صراحة نيوز – بقلم الدكتور ابراهيم بدران
منذ عام 2011 وحتى الربع الأول من عام 2018، كان مجموع المشاريع التي مولها صندوق تنمية المحافظات 129 مشروعاً، أي بمعدل 18 مشروعا سنوياً موزعة على 12 محافظة، وبقيمة 72.6 مليون دينار. أي أن نصيب كل محافظة أقل من مشروعين سنوياً وبقيمة تقل عن 1 مليون دينار لكل محافظة سنويا.
صحيح أن التوزيع بين المحافظات ليس بالتساوي، ولكن الأرقام وتواضعها تعكس ضآلة الاهتمام بالمحافظات، وهو موضوع تكرر الحديث فيه والنداء من أجله مرات ومرات الا وهو “تنمية المحافظات”.
ما يبدو غريبا وبعيدا عن الفهم لدى المواطن والباحث على حد سواء هو استمرار عدم النظر إلى تنمية المحافظات من خلال المشاريع الإنتاجية المبرمجة نظرة جادة وعملية. إذ لا يعقل أن الحكومة بموازنتها التي تعدت (10) آلاف مليون دينار سنوياً لا تخصص لهذا الموضوع من المال والجهد والاهتمام ما يكفي لإحداث تغيير حقيقي إلى الأمام.
هذه المحافظات التي تضم 5 ملايين نسمة ( إذا استثنينا عمان ) كيف يمكن أن تواجه البطالة المتصاعدة والتي تصل في بعض المحافظات إلى 25%؟ وكيف يمكن أن تواجه الفقر؟ وكيف يمكن أن تواجه الهجرة من القرى إلى المدن؟ وكيف يمكن أن تتقدم لتجسير الفرق الاقتصادي بينها وبين محافظات العاصمة والزرقاء واربد إذا بقيت بعيدة عن المشاريع الجديدة ؟ وبعيدة عن التنمية المبرمجة والمحددة بأرقام أداء؟
إن تنمية المحافظات لا يجوز أن تعتمد فقط على تمويل المشاريع التي يتقدم أصحابها للتمويل وفق ترتيبات “ المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع” وهي المؤسسة المسؤولة عن إدارة أموال صندوق تنمية المحافظات. فمثل هذه المشاريع ستكون قليلة ومحدودة ومتقطعة وغير مترابطة، لأنها تعتمد على توجه المستثمر نفسه واهتماماته وليس على خطة خاصة بالمحافظة. إن تجربة السنوات السبع الماضية كافية للقطع بذلك. فأعلى محافظة حظيت بتمويل صندوق تنمية المحافظات كانت الكرك، وبمعدل 3 مشاريع سنويا. وربما تراوحت فرص العمل التي وفرتها بين 80 إلى 100 فرصة عمل في كل عام. ماذا تفعل 3 مشاريع في محافظة مثل الكرك أو معان أو جرش أو عجلون أو غيرها؟ وكيف ستتغير معدلات البطالة إذا كان من يصبح جاهزا لدخول سوق العمل سنويا بعشرات الآلاف؟ .وهذا شأن المحافظات الأخرى.
لقد تأخرت الإدارات المتعاقبة في إدراك حقيقة جوهرية و هي “أن التنمية الاقتصادية المؤدية إلى ارتفاع دخل المواطن في أي مكان، وخاصة في الأرياف، لا تتحقق تلقائيا أبدا، ولا تعتمد على إقدام المستثمرين أو أحجامهم، وانما تتطلب برنامجا حكومياً واضحا في هذا الاتجاه تتشارك فيه القطاعات الرسمية والخاصة والأهلية”. ولعل تجارب بلدان كالهند وماليزيا يمكن أن تكون حافزاً لنا لتغيير النمط الذي تسير عليه الأمور.
وهذا يتطلب من وزارة الاستثمار ومجالس المحافظات والمؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع العمل بأسلوب مختلف وربما في الإطار التالي:
أولاً : وضع خطة تنمية اقتصادية لكل محافظة تقوم على إنشاء مشاريع انتاجية جديدة تستفيد من معطيات المحافظة الزراعية أو الصناعية أو السياحية أو العلاجية. خطة يساهم في وضعها خبراء تنمية بالإضافة إلى مسؤولين من المحافظات ذاتها.
ثانياً : أن يتم تعميم خطة تنمية كل محافظة بشتى الوسائل وذلك لجلب انتباه المؤسسات والشركات والمستثمرين من داخل وخارج المحافظة. ثالثاً : التركيز في البداية على المشاريع كثيفة الاستخدام للأيدي العامة والصناعات الإحلالية لتكون بديلاً عن المنتجات التي يتم استيرادها حالياً.
رابعاً : التوسع في إنشاء جمعيات تعاونية واستثمارية بحيث تتولى هذه الجمعيات انشاء المشاريع الجديدة أو المشاركة فيها.
خامساً: فتح مكاتب في المحافظات والإفادة من المحطات الفضائية والإذاعية المحلية في المحافظة أو الوطنية على مستوى البلاد لنشر الوعي بالتنمية والمشاريع والريادية ودعم الحكومة ودعم مجالس المحافظات.
سادساً: الطلب من الشركات الكبرى والبنوك المساهمة في الاستثمار في مشاريع معينة من شأنها أن تكون فاتحة لمشاريع أخرى صغيرة ومتوسطة.
سابعاً: اعطاء امتيازات خاصة للمستثمرين في المحافظات وتقديم الحماية القانونية والأمنية والأدبية لهم.
ثامنا: الاهتمام بعاصمة كل محافظة لتصبح قاطرة اقتصادية للقرى والأرياف حولها.
تاسعا: تعميم وتمويل مشاريع التكنولوجيا البديلة في المياه والطاقة مثل: وحدات الطاقة الشمسية وتوليد الماء من الهواء وتدوير المياه وتخمير المخلفات العضوية.
عاشرا: العمل على تطوير وحدات خاصة بالزراعة النباتية والحيوانية المنزلية الحديثة.
إن تنمية المحافظات ركن أساسي من أركان الإقتصاد والتماسك الاجتماعي وقدرة الدولة وضمان مستقبلها، عدا عن أنها حق وطني وانساني لا يجوز تأجيله أو التهاون فيه.