صراحة نيوز – بقلم ضيف الله الملاحمه
لا كرامة لنبي في وطنه . قول صحيح تماماً ، لكنه ليس قولاً انسانياً عاماً ، لانه لا يصلح ولا ينطبق ولا يُطبّق الا عندنا وعلينا نحن العرب . كم من مفكرين عرب طُمِسوا ، ولم نسمع بهم !؟ وكم من مُبدعين طواهم النسيان وهم احياء رغم عطائهم !؟ وكم من علماء ذهبوا في غياهب النسيان !؟ وكم .. وكم .. وكم !؟
لله درُّنا ، نُقدِّر الغريب ، ونطمس القريب . عَشِقنا الانقياد ، وعِشنا وتعايشنا مع تبجيل كل ما يأتينا من الغرب . وهمّشنا اي نتاج من العرب . وانتشر بيننا مقولة (( كل فرنجي برنجي )) .
كنت أقرأ عن كتاب باللغة الانجليزية بعنوان ( Clash of Civilizations ) اي ( صِدام الحضارات ) ، لمؤلفه السياسي الأمريكي ( Samuel P. Huntington ) صموئيل هنتنغتون ، الذي يطرح فيه ان الحروب القادمة لن تكون بين أقطار ، بل بين حضارات ، وتحديداً ستستهدف الحروب ثقافات ، وديانات ، وهويات الشعوب . وللعلم ان هذا الكتاب تم تأليفه ونشره عام ١٩٩٦ . رغم عِظم هذا الكتاب واهميته الا ان مؤلفه أشار واعترف بأمانة علمية راقية يُشهد له بها ، ان المفكر المغربي العربي / المهدي المنجرة قد سبقه الى ذلك ، وهو اول من سمى الحروب القادمة ب ( حروب الحضارات ) .
وعليه لابد من نبذة موجزة جداً عن المفكر المغربي العربي البروفيسور / المهدي المنجرة : ولد عام ١٩٣٣ ، وتوفي بتاريخ ٢٠١٤/٦/١٣ . وهو اقتصادي وعالم اجتماع متخصص في علم الدراسات المستقبلية . له العديد من المؤلفات المهمة منها :- ( إنتفاضات في زمن الذُلّقراطية ) ، ( من المهد الى اللحد ) ، ( حوار التواصل ) ، ( مسار الفكر ) ، ( عولمة العولمة ) ، ( الإهانة في عهد الميغاإمبريالية ) … وغيرها . لكنني أرى ان من أهم مؤلفاته كتاباً ألّفه عام ١٩٩١ ، بعنوان ( الحرب الحضارية الأولى ) . إعتبر الكثير من المفكرين ومنهم / صموئيل هنتنغتون ان هذا المؤلف بمثابة تنبؤ عن طبيعة الحروب القادمة ، حيث ستكون على الهويات الثقافية والدينية للشعوب .
والأهم ان نعرف ماذا قال المفكر / المهدي المنجرة عن فلسطين ، أورده نصّاً : — (( بالنسبة للقضية الفلسطينية تحرّك المسؤولون العرب والمسلمون عبر ما يسمى المؤتمر الاسلامي لصالح اسرائيل والاستعمار ، وأؤكد ان تسعين في المئة من المسؤولية للوضع كما نعيشه الآن يرجع للحكومات العربية والاسلامية وعلى ما يسمى منظمة تحرير فلسطين لكونهم عبّدوا الطريق للاستعمار الصهيوني كي يتوغل في المنطقة العربية ويشتت الوحدة العربية )).
المفكر البروفيسور / المهدي المنجرة ، توقع ما حصل للوطن العربي ، وتوقع تدمير العراق ، كما توقع ما سُمي بالربيع العربي . وهو الذي قال : ( ان المسؤولين السياسيين في الغرب يتحدثون عن الديمقراطية ويخشونها في نفس الوقت في بقية البلدان ، لانه اذا كان هناك ديمقراطية حقيقية في بلدان العالم الثالث فهي تشكل خطراً على مصالح الدول الغربية . كما ألف كتاباً باسم (( الإهانة )) ، يقول فيه :- (( عندما اتحدث عن الإهانة فأقصد الإهانة المزدوجة إهانة الغرب لنا ومعها إهانة الإستعمار ، وهناك اهانة ذاتية تأتي ممن يقبلون بالاهانة الخارجية وهي تسقط على المسؤولين عندنا جميعاً ، والخطير ان بعض المسؤولين يقومون بترجمة الاهانة التي يتلقونها من قبل الغرب ويعكسونها على شعوبهم . وعليه فالشعوب العربية تشعر بإهانة مضاعفة سواء من قِبل الغرب او من قِبل المسؤولين ، وقد أُضيف إهانة أخطر وتصدر عن تلك الفوارق الاجتماعية السائدة . الإهانة التي نعيشها اصبحت جزءاً اساسياً في التركيب العقلاني لهذه المجتمعات . وأهم سبب وراء هذا التطور يكمن في اننا قبلنا بها . هناك قابلية للاهانه بسبب تكريسها باستمرار ، ونقبل بمسؤولين يقبلون بها .. الخ )) .
أود ان أورد بعضاً يسيراً من أقوال المفكر البروفيسور / المهدي المنجرة :- ( إذا اردت ان تهدم مجتمعاً ، إهدم التعليم ، واذا اردت ان تهدم التعليم إهدم المعلم ) ، ( لقد انشغل الصينيون ببناء السور ، ونسوا بناء الحارس ) ، ( الإصلاح شبيه بعملية جراحية ، كلما تأخرنا في إجرائها إلا وقلت فرص نجاحها ).( مشكلتنا ان هناك خونه ، هناك غياب للضمير في مسيرتنا في بلداننا النامية ، هم السبب الرئيسي فيما حلّ بنا الآن ، وهناك نخبة باعت نفسها ، هناك مرتزقة باعوا انفسهم لأنهم مُشاركين في اللعبة فاعلين ومستفيدين ، الى أين !؟ كأننا في بورصة ، هذا تشتريه بسيارة وفيلا ، وذاك بكتابة دولة ، وهذا بعامل لإقليم ، وهذا بحقيبة وزارية ، وذاك بسفارة ) ، ( اعطني اعلاماً بلا ضمير ، أعطيك شعباً بلا وعي ) . لاحظوا معي ان عدداً من الأقوال نرددها ولا نعرف انها من اقواله .
المهدي المنجرة المفكر الذي لم نُقَدِّرْ ، قدَّره الغير ، فقد سلّمه امبراطور اليابان وسام الشمس وهو من ارفع الأوسمة تقديراً لفكره . وما اكثر المفكرين والادباء والشعراء والمبدعين والعلماء والمخترعين العرب الذين لم نقدِّرهم حق قَدرِهم ، لكن الذين هجروا بلاد العرب وهاجروا الى الغرب نالوا ما يستحقون من الشهرة والثروة والتقدير الذي يستحقونه ، ومن لم يهاجروا طُمِسوا ، وعانوا وماتوا دون ان نسمع عن ابداعاتهم وانجازاتهم وحتى شخوصهم شيئاً . وطن يحترف قتل ابنائه باراقة الدماء ، او بالاهمال والتهميش وهدر كراماتهم . وأختم ببيت من الشِعر يقول :-
وذو جهلٍ ينامُ على حريرٍ / وذو عِلمٍ ينامُ على التُرابِ .