صراحة نيوز –
موازنة 2020 المقترحة تحمل عجزا يزيد على ملياري دينار وبعد خصم المنح تبقى بحدود مليار وربع، أكثر من نصفها تمثل زيادة النفقات الجارية عن الايرادات وهكذا تسجل الحكومة فشلا قياسيا اذ إن استراتيجية الحكومة منذ البداية قامت على مبدأ ألا تزيد النفقات الجارية عن الايرادات المحلية، وكان رئيس الوزراء عمر الرزاز يشرح ويشدد على انه لم يعد ممكنا ولا جائزا ان نستمر بالاستدانة لتغطية نفقات جارية.
لنكن عادلين بالمقابل فالحكومة التزمت مؤخرا بنفقات اضافية لم تحسب حسابها وهي الزيادة في رواتب المعلمين ثم جميع العاملين في القطاع المدني والعسكري اضافة الى التزام مسبق برفع المعونات والمساعدات الاجتماعية. الرئيس كان كعادته يقول كلاما صحيحا ينسجم مع المنطق والحس السليم لكن الأمور على الارض تمشي كما هو مقدر لها. والزيادات على الرواتب والأجور لم تكن ضمن خطة الحكومة فبعد ان فرض المعلمون مطالبهم بات يقينا ان كل القطاعات تتململ واذا كان لأحد ان ينسى او يخطئ التقدير فمن لبنان جاء النذير وهنا حزمت الحكومة أمرها وقالت ليذهب العجز الى الجحيم إنقاذ البلد أولى فقررت اعادة هيكلة الرواتب الى جانب حزم “حوافز” لها كلفة مالية ايضا.
هذه القرارات الاضطرارية من الحكومة وقد يلحقها تخفيضات معينة على ضريبة المبيعات كان معلقون اقتصاديون وأوساط المعارضة الحزبية والحراكية تعتبرها جزءا من النهج البديل لنهج “الجباية” السائد وكان النقد ينصب دائما على العقلية المحاسبية لوزارة المالية التي لا تفكر زمن الركود الا في كيفية جني المال وليس في كيفية تجاوز الركود لتحقيق التنمية والازدهار الذي سيجلب المال. بعبارة أخرى فإن برنامج المعارضة الحقيقي يقول إن المزيد من الضغط على جيب المواطن يفاقم الركود وبالتالي يقلل الايرادات بينما الصحيح أن ننفق اكثر ولو بمزيد من عجز الموازنة من اجل تحسين الوضع المعيشي والقدرة الاستهلاكية للمواطن وتحفيز النمو الذي سيرفع لاحقا ايرادات الموازنة.
لعل هذا النهج البديل الذي يسمح بزيادة العجز لم يكن هو برنامج الحكومة الأصلي لكن لا نستطيع لوم الحكومة الآن ما دامت أخذت به، وللانصاف ربما كان لوزير المالية الجديد دور في هذا اذ يبدو أنه يحمل رؤية تختلف عن سلفه. خلفيته ليست محاسبية ويتحدث بمنطق اقتصادي أوسع افقا. إنما السؤال الذي يبقى حائرا هو كان يمكن لسياسة جادة في تقليل الهدر والامتيازات واستئصال الفساد ان تقلل العجز وتحسن ميزانية الدولة؟
قلنا هذا فنعود لنستدرك بملاحظة عن الثقة. وذهبت لتدقيق بعض البنود وبدأت بموازنة الديوان الملكي فوجدتها ثابتة على حالها وهي حوالي 55 مليون دينار نصفها تقريبا للمساعدات الاجتماعية والنصف الآخر للرواتب والاجور وأقل من مليوني دينار للضمان الاجتماعي والسلع والخدمات والآليات… الخ. الرواتب والأجور تأتي تحت بندين تعويضات العاملين مصنفين وغير مصنفين وهي مليون و800 الف دينار ونفقات القصور الملكية العامرة 25 مليونا دون تفاصيل. انما في كل الأحوال تبقى الارقام معقولة وهي كذلك لبقية بنود الموازنة فمن اي قناة أو مخبأ يأتي الإنفاق خارج السيطرة؟ ستبقى الموازنة غير ذات مصداقية ونقاشنا عن قبول العجز غير مجد اذا لم تجسر الحكومة فجوة الثقة بالارقام المعلنة.