صراحة نيوز – كتب أ.د. محمد الفرجات
ما أن إنتهى جلالة الملك من جولاته التي تحمل رسائل طمأنة لفئات الشعب في بدايات الربيع العربي، حتى وقد بدأ ببث رسائل وأوراقا نقاشية لشعبه بمواضيع سياسية وأقتصادية وإجتماعية وتنموية هادفة، وبلور فكر ورؤية لدولة مدنية ينعم فيها الجميع بالحقوق ويؤدي ما عليه من واجبات دون منغصات وتحت مظلة القانون.
للأسف لم تلق الرسائل الملكية ما تأمله الملك من تنفيذ مضمونها وما جاء فيها، وإنتقد ذلك، فهبت الحكومة بلجانها للتنفيذ، ولم ينفذ شيء.
مع إزدياد قساوة الظروف المحيطة بنا سياسيا إزدادت ظروفنا الأقتصادية سوءا، فأرتفعت الضرائب والأسعار، ورفع الدعم عن الخبز، وذلك في سباق ماراثوني حكومي للحفاظ على سعر صرف الدينار ولتوفير سقف الرواتب الشهرية من الإيرادات.
أعلاه أدى لإرتفاع الأصوات الشعبية هنا وهناك تململا وخوفا من القادم، مما دعى الملك لأن يعود للمربع الأول وكأنه لم يقدم أوراقا نقاشية، فعاد كما في بدايات الربيع العربي بجولات على المدن والقرى والبوادي لبث رسائل طمأنة لشعبه، بلقاءات مع المتقاعدين والوجهاء.
المشكلة أن الجميع ينتظر حلولا سحرية من الملك، وبالقابل فالحكومة تقسو على الشعب برفع الضرائب مضطرة ومكرهة لتوفير الرواتب الشهرية والحفاظ على سعر صرف الدينار كما أسلفنا.
في خطابات العرش السامية وكتب التكليف الوزاري مئات البنود والتوجيهات، فماذا نفذ منها؟
الأوضاع المعيشية تزداد سوءا وصعوبة، وهنالك أعراض غريبة تفاجيء الناس يوميا كالسطو المسلح والإنتحار، ناهيكم عن إرتفاع حالات الطلاق والعنف والمخدرات وغيرها، والأمر لا يحل بالضرب بقبضة من حديد (كما أفاد أحد رجال الدولة) إنما بتوفير سبل العيش الكريم.
الملك وحده لن يغير شيء، فهو يوجه ويراقب منذ أن تولى سلطاته قبل ما يقارب العقدين من الزمن.
أين تكمن المشكلة؟
في مقال سابق لي عام 2014 كتبت مقال “من الذي يخطط للدولة الأردنية؟”، وكان يصب في بوتقة بناء إقتصاد دولة ينعم فيها الجميع بالرفاه والرخاء.
مشكلتنا تكمن بغياب العقل الجمعي الذي يفكر وينفذ بوتيرة زمنية واحدة، وأننا ما زلنا نعتمد على الفزعة في قراراتنا، وكثيرا ما تغيب عنها المؤسسية، وأن أي حكومة تأتي تجب خطط وتوجهات وجهود ما قبلها، والخاسر هو البلد في النهاية.
كتبت ذلك متألما لحال الناس، ومنهم أسرة لا يجد أبناؤها الأطفال الخبز ليغطوه بالماء عندما يعودون من المدرسة لإطفاء جوعهم.
تاليا ما جاء في مقالي المذكور أعلاه عام 2014… فهل كنت على حق؟
لنتفق بداية على أن الدولة هي (الأرض والشعب والحكومة، ومجموعة القوانين التي تنظم الأمور)، ولنتفق أيضا بأن رأسمال الدولة الأردنية (نعمة الأمن والاستقرار)، قد باتت هنالك تحديات تستنزفها، من عنف يستشري بالأحياء والجامعات، أمام جريمة منظمة بدأت بالنمو بسبب البطالة التي وصلت حوالي نصف مليون عاطل عن العمل، ومن سطو وسرقات وقتل وترويج وتعاطي للمخدرات. كما ولنتفق على أن العدد الاجمالي للسكان وبفضل الحكومة الحالية، قد وصل الى ما يقارب 10 ملايين نسمة، في بنية تحتية ومنظومة وشبكة خدمات (حكومية وخاصة) لا تستوعب سوى 5 مليون نسمة، مقابل ملفي الطاقة والمياه وهمومهما، ولن نتحدث عن جوانب التلوث البيئي الناجم عن الزيادات السكانية وزيادة الحوادث والضغط على شبكات الخدمات، وتلوث المياه الجوفية والضجيج والتلوث البصري وتلوث الهواء.
كما وأن أمر التوسع في استقبال اللاجئيين السوريين بات مقلقا لهم ولنا، فالتوسع في بناء المخيمات ورفدها بالبنى التحتية لهم، هل يشير الى بقائهم الى ما لا نهاية، وما هو مستقبلهم، وهل هذا نوع آخر من التوطين؟ وعلى حساب المواطن الذي يدفع الضرائب، وكم عدد من بالمخيمات ومن يعيش خارج المخيمات، وكم عدد من تبوأ منهم عملا في مطعم أو منجرة أو محددة أو كراج أو محل بقالة أو خلافه، وهل يتوافق هذا مع أرقام البطالة الوطنية، وما ينجم عنها من عزوف الشباب عن الزواج، وارتفاع نسب الطلاق، والى أين اذن تسير بنا الأمور، ومن يخطط للمملكة؟ وهل من حق المواطن التساؤل ام لا؟
أمام كل هذا الشقاء والعناء، وفي دولة المؤسسات وسيادة القانون والعدالة، نقرأ في الصحف عن نية التفاوض مع وليد الكردي لاعادة ما أخذ دون وجه حق لخزينة الدولة، وكسر قرار حكم محكمة الجنايات الكبرى بحقه في تموز 2013، بينما موظف صغير يمد يده لصندوق مؤسسته بعشرين دينار لعلاج ابنته الطفلة ويعيدها بعد يوم يقضي بالسجن 3 سنوات كحد أدنى.
الأسعار ارتفعت بجنون، والضرائب ارتفعت والرسوم ارتفعت، وتم تسمية ضرائب ورسوم جديدة، وما زالت الرواتب تراوح مكانها، أمام رفع الدعم عن المحروقات، وزج الناس بطوابير مهينة لجني دعم المحروقات، كما وأن العقارات ارتفعت والأراضي ارتفعت لمن يريد أن يحقق حلم العمر ويبني أو يتملك شقة مثلا.
لن تستطيع الحكومة وفي كل يوم فض النزاعات والاعتصامات والاضرابات وأنواع العنف بالغاز المسيل للدموع والقتل، فهنالك استحقاق تنموي، بانعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وتوفير البنى التحتية والخدمات والرفاه المجتمعي، وتحسين الدخول، فهل يعاقب المواطن كل يوم على مختلف أنواع مطالبه بالغاز المسيل للدموع، وهل يعي من يزج بهؤلاء الى السجون بأنه يقتل فيهم الولاء والانتماء، ويجعل من قول “المخلصون للوطن في مرمى الرصاص” واقع مرير نعيشه يوميا، ولا نجد من نشكو اليه، ونخشى أن نتحدث على الملأ ونخوض بأمور حساسة لا مجال لذكرها هنا.
اليوم الأمر الخطير الذي لم يستوعبه أحد هو أن الجيل الذي نكدسه عاطلا عن العمل في البيوت، ونقلل فرصه في الحياة الكريمة، هو ذاته الجيل الذي سيحمل اللواء ويكمل المسيرة، وهو الذي سينتج الجيل الذي سيليه، وهنا وأمام ضياع فرصتهم وتقدم العمر بهم دون وظيفة وتحقيق المستقبل والزواج، فان الحديث عن مستقبلنا كأمة (لمن يعرف معنى الأمة) في خطر،،، الى أين اذن تسير بنا الأمور، ومن يخطط للمملكة؟ وهل من حق المواطن التساؤل ام لا؟، حمى الله الوطن والمواطن وقائد الوطن، ولا يعني التساؤل سوى بداية الحلول، وقد فصلناها مسبقا وقدمناها لصانعي القرار، “مبادرة الشعب للانتاج” وما يبدو انه لا حل بالأفق سوى ذلك، اللهم فأهدهم يوما للسماع لنا.