لقد استعرضنا في الحلقتين السابقتين كلا من الأسلحة النووية والأسلحة الكيماوية والآن نستعرض الأسلحة البيولوجية استكمالا لموضوع أسلحة الدمار الشامل
لقد تم تعريف الحرب البيولوجية بأنها الإستخدام العسكري المتعمد للكائنات الحية أو سمومها لقتل الإنسان وإنزال الخسائر به أو بممتلكاته من ثروات زراعية وحيوانية . ويطلق البعض على هذا النوع من الحروب مصطلح الحرب البكتيرية أو الحرب الجرثومية. وهي أكثر أنواع الحروب قذارة وأكثرها همجية ولا إنسانية وتفتقر إلى أبسط القواعد والمبادىء الأخلاقية.
كما تجدر الإشارة إلى أن الأسلحة البيولوجية لم تستخدم في الحروب الحديثة استخداما حقيقيا لذلك يتعذر علينا معرفة مدى فعاليتها كسلاح من أسلحة الحرب بشكل دقيق. وإن ما يهمنا هنا أن البيولوجيا العسكرية تتعلق بتلك الأحياء والكائنات التي يمكن أن تؤذي الإنسان والحيوان والنبات وقد صنفت المجموعات التالية التي تبدو لها أهمية عسكرية ويحتمل أن يستخرج من بينها جراثيم وسموم تتوفر فيها الخصائص الملائمة للإستخدام العسكري كعوامل للحرب البيولوجية
أ : الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفيروسات والريكتسيا والفطريات والبروتوزا.
ب : السموم الجرثومية والحيوانية والنباتية
ج : ناقلات العدوى مثل الحيوانات المفصلية كالحشرات القمل والفطريات والقراد.
د : الحشرات والنباتات .
أما الخصائص العامة التي يجب توفرها في العوامل البيولوجية قابلية وبائية عالية القدرة وقدرة عجيبة في مقاومة الظروف الطبيعية كالحرارة وضؤ الشمس والجفاف وسرعة الإنتشار والقدرة على إنزال الخسائر العالية والتفشي السريع.
أما أهم العوامل البيولوجية التي يمكن استخدامها فهي الفطريات والطفيليات والركتسيا والفيروسات .
إن هدف العلماء في مصانع إنتاج السلاح البيولوجي يكمن في تطوير أنواع من الجراثيم “خلايا ذات قدرة تكاثرية يتم إنتاجها في ظروف غير طبيعية ” ولذلك فهي هجومية تستعمل كعنصر تكاثري سام من شأنها أن تؤدي خلال وقت قصير إلى إنتشار العدوى وإصابة الآلاف من بني البشر بالمرض والموت خلال أيام.
الأسلحة البيولوجية في إسرائيل:
هناك بعض المعلومات التي تدين إسرائيل قبل وبعد حرب 1948 والتي تؤكد قيام إسرائيل باستخدام الأسلحة البيولوجية لتفريغ الأراضي الفلسطينية من أصحابها إذ عمدت الى تسميم مياه الشرب بميكروبي التيفود والدوزنتاريا . كما قام بعض عملائها بنشر ميكروب الكوليرا في كل من مصر وسوريا خلال عام 1948 على نطاق واسع .
في عام 1948 شرعت وزارة الدفاع الإسرائيلية بالتخطيط لإقامة المعهد البيولوجي في ضاحية ” نس تسيونه ” جنوبي تل أبيب. بتأثير من ديفيد بن غوريون والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. وما لبث هذا المعهد أن احتل مكانة عالية . وفور الإنتهاء من بنائه تم انتقال المعهد البيولوجي من مسؤولية وزارة الدفاع الى مسؤولية مكتب رئيس الوزراء مباشرة وظل تابعا له حتى يومنا هذا.
ورغم مشاكل إسرائيل المالية في ذلك الوقت خصص بن غوريون الأموال اللازمة والعلماء ومن بينهم إبنته من أجل تطوير السلاح البيولوجي في أسرع وقت ممكن وكان الهدف المعلن أن هناك ضرورة قصوى لبناء المعهد ليساهم في تقليل إنتشار التلوث لوجود الجراثيم والفيروسات الحاملة لأمراض وأوبئة تلويثية خطيرة. ولقد أحيط ما يدور في المعهد بغلاف من السرية وظل قسم كبير من المعهد ومختبراته سريا ليس فقط من الجمهور العام وإنما أيضا من أعضاء الكنيست ومن أهم الوزراء في الحكومة الإسرائيلية.
ورغم قلة المصادر والمعلومات إلا أن بعضاً من المصادر الإستخبارية تشير إلى أن إسرائيل تضم في ترسانتها البيولوجية أشرس أنواع الأسلحة البيولوجية وعلى رأسها الفيروسات الممرضة للإنسان ومن أشهرها فيروس الجدري وبكتيريا الجمرة الخبيثة التي برز صيتها بعد استخدامها بعد أحداث 11/9/2001 وتعرض بعض المسؤولين الأمريكيين إلى الإصابة بها
وفي الجانب العربي فلقد أنتشرت الإشاعات من مصادر استخبارية غربية تشير إلى أن مصر تضم ترسانة متقدمة من الأسلحة البيولوجية حيث هدد الرئيس الراحل أنور السادات باستخدام السلاح البيولوجي في حرب أكتوبر. كما أشارت بعض التقارير الإستخبارية إلى أن العراق في زمن الرئيس صدام حسين كان يمتلك أسلحة بيولوجية ولديه مخزون استراتيجي منها.
في عام 1972 تم التوصل الى عقد إتفاقية أولية لحظر الأسلحة البيولوجية والتوكسينية.
ولقد صدرت بعدها العديد من التشريعات والقوانين الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة البيولوحية وتحرمها ففي عام 1899 صدر تصريح بروكسل واتفاقية لاهاي عام 1899 والتي تحظر استخدام المواد الخانقة والسامة والغازات والسوائل السامة في الحروب.
وإنني أرجو من الله تعالى في نهاية هذا البحث أن أكون قد وُفقت في إطلاع القارىء العربي على بعض الحقائق فيما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل وما وصلت اليه الترسانة العسكرية الإسرائيلية في هذا المجال.