الفلاحي المتداول ( اللي بسويه الراعي ، طايب للمعلان ) أي ان ما يفعله الراعي من تجاوزات يطيب لمالك الأغنام .

تكررت تجاوزات هذا الراعي على مزروعات الغير . وتختلف ردود أفعال مالكي الزرع ، فمنهم من يسكت ، لكن ليس عن رضى ، وانما لتجنب حدوث مشاكل مع المعلان ، ومنهم من يأتي مُعاتباً فقط . لكن كان منهم من يستشيط غضباً ، ويصعِّد الأمور الى حدٍّ ما ، عندها يتدخل بعض رجالات القرية للصلح والتسوية ، وتنتهي الأمور عند هذا الحد .

كان في القرية رجلاً حكيماً ، رزيناً ، يكره الحرام ، ويعتبره داءً عُضالاً ، مُدمراً في الدنيا والآخرة ،ناصحاً بود واخلاص . نصح المعلان والراعي بهدوء ، وروية ، وعقلانية ، وسريّة . حتى يجنبهم حدوث مكروه ، وليبعدهم عن تكرار الشجار مع الغير ، وليجنبهم أكل مال الغير وحُرمته الشديدة . لكن تبين ان جهوده الخيِّرة لم تأتِ أُكلها ، رغم تكرارها . وفي أحد الأيام ، شدد لهجته في نصيحته ، مما أغضب المعلان ، والراعي ، عندها قال لهما : هذه المرة الأخيرة التي أتدخل فيها ، لكنني أود ان أقول لكما : ( بيجيك يا بلوط من يبلطك ) ، أي سيأتيكما من لن يسكت عن تعدياتكما وستدفعان ثمناً باهظاً .

لم يتعض المعلان ، ولم يُحسن إنتقاء الراعي ، الى ان تعدى الراعي على زرع أحد الاشخاص الذين لا يسمحون لأحدٍ بالتعدي عليهم ، ومما زاد الأمر سوءً ، أن حضر هذا الرجل الى زرعه في أحد الأيام ( ليروده ) أي ليتفقد زرعه ، وتفاجأ ان نفس الراعي قد أفلت أغنامه في زرعه . إستشاط مالك الزرع غضباً ، وبدأ يتجادل ، ويَنهر على الراعي ليُخرج أغنامه من زرعه ، لكن الراعي لم يأبه به ، لأنه تعود على التجاوز على الغير ، الذين لم ترتقِ ردود افعالهم الى المستوى الذي يردعه للإبد ، ( يعني :لا شاهي ولا ناهي ) ، الى ان جاءه هذا الأصيل الذي لا يقبل بالضيم وتعدي الآخرين ، فسحب مسدسه ( وناول ) الراعي طلقة في إحدى ساقيه ، وتهاوى على الأرض ، لا يقوَ على الوقوف ، ولا حيلة له الا البكاء . وانصرف مالك الزرع غير عابيء بشيء . وذهب الى احد الوجهاء ، سارداً ما حصل معه ، وتم حلّ القضية وفقاً للقضاء العشائري ، والنتيجة ان المعلان تكفّل بكل ما لحق بحقول الزرع التي تعدى عليها طيلة الموسم ، كما تكفل بمعالجة الراعي والإنفاق على أُسرته ، لانه لم يعد يقوى على المشيء بعد ان تفتتت عظام ساقه .

الرعونة داء ، ليس له دواء . وعدم إعمال العقل ، وعدم أخذ العبرة مما يحدث ، سيضع القدر في طريق من لا يعبأ بحقوق وكرامات الغير من لا يقبلون ضيمه وتجبُّره ، وسينطبق عليه المثل القائل ( بيجيك يا بلوط من يبلطك ) . قصة للعبرة ، للراعي والمعلان . حتى يُحسن المعلان إنتقاء الراعي ، ولِيرتدع ، ويصوِّب أفعاله ، حتى لا يأتي يوماً يدفع المعلان ثمن أخطائه وأخطاء من ينتقي ، ويدفع الراعي ثمناُ باهظاً مدمراً لتعديه على كرامات وحقوق الغير . وأختم ببيتٍ من الشِعر ، من التراث المتداول ، يقول : لِكُلِ داءٍ دواءٌ ، يُستطبُّ به / الا الحَماقةَ ( او الرعونة ) أَعيَتْ مَن يُداويها .

الاخبار العاجلة