بقايا الردع العربي

12 سبتمبر 2019
بقايا الردع العربي

صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات

في غمرة انشغالات الأردنیین بإضراب المعلمین وأحداث الرمثا ووسط الجدل الدائر في
الشارع الأردني حول مدى ملاءمة المعالجة الحكومیة لإضراب المعلمین وما قبلھا من أزمات یزخر الاقلیم بأحداث وتفاعلات تلقي بظلالھا على الأردن وتتطلب من الحكومة مواقف معبرة وواضحة.

الأردن أبقى على مواقفه واشتباكه الدائم مع القضایا الاقلیمیة بالرغم من انشغالاته المحلیة وتفكك منظومة الردع العربي التي ولدت مع تأسیس الجامعة العربیة.

الاخبار العربیة والعالمیة مشبعة بتصریحات لنتنیاھو وتسریبات صفقة القرن وانباء اقالة
المستشار للامن القومي بولتین ودعوة السعودیة لمؤتمر قمة اسلامیة حول الاجراءات الاسرائیلیة في القدس والاراضي العربیة المحتلة.

مع اقتراب موعد الانتخابات المبكرة التي دعت الیھا الكنیست واحتدام المنافسة بین الاحزاب تشتد وتیرة الوعود ویرتفع سقفھا.

سخونة الانتخابات واحتمالیة فوز الائتلاف المنافس دفع بنتنیاھو لرفع سقف الوعود متجاوزا ضم المستوطنات وتوحید القدس لیصل الى ازالة صفة الاحتلال عن غور الاردن واعتبارھا اراضي اسرائیلیة وتسویق ذلك باعتباره اجراء مھما لتوفیر عمق استراتیجي یخدم امن اسرائیل ویحقق حمایتھا من الاخطار العربیة.

امام ھذه الوعود والاجراءات ووسط حالة التشتت والضعف العربي تختفي الاصوات العربیة الرافضة وینشغل غالبیة الساسة بالخلافات البینیة والصراعات المذھبیة التي اصبحت المحرك الاساسي لمن یملكون المال والسلاح، باستثناء الصوت الفلسطیني والاردني المتشبث بفكرة الشرعیة الدولیة والتذكیر بأخطار ما یمكن ان تقوم به اسرائیل على فرص تحقیق السلام وحل الدولتین لا یوجد في الفضاء العربي من یكترث لاكثر من نیل رضا الادارة الامریكیة والایقاع بخصومه من الاخوة والجیران.

بالرغم من تراجع تأثیر وقوة الردع العربي على ما یمكن ان تقوم به اسرائیل ومن یقف معھا الا ان الأردن ظل متمسكا بھذه القوة ومتجاھلا للتغیرات والواقع الذي حاول الاسرائیلیون  فرضه وتسویقه . استمرار استخدام الأردن لمفردات عملیة السلام وحل الدولتین بالرغم اختفاء ذلك من ادبیات الكثیرین تكتیك سلیم وحكیم .

ففي ھذا الموقف تجاھل لكافة الاجراءات الاحادیة التي اتخذتھا اسرائیل وباركتھا الولایات المتحدة. ومن ناحیة اخرى یبقى الأردن حارسا للشرعیة الدولیة ومنبھا العالم لخطورة ما یجري على الارض وانحرافه عن الشرعیة التي اقرھا العالم.

التصریحات التي جاءت على لسان وزیر الخارجیة الأردني تقول بوضوح ان الاردن لا ولن یعترف او یقبل بالاستیطان ولا بضم الاراضي ولا بمسار الجدار العازل وھو یرفض نقل السفارة وسائر الاجراءات التي اتخذھا الاسرائیلیون بشكل أحادي فالمرجعیة التي نعترف بھا ھي القرارات الاممیة وكل ما یجري على الارض لا قیمة له ما دام یتعارض معھا.

القوة التي یتمتع بھا الاردن لا تأتي من اعداد الجنود ولا حداثة الطائرات والصواریخ بل من ثباته على المواقف والتزامه بالشرعیة الدولیة وبغیر ذلك فلا قیمة لأي تصریح ولا ضمان لأي موقف یحید عن الثوابت التي اقرتھا المجالس والھیئات الاممیة.

الامة العربیة لم تعد تملك مشروعا للوقوف في وجھ الاطماع الصھیونیة وتحریر الارض العربیة والحفاظ على ھویتھا القومیة والدینیة كما كانت . فقد تفتتت المواقف واعید ترتیب الاولویات وتزعزع مفھوم الاخوة وتبدلت القیم التي جعلت من الامة كیانا واحدا.

لقد انتھى الزمن الذي ادرجت فیه القضیة الفلسطینیة على اجندة العمل العربي المشترك باعتبارھا قضیة الامة الاولى التي یعمل الجمیع على نصرتھا یوم انقسم العالم العربي الى مجموعتین عرفت الاولى بالمواجھة ”الصمود والتصدي “ وعرفت الثانیة بالدعم والمساندة فدخلت جیوش الدول المجاورة لفلسطین في حروب متتالیة مع المنظمات الصھیونیة وتولت
الدول الاكثر ثراء مساعدة واسناد جیوش المواجھة وتسلیحھا.

مصر والاردن وسوریة ولبنان كانت خط التماس الاول مع المنظمات الیھودیة التي تشكلت من الضباط والقیادات المدربة العائدة للتو من میادین الحرب العالمیة الثانیة التي استمرت لسنوات في حین كانت كوادر الجیوش العربیة من المتطوعین والمجندین ممن لم یسبق لھم الدخول في الحرب واستعمال السلاح.

الامة العربیة دخلت مرحلة التشظي ولكل قطر من اقطارھا اھتماماته واھدافه، في ظل ھذه الاوضاع فان لا سند للقضیة الفلسطینیة غیر الشرعیة الدولیة والضمیر الانساني الذي نتمنى اكتمال صحوتھ اسرع مما نتوقع

الاخبار العاجلة