صراحة نيوز – بقلم جميل النمري
بناء على طلب مباشر من جلالة الملك تراجعت الحكومة عن رفع الضريبة على الأدوية، وتراجعت الحكومة أيضا عن الضريبة على الذهب لصالح صيغة تم التوافق عليها مع نقابة الحلي والمجوهرات باستيفاء رسم على الختم يكون أعلى على المستورد لحماية الصناعة المحلية. وكما يقال التراجع عن الخطأ فضيلة، بل وشجاعة أيضا ويمكن للحكومة أن تتراجع عن الرفع بالنسبة لمعظم المواد الغذائية، وكان الملقي قد وعد أصلا بعدم الرفع في حديثه الشهير عن البلابيف. ونشير خصوصا الى أن الألبان ستتعرض لضربة قاصمة بفعل الرفع وخصوصا ازاء الصناعات المستوردة من مشتقات الحليب. وقد نشر اصحاب المصانع اعلانا يحتج بشدة على قرارات الحكومة.
نحن على ثقة ان دراسة محايدة حول الرفع الأخير لضريبة المبيعات ستصل الى نتيجة تؤكد الأثر السلبي لهذه القرارات على الاقتصاد وأكثر من ذلك الأثر المتواضع على ايرادات الخزينة، وحسب أغلب المحللين الاقتصاديين فإن موجة الرفع الأخير ستساهم في صنع ركود تضخمي؛ أي سيكون هناك ارتفاع عام لكلف المعيشة مع تراجع في الاستهلاك وبالنتيجة أثر انكماشي على النشاط الاقتصادي، وهو ما يعني ثبات او تراجع بإجمالي الواردات للخزينة، والتراجع نلمسه الآن ويمكن العودة الى أرباب اي قطاع لنسمع ذلك. وأنا سمعت من محاسبين قانونيين معتمدين لدى مؤسسات وتجار في غير قطاع يؤكدون هذا الركود في السوق.
نحن لا نركب موجة شعبوية في معارضة الرفع بل نتحدث بقناعات موضوعية تقول ان اساليب الحكومة تدور في حلقة مفرغة؛ فرفع الاسعار هو أقل الطرق فعالية وذكاء في مواجهة عجز الخزينة، وتلجأ الحكومات العاجزة عن قيادة عملية استثنائية تنهض بالطاقات وتستنفر الامكانيات وتواجه ترهل الادارات وتكافح الفساد والهدر والامتيازات. وشخصيا لم اعارض في اي وقت التحول من دعم الطحين الى دعم المستهلك لمنع الهدر والفساد وتوصيل الدعم الى مستحقيه لأننا نعرف ان نصف الدعم بالطريقة القديمة كان يفيد غير الشرائح المستهدفة بالدعم. وقد كتبت في مقال سابق بعد اقرار الموازنة ان المشكلة لن تكون في رفع الدعم عن الخبز ولا عن الأعلاف بل في رفع ضريبة المبيعات وقد تم رفعها على الأعلاف أيضا.
الناس مصدومون من موجة الرفع ويلجأون الى السخرية اللاذعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقضية لص البنك تمثل نموذجا للمزاج العام فقد سخروا منه وغضبوا لفشله الذريع وكانوا سيجعلون منه بطلا شعبيا لو نجح. إن احترام القانون يتراجع بقدر فقدان الثقة في الجهة المسؤولة عن تطبيقه أي الحكومة. والناس ترى أن العجز تفاقم والمديونية ارتفعت لمستويات شاهقة بينما الرواتب والأجور لم تتغير والخدمات لم تتحسن. وهكذا يفترض الجمهور ان مليارات المديونية ذهبت للنهب والفساد فقط، وقد نبهنا في مقال سابق أن الحكومة لا تستطيع ان تركن الى تمرير مجلس النواب للموازنة، وقد نال المجلس نصيبه من الغضب والسخط الشعبي؛ لكن الحكومة بعد ذلك ستكون مباشرة في مواجهة الناس وقد رأينا ان الرفع لن يمرّ بسلاسة والتعليقات الساخرة تقول للحكومة ان تشكر الطقس الذي انقذها اليوم الجمعة من احتجاجات الشارع.
بغض النظر عن الاحتجاج الشعبي فقناعتنا ان الحكومة لا تمشي بالاتجاه الصحيح ولا تضع الاقتصاد على طريق النهوض وحل الأزمة المالية المتمثلة بعجز الموازنة، وخدمة المديونية تحتاج الى اجراءات محفزة للنمو ورفع الانتاجية بالتزامن مع تقليص الامتيازات والإنفاق “غير المشروع” بصورة حازمة.
الغد