تعريب قيادة الجيش..محطة مفصلية في مسيرة الأردن

1 مارس 2022
تعريب قيادة الجيش..محطة مفصلية في مسيرة الأردن

صراحة نيوز – راكمت القيادة الهاشمية انجازا نوعيا في مطلع آذار 1956 بتعريبها قيادة الجيش العربي، الذي ارادته درعا للأمة والوطن في وجه التحديات الاقليمية والدولية على حد سواء.

واعتُبِرتْ خطوةُ تعريب قيادة الجيش، على نطاق واسع، فعلا قوميا عزّز من ثقة الأردن بنفسه، حيال مؤسسة وطنية تصهر الأردنيين جميعا وتعبر عن طموحاتهم في وطن قوي وآمن في اقليم لم يعرف الاستقرار على مدى عقود.

ورأى محللون في الشأن السياسي والعسكري، في الذكرى السادسة والستين لقرار تعريب قيادة الجيش العربي، محطة مفصلية في حياة المملكة الأردنية الهاشمية السياسية والعسكرية، فقد كان جلالة المغفور له باذن الله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، في ريعان شبابه عندما اتخذ قراره التاريخي في زمن التكتلات الدولية والحروب، وسلب قرارات القادة العسكريين من أبناء الجيش العربي الذين كانوا صفوة الصفوة من شتى أطياف المجتمع الأردني.

ولفتوا الى ان الملك الشاب الذي تولى سلطاته الدستورية في العام 1953، أدرك أن الجيش هو أساس الدولة، وسرُّ قوتها ومنعتها، ففي الأول من آذار عام 1956 اتخذ جلالة المغفور له باذن الله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، قراره بتعريب قيادة الجيش وإعفاء الجنرال كلوب من منصبه بالإضافة إلى إعفاء الضباط الانجليز كافة من مهامهم التي منحت لهم في اتفاقية عام 1946.

وفي هذا السياق، عرض مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي على موقعه الالكتروني بمناسبة ذكرى تعريب قيادة الجيش العربي، خبرًا نُشر في افتتاحية العدد 54 من جريدة “شيكاغو تريبيون”، الأميركية بتاريخ الثالث من آذار عام 1956، وعرضت فيه ما تناولته وسائل الإعلام الغربية بشأن تعريب قيادة الجيش العربي، ومغادرة كلوب باشا الأردن بعد إنهاء خدماته من قيادة الجيش العربي، متضمنا الخبر الحالة التي استقبل فيها الأردنيون القرار برفع الأعلام والهتاف والترحيب.

واستذكر العقيد الركن المتقاعد الدكتور عامر العورتاني، المنعطفات الهامّة للأردن على الصعيدين السياسي والعسكري، عندما أقدم جلالة المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال طيّب الله ثراه؛ على اتخاذ قراره التاريخيّ بتعريب قيادة الجيش العربي الأردني.

العورتاني وهو اختصاصي علم الاجتماع، بين لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أنه على الصعيد السياسي، كانت العديد من المتغيرات قد ألقت بظلالها على الوضع العامّ في البلاد، والتي ابتدأت بتعديل القانون الأساسي الصادر عام 1928، ودستور 1947 بناء على المتغيرات المرتبطة باستقلال الأردن 1946، وتوحيد الضفتين بعد مؤتمر أريحا 1950، وما تبعه من استشهاد جلالة المغفور له، الملك المؤسس عبد الله الأول ابن الحسين، طيب الله ثراه، عام 1951، ووضع دستور جديد للبلاد عام 1952 خلال فترة حكم جلالة المغفور له بإذن الله، الملك طلال بن عبد الله، طيب الله ثراه، ومن ثمّ المناداة بالأمير الحسين بن طلال ملكاً للبلاد.

أما على الصعيد العسكري، فأشار العورتاني، إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي كان عنوان المرحلة بعد حرب 1948، وانسحاب القوات البريطانية من فلسطين، تلك الحرب التي خاض خلالها الجيش العربي / القوات المسلحة الاردنية العديد من المعارك على أسوار القدس ومشارفها وفي مختلف مناطق الضفة الغربية، رغم نقص الذخيرة والعتاد، فقد كان الجيش العربي يمرّ خلال هذه الأحداث بمراحل من التحديث والتطوير، حيث تمّ إنشاء عدد من الكتائب الجديدة، والسرايا المستقلة، والألوية العسكرية في بداية الأربعينيات.

وأوضح أن الأردن اضطر لاجتياز هذه المنعطفات الحادّة وهو مرتبط مع بريطانيا بموجب معاهدة عام 1946، والتي نصت على منح المناصب العليا في إدارة قوات الجيش الأردني إلى الضباط الإنجليز، فقد كان رأس الهرم القيادي في الجيش العربي الجنرال جون باجوت (كلوب باشا) رئيساً لأركان الجيش منذ العام 1939، إضافة إلى الضباط الإنجليز الذين شغلوا مراكز قيادية في مختلف وحدات الميدان وبعض الأجهزة.

وأضاف، ان الضابط البريطاني جون كلوب، كان واسع النفوذ آنذاك بحكم موقعه في قيادة الجيش، الأمر الذي عزّز هيمنة بريطانيا على الشؤون العسكرية، وهو ما خلق محوراً للخلاف بين جلالة المغفور له بإذن الله،الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، القائد الأعلى للجيش والقيادة العسكرية البريطانية؛ فقد كان جلالته يتطلع نحو تمكين الضباط الأردنيين من خلال التدريب والتأهيل، وبالتالي ترفيعهم إلى المناصب العليا في الجيش، وتولي قيادته وفقاً لخطة زمنية منطقية، وهو ما نصت عليه معاهدة 1946، إلّا أن القيادات الإنجليزية كانت تحول فعلياً دون ذلك من خلال التخطيط لمنح الضباط الأردنيين المزيد من الامتيازات على مدى ثلاثة عقود على أقلّ تقدير، فضلا عن حصر تلك الامتيازات في بعض فئات الجيش كسلاح الهندسة الملكي، بحسب العورتاني.

وبين أنه لم يكن دور الضباط الأردنيين مثار الخلاف الوحيد بين جلالة المغفور له بإذن الله، الملك الحسين، طيب الله ثراه، والقيادة البريطانية، حيث كانت الاستراتيجية الدفاعية للقوات المسلحة الهاجس الأهم لجلالته رحمه الله في ظلّ نشوء اسرائيل وهو ما أوضحه جلالته في كتابه ” مهنتي كملك”: ” كنت أرى أن علينا في حال نشوب حرب أن نؤمن دفاعنا عن طول الحدود الإسرائيلية الأردنية، وأن نصمد مهما كلف الأمر حتى الموت، لقد كنت من أنصار الرد الفوري، وعبثاً أبنت وشرحت كل ذلك لكلوب، فقد كان الجنرال يواصل النصح بمراعاة جانب الحكمة والحذر، وكان يحبّذ تراجع قواتنا إلى الضفة الشرقية في حال قيام هجوم إسرائيلي، وهذا يعني احتلالاً اسرائيلياً”.

وأضاف العورتاني: كان جلالة المغفور له بإذن الله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، يدرك أنّ استمرار القيادة البريطانية على نهجها في إدارة القوات الأردنية يعتبر حجر عثرة أمام استكمال الاستقلال التامّ، بلّ ويشكل خطراً حقيقياً على مستقبل البلاد، لذا فقد مارس مسؤولياته في تعزيز ثقة الضباط الأردنيين بأنفسهم، وترسيخ روح الكرامة في قناعاتهم، وإذكاء روح القومية في فكرهم للقيام بدورهم اتجاه الوطن العربي الكبير، وما أن أطلّ صباح الأول من آذار عام 1956 حتى وقّع جلالته على مرسوم ملكي بإنهاء خدمات كلوب باشا، شاملاً رئيس أركانه العقيد دبليو. إم هاتون، ومدير المخابرات العامة الكولونيل السير باتريك كوجيل، وثمانية من الضباط الآخرين، كما تمّ تغيير اسم الفيلق العربي إلى ” الجيش العربي الأردني ” وترقية اللواء راضي عنّاب ليصبح أول قائد أردني للجيش العربي.

وقال انه لم يكن وقع القرار اعتياديّاً، فقد تلقى الشعب الأردني الخبر بفرحة غامرة وقد طال انتظارهم لهذه الخطوة التي توّجت الاستقلال الحقيقي للدولة إثر التخلص من آخر محطات الاستعمار، واستقلال إرادته العسكرية دون إملاءات أجنبية، بعد زوال المعيقات التي كانت تحول دون تطوره، وفقا للعورتاني.

ولفت إلى أنّ قرار تعريب قيادة الجيش العربي الأردني كان انتصاراً للكرامة العربية، فلم تكد صحيفة عربية تخلُ من مقال يُشيد بالقرار الجريء الذي اتخذه المليك ذو الحادية والعشرين عاماً، حيث عنونت جريدة الجمهورية المصرية مقالها عن القرار بعبارة الرئيس جمال عبد الناصر عند تلقيه الخبر حيث قال ” سلمت يداك يا حسين “، كما اعتبرت جريدة الفيحاء السورية قرار الحسين بأنه ” أروع تعبير عن الوعي العربي الأصيل الذي يرى العزة في شق طريق التحرر والكرامة في القضاء على السيطرة التي تأتي من الخارج “، وربما كان أكثر ما وصف حقيقة الأثر الذي صنعه قرار تعريب قيادة الجيش الأردني ما جاء على لسان أحد الصحفيين في “لوموند الباريسية”، حيث قال: ” أنّ عزل الفريق كلوب باشا من رئاسة أركان حرب الجيش الأردني ، يدلّ على انهيار آخر أعمدة الحكم البريطانية في الشرق الأوسط، و أنّ الأحداث التي تجري في عمّان تجبر البريطانيين على الاعتراف بأنّ أحد فصول التاريخ قد انتهى”.

وأكد العورتاني أن جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني، حفظه الله، يواصل نهج والده المغفور له بإذن الله، الملك الحسين، طيب الله ثراه، فمنذ اللحظات الأولى لتسلم جلالته السلطات الدستورية، وهو يولي القوات المسلحة الأردنية-الجيش العربي جُلّ اهتمامه ورعايته، فهو رفيق السلاح، وهو يعرف واقعها ومتطلبات مواكبتها للعصر في واقعه وتحدياته ومتغيراته المتسارعة، حيث شهدت في عهده مراحل تطوير وتحديث واسعة، شملت مختلف التشكيلات العسكرية، حيث تمت إعادة هيكلة بعض الوحدات، لتمكينها من تنفيذ واجباتها على أكمل وجه بكلّ كفاءة واقتدار.

العميد المتقاعد والمتخصص في علم الاجتماع الدكتور مـطلق عـواد الزيود، بيّن أن من الأسباب التي دفعت جلالة المغفور له باذن الله، الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، إلى اتخاذ هذا القرار، هو اختلاف جلالته كقائد أعلى للجيش العربي مع الجنرال كلوب في مسألتين هما، دور الضباط العرب في الجيش العربي الأردني، وفي الاستراتيجية الدفاعية للقوات المسلحة.

واوضح ان الملك الراحل كان يرغب في ترفيع الضباط الأردنيين إلى المناصب العليا في الجيش لتعزيز ثقة الضباط الأردنيين بأنفسهم وفي ترسيخ روح الكرامة والكبرياء المتعلق بمستقبل الأردن، وبدوره إزاء الوطن العربي الكبير، حيث كان الجنرال كلوب يقف عائقاً أمام تحقيق ذلك، بحسب الزيود.

من جهته، قال المحلل السياسي الدكتور هايل ودعان الدعجة، إن قرار تعريب قيادة الجيش يمثل خطوة ملكية جريئة وشجاعة انطوت على معاني سيادية وتحررية من التبعية والاستعمار، شكلت نقطة تحول وعلامة فارقة في تاريخ الجيش الاردني، وقد وقف العالم كله مندهشا ومنبهرا حيالها، إن لجهة التوقيت أو الظروف الصعبة التي عاشها الاردن في حينه في ظل وجود سلطة استعمارية تحكم سيطرتها على الكثير من مفاصل الدولة المدنية والعسكرية.

وأوضح أن هذه الصيحة التحررية الهاشمية تأتي من لدن الملك الشاب وقد تسلح بالإرادة والعزيمة عبر اصراره على انهاء مظاهر التبعية العسكرية في البلاد، واتخاذ هذه الخطوة الوطنية التاريخية التي منحت قواتنا المسلحة هويتها الاردنية العروبية القومية، تجسيدا لرسالة الثورة العربية الكبرى في الوحدة والحرية والاستقلال .. لتبدأ معها حكاية المؤسسية العسكرية الاردنية التي حفلت مسيرتها بالإنجازات والنجاحات والبطولات والتضحيات وهي تدخل ساحات المجد والبطولة والشرف من اوسع الابواب لتسير بخطى واثقة جعلت منها جيشاً منظماً محترفاً منضبطاً يحسب حسابه، وقد بلغ مصاف الجيوش المتقدمة إعداداً وتسليحاً وتدريبا ليتناسب ذلك مع طبيعة المهام ومواجهة التحديات، وسط محيط مضطرب يتطلب التعاطي معه التحلي بأعلى درجات الجهوزية والحرفية والاستعداد.

وبين ان القوات المسلحة الاردنية شهدت في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني إعادة هيكلة ومراجعة شاملة بهدف الارتقاء بمستوى ادائها واعدادها لمواجهة كافة الظروف والاحتمالات والتحديات والتهديدات والمتغيرات المحيطة، لتكون متطورة وتمثل جيشيا عصرياً ومواكبا للتطورات والمستجدات في مجال العلوم العسكرية وفنون القتال والتدريب والتأهيل، وتعزيز قدرات الجيش العربي في مجالات التصنيع والتطوير والتحديث للوصول إلى معاني الاحتراف والجهوزية وبما بتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتقه، حتى غدت قواتنا المسلحة نموذجاً يُحتذى في التضحية والإقدام والشجاعة والبذل والعطاء، لتكون عند حسن ظن قائد الوطن بأن يبقى الأردن سداً منيعاً في وجه كل من تسوّل له نفسه الاقتراب من حدوده، بحسب الدعجة.

واشار الدعجة الى ان القوات المسلحة الاردنية تميزت على الدوام، بالانضباط والمشاركة بالخطط التنموية وبناء الوطن ورفد مسيرته بالمنجزات والمكتسبات الوطنية، ومساهمتها في استتباب الامن والاستقرار في الكثير من دول العالم التي شهدت نزاعات وحروب من خلال قوات حفظ السلام ، لتحظى باحترام الاسرة الدولية وتقديرها وثقتها واعجابها على دورها الانساني والاخلاقي الذي يتماهى ورسالتها السامية والنبيلة في ان يعم الامن والسلام والمحبة والخير في شتى انحاء العالم.

بترا 

الاخبار العاجلة