صراحة نيوز – بقلم د . صبري الربيحات
في النظرية التي أثارت جدلا عالميا واعتبرها البعض تحديا صارخا للمعتقدات الدينية ذكر تشارلز داروين بأن الصراع من أجل البقاء عملية مستمرة بين الأنواع تؤدي إلى الارتقاء بفعل تفوق الأنسب واندثار الكائنات الأقل ملاءمة للظروف والمتطلبات التي تفرضها البيئة. هذا المبدأ العام ينسحب على الكثير من الكائنات ويفسر الكثير من الظواهر والأحداث فقوانين الملاءمة والتكيف تساعدنا على فهم أسباب السيادة والإبادة.
اليوم وأينما اتجهت تجد الخوف والقلق يسيطران على عقول وقلوب الناس. فالأفراد لا يستمعون كثيرا لما يقوله الساسة والحكام فهم يبحثون عمن يوفر لهم الخلاص دون منة أو تجبر أو استغلال. في الولايات المتحدة واليونان وفي السودان وإيطاليا ينتظر الناس بفارغ الصبر إطلالة خبراء الأوبئة علهم يأتون ببشائر تحد من الخوف وتقلل من منسوب القلق والتوتر.
في الولايات المتحدة سئم الناس إطلالة دونالد ترامب اليومية واستعراضه غير المحمود لما قام به وتبجحه اللامتناهي بإنجازاته المزعومة واتهامه للصين بأنها سبب البلاء فالشارع الأميركي يفيض بالإحباط والغضب على إدارته وغطرسته وتماديه على الإعلاميين واستغلاله للموقف كمنصة انتخابية للترويج لنفسه والهجوم على منافسيه حتى وإن تعلق الأمر بسلامة وكرامة الناس وحياتهم.
الأطباء والممرضون وخبراء الوراثة والجينات هم السلطة الحقيقية التي يمكن أن تفتي في مثل هذه المواقف والحديث الذي يقوم به الساسة والإعلاميون وغيرهم لا يعني الكثير للناس فهو لا يعدو محاولة لتسيس حدث صحي أو الصعود على عربة لقطار متحرك.
الجدل العالمي هذه الأيام لا يتعلق باعتراض الناس على فقدهم لحريتهم بفعل إجراءات التباعد والحظر وإنما الخوف من استغلال البعض للظروف الاستثنائية لعقد صفقات واحتكار لسلع وخدمات وغياب العدالة الاجتماعية. الناس في الأردن وكل بلاد الأرض لا يمانعون الانصياع للقوانين والأوامر فالبعض يطالب أن تكون الأوامر والإجراءات أكثر تشددا وصرامة.
في ملاحظة لافتة تزامنت مع اختفاء الرئيس كيم جونغ أون تمنى العشرات من المعلقين السلامة للرئيس الكوري وأعربوا عن إعجابهم الشديد بالطرق التي تعامل فيها مع الفساد والفاسدين في بلاده. البعض تمنى أن يعمم أسلوب الرئيس الكوري ونموذج إدارته على كل البلدان التي تعاني من الفساد والترهل.
الارتباك الذي يعيشه العالم لم يكن مفاجئا ولا طارئا فقد ظهرت بوادره من خلال التباين الواضح بين القيم السائدة في العالم الديمقراطي والخيارات التي أقدم عليها الناخبون في اختيار شخصيات ترى نفسها فوق القانون وتدير البلاد وفقا لأهوائها. في تصريح لدونالد ترامب خلال أحد الإيجازات الصحفية عن الوضع الصحي وإدارة الأزمة قال بأنه يملك سلطة شاملة وغير محدودة.
ما قاله ترامب يعكس عقلية ونظرة العديد من الرؤساء والحكام في العديد من بلدان العالم هذه الأيام فبالإضافة إلى ترامب تختفي روسيا وتنظيماتها وسياساتها وقوتها خلف بوتين الذي أصبح دكتاتورا يسعى إلى تغيير القوانين لتتيح له تولي الرئاسة في البلاد مدى الحياة.
الحالة الروسية لا تختلف كثيرا عما يحدث في تركيا وإسرائيل وإيران وجميع البلدان العربية. ففي السنوات القليلة الماضية حدث تراجع ملحوظ في القيم والأخلاق الديمقراطية وبدى العالم أكثر فردية وشراسة وانطلقت ثورة صامتة على كل ما هو منطقي ومألوف تمخض عنها تبدل في نوعية القيادات العالمية وأساليب وأنماط تناولهم للموضوعات والقضايا وتفسيرهم وفهمهم لما يجري وشبكة العلاقات التي أقاموها على الساحة العالمية وطرق تعاملهم مع الإعلام ومواقفهم من الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان.
الثورات التي اندلعت في فرنسا والولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر شكلت نموذجا لما حاول العالم الوصول إليه قبل أن تحدث الانتكاسة الجديدة وتقبل العالم وتواطئه على تمويل وإشعال الصراعات الأهلية والإقليمية التي أفقدت لوائح حقوق الانسان كل المعاني والصور التي حملتها.
حالة التدهور التي تعيشها القيم والمبادئ والأخلاق الديمقراطية هذه الايام غير مسبوقة فقد اصبح العديد من الحكام يتنصلون من هذه القيم ويسعون لتعزيز سلطاتهم الفردية كما حاول البعض اختطاف النظام الذي جاء بهم للحكم للممارسة نزعاتهم الفردية.