صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
نَشْأتُ الولايات المتحدة الأمريكية ، كانت دموية ، ودموية هنا لا تعني الإقتتال الداخلي او البيني بين الولايات ، بل دموية لدرجة لم تشهدها الإنسانية مُطلقاً ، حيث تمت إبادة الهنود الحُمر وهم السكان الأصليون ، ابناء الارض ، وسكان المنطقة . إيادي المستعمِرين البريطانيين والمهاجرين الجدد ( الأمريكان الجدد ) مُلطخة بدماء الهنود الحُمر ، حيث لم تكن خطتهم فرض وجودهم بالاحتلال ، والعيش وإستملاك الأرض عنوة من السكان الأصليين ، كما فعل الكيان الصهيوني ، لا بل خططوا لإبادة الهنود الحُمر ، ومع الأسف نجحوا أيما نجاح في إبادتهم . بعد حرب ضروس ، طاحنة ، إمتدت لسنوات ، وحصدت ملايين الأرواح . وسمّوها بالحرب الأهلية زوراً وبُهتاناً ، لأن الحرب الأهلية تكون بين أناس يتشاركون المواطنة على الأرض ، ويتصارعون لأسباب عرقية وغيرها ، بينما ما حصل هو مقاومة الهنود الحُمر للمحتلين البريطانيين والمهاجرين الغرباء المحتلين . لذلك كانت حرب تحرر وتحرير مقدسة ومبررة للهنود الحُمر . ولم يبقَ منهم الا مجموعات هنا ، وأخرى هناك ، متناثرة ، مقهورة ، مهمشة ، كأنهم غير موجودين .
نحن العرب مُخطِئون عندما نلوم امريكا في دعمها المطلق وغير المسبوق للكيان الصهيوني ، للتماثل والتطابق التام بين كيفية قيام ( الكيان ) نعم الكيان الأمريكي والكيان الصهيوني ، لا بل الأمريكان اكثر إجراماً من الكيان الصهيوني ، لان الأمريكان أبادوا ، نعم أبادوا الهنود الحمر ، وإحتلوا . بينما الصهاينة قتلوا ، وهجروا ، ومن ثم احتلوا ، لكنهم لم يبيدوا الفلسطينيين . وما هو جدير بالتوضيح اننا نعتقد مخطئين بان اللوبي الصهيوني ( الآيباك ) والمسيحيين الإنجيليين هم السبب او الدافع الرئيسي للدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني ، لانهما ليسا اكثر من عاملين مساعدين . اللوبي الصهيوني الذي خاطبه ترامب قبل شهور قائلاً لهم ( أعرف أنكم مجرمون قتله وسوف تنتخبوني ) . لأن الداعم الرئيسي يتمثل في تشابه لحد التطابق في آلية نشوء الكيانين الأمريكي والاسرائيلي .
تزامن نهج ترامب العنجهي ، العنصري ، المتغطرس ، مع وباء الكورونا ، وفعلا فِعلتهما ، وكَشفا هشاشة وعيوب هذا الكيان الأمريكي الدموي ، الذي عاث في الكون فساداً وإفساداً ، وقتلاً وتقتيلاً ، وتهديداً ، وتضييقاً ، وإبتزازاً ، وعنجهية ، وغطرسة .
يبدوا ان نهاية هذا الكيان الأمريكي المحتل المتغطرس قد بدأت تُطل برأسها ، ان شاء الله . منذ بداية انتشار جائحة كورونا في العالم ، وإستهانت ترامب في الجائحة وتفضيله النمو الاقتصادي على ارواح الناس ، وإلقائه اللوم على الصين ومنظمة الصحة العالمية التي حجب عنها المخصصات ، وانا ارقب بشدة ، وحذر ، وشماتة ما الذي يمكن ان يحصل !؟ وهل يمكن ان يكون هناك تداعيات لهذا الاستخفاف بحياة الناس !؟ واعتبار الناس وقوداً لاستمرار النمو الذي حققه الاقتصاد الأمريكي طيلة سنوات حُكم ترامب الثلاثة بالبلطجة ، والترهيب ، والتهديد ، والإبتزاز ، والاستقواء ، الذي سيساعد استمرار نموه على كسبه الانتخابات والعودة الى البيت الأبيض لوناً ، الأسود سياسة ونهجاً .
ها قد بدأت التصدعات !؟ التي أتمنى ان تستعصي على الحلّ ، وان تزداد هذه التصدعات ليتهتك النسيج الأمريكي وينفرط عِقده ، ويتشتت شمله . لقد دَبّ الخلاف الان بين ترامب وحكام ( ١٠ ) ولايات ، حيث ان توجهات ترامب تميل الى رفع الحظر وإعادة عجلة الاقتصاد للدوران ، خوفاً من تراجع الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة بشكل غير معهود ، للمحافظة على إنجازاته في تحسن الاقتصاد الأمريكي في عهده بشكل غير معهود ، إضافة الى انخفاض البطالة في عهده ايضاً الى نسبة غير مسبوقة ، ويعول هو على هذين العاملين لتحقيق الفوز في ولاية ثانية . لمن لا يعرف ، فقد شكّل ترامب ميليشيات مسلحة تُجبر اصحاب المحال التجارية على فتح ابوابها ، ومزاولة نشاطاتها . ويود ان يُجبر حكام الولايات على رفع الحظر . لكن حكام (١٠ ) ولايات ، منها ولايات رئيسية ، ذات ثِقل ، مثل نيويورك ، يرفضون الانصياع لهذا القرار ، مستندين الى الدستور الأمريكي الذي لا يسمح للرئيس الأمريكي بفرض هكذا اجراء . وقد ادى هذا الى صِدام بين ترامب وعدد من الصحفيين ، عندما عَقد مؤتمراً صحفياً بهذا الخصوص ، حيث رد على الصحفيين المحتجين بانه ما دام هو الرئيس الأمريكي فهو مطلق الصلاحيات ، ورد عليه صحفيون : بانه ليس مَلِكاً ، وأنه يخالف الدستور ، حيث أسكتهم بأسلوبه الفج كالمعتاد .
في ثمانينيات القرن الماضي ، التقيت مع احد الأمريكان العاملين في الإمارات ، وعند تجاذبنا أطراف الحديث السياسي ، ومعارضتي للنهج الأمريكي . وسألته عن مدى صِحة معلومة لديّ بوجود خلافات بين الولايات الأمريكية ، فأكد لي ذلك ، وفاجأني بمعلومة لم اكن اعلمها ، عندما قال ان احدى الولايات الأمريكية ما زالت ترفض الانضمام الى الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا ترفع العلم الأمريكي ، وتَعتبِر الوجود الأمريكي إحتلالاً . وقد بيّنها لي على الخارطة ، وعلى ما أظن انها في الشمال الأمريكي ، واعتقد ان اسمها ( مَيّْنْ Maine )، لستُ متأكداً تماماً من الإسم ، لكنني ذَكرته لعل أحد القراء الكرام يصححني وأكون له من الشاكرين .
الله لا يرفع عن كيان الولايات المتحدة الأمريكية شِدّه . متضرعاً الى ربّ العباد ان تزداد هذه الإرهاصات الانفصالية ، وتتعمق ، وتتجذر ، وتصيبه الويلات ، حتى تؤدي الى الانهيار ، والتفتت من ولايات ، الى دويلات متشظية ، متناحرة ، مُقتتلة فيما بينها ، وان يرتد كيدهم الى نحرهم ، وان يتجرعوا ولو كأساً واحداً من كؤوس المرارة والاقتتال والإجرام التي جرعوها لأغلب دول العالم . وأتنبأ بان ليس ذلك ببعيد .