صراحة نيوز –
أظهر التقرير الربعي الاول للعام 2017 حول معدلات البطالة الذي تصدره دائرة الاحصاءات العامة ارتفاعا في معدل البطالة الى 18.2 %، اي بزيادة 3.6 نقطة مئوية عن الربع الاول من 2016. وحسب الارقام الرسمية، التي قد تكون موضع شك وسؤال لدى فئة واسعة من الخبراء، فإن معدلات البطالة لهذا العام هي الأسوأ منذ بدء رصد البطالة، أي الأسوأ في تاريخ الاقتصاد الوطني الأردني، فقد كان معدل البطالة في العام 1976 نحو 1.6 %، وارتفع بشكل صادم في العام 1989 إلى 10.3، واعلى معدل وصلت له البطالة قبل المعدل الاخير كان في العام 1993، حيث وصلت الى نحو 19 % بعد تفاقم عودة المغتربين من الخليج وتحديدا من الكويت على اثر ازمة وحرب الخليج وتداعياتها، وهي حالة خاصة، بينما حافظ معدل البطالة الرسمي على مدى نحو ربع قرن على نسب تتراوح ما بين 11 – 15 %.
وفي ضوء عدم وجود مؤشرات جديدة حول الفقر، فإن ارقام البطالة قد تقود الى فهم الانحدار نحو الفقر الذي تعيشه فئات عديدة من المجتمعات. واحدة من المشاكل الكبيرة في الاقتصاد الوطني الصراع الخفي بين اجندة الكفاءة الاقتصادية التي تنظر الى تحقيق اعلى عائد يتمثل في النمو الاقتصادي، بغض النظر عن ظروف هذا العائد وتوزيعه وعدالته، وبين منظور الفعالية اي تحقيق اهداف تنموية تُعنى بتطورات تراعي الظروف الاجتماعية وآلية تخصيص الموارد وتوزيع عوائدها.
على الرغم من الخطاب السياسي الاقتصادي الذي يتحدث باستمرار عن أولوية توزيع العوائد والميل نحو حلول اجتماعية اكثر عدلا، فثمة إدراك واعتراف رسمي بالفجوة التنموية وبالظروف الاقتصادية التي تعيشها المحافظات الأردنية، حيث تتضاعف ارقام الفقر والبطالة في نحو ست محافظات عن المعدلات الوطنية، فالضغوط المتوالية على المالية العامة للدولة وتراجع الرهان على المساعدات الخارجية جعل النخب الاقتصادية الرسمية في السنوات الاخيرة تركز على منظور الكفاءة على حساب الفعالية، اي نحن نريد معدلات نمو اقتصادي اعلى تزيد من حجم الناتج الاقتصادي الوطني حتى نقلل من حجم المديونية بالطول وبالعرض ولو حدث هذا النمو في حي واحد من احياء عمان فقط.
حسب التعداد السكاني الاخير (2015) كان أحد المؤشرات الصادمة التي لم تأخذ حقها من الاهتمام هو حجم التركز السكاني في العاصمة الذي اقترب من نصف سكان المملكة. لم تعد عشرات المدن الاردنية الصغيرة ومئات البلدات والقرى الممتدة على طول البلاد وعرضها مولدة للحياة في ابسط ملامحها؛ لا فرص ولا مستقبل ولا بنى تحتية حقيقية ولا طرق آمنة في الوصول اليها، ما يجعل الافق أكثر ضيقا، والخوف من المستقبل حالة عامة وسط الشباب الذي يجد نفسه بين مثلث الهجرة او المخدرات او الاحتجاج بالتطرف او العنف. لنأخذ على سبيل المثال قضاء الجفر، فقد حافظ على موقعه الدائم ضمن قائمة جيوب الفقر منذ عشرين عاما، وفي آخر الارقام وصلت نسبة الفقر الى 38 %. خلال السنوات الست الأخيرة شهدت هذه المنطقة عشرات الاحتجاجات الشعبية معظمها جاء على خلفية البطالة وسط الشباب، فمئات من الشباب الذي قد يكون بينهم العديد من المبدعين والابتكاريين لا فرص حقيقية لهم. ووفق دراسة حديثة لم تحقق الحكومات خلال الفترة 2011 – 2016 اقل من 10 % من الوعود التي قطعت للمجتمعات المحلية هناك. كان يمكن لهذه البلدة التاريخية القريبة من مصانع الفوسفات والصناعات الاخرى المرتبطة بها ان تكون بؤرة رائدة لاقتصاد انتاجي متقدم يقوم على تربية المواشي وانتاج الغذاء والصناعات المرتبطة بها. ونقطة لوجستية للنقل والتخزين للصناعات المحيطة بها.
الافكار الكبيرة التي وضعت لسد الفجوة التنموية جيدة في الاغلب ولكن غاب عنها الكفاءة في التنفيذ. راجعوا لماذا فشلت معظم المناطق التنموية والاقاليم في الشمال والجنوب.. ليس لأن الموارد محدودة وليس لأن الناس لا يريدون.
د . باسم الطويسي – الغد