صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
كتبت مقالا قصيرا حول ثقافة الاستقالة، من خلال صفحتي على الفيس بوك، إثر تدهور حافلة تقل عددا من السياح الهنود على طريق صياغة ( جبل نبو )، أدى لوفاة أحد السياح وإصابة 17 آخرين بجراح بين متوسطة وخطيرة. وتساءلت في حينها إن كان هذا الحادث سيدفع وزراء السياحة والنقل والأشغال العامة إلى تقديم استقالتهم، ولو من باب المسؤولية الأدبية كما يحدث في المجتمعات المتقدمة ؟ ولكن مع الأسف لم يحدث شيء من ذلك.
وبتاريخ 25 / 10 / 2018 وقعت كارثة البحر الميت، التي أودت بحياة معلمتين و19 طالبا، توقعت أن يقوم المسؤولون عن هذا الموضوع، تقديم استقالاتهم بمجرد انكشاف حجم الكارثة، ولكن هذا أيضا لم يحدث. إلاّ أن رئيس الوزراء ضحى بوزيرين تحت ضغط الرأي العام المحلي حماية لحكومته.
وبتاريخ 9 / 11 / 2018 وقعت كارثة سد الواله ومدينة البتراء، نتج عنها استشهاد 12 شخصا أحدهم من كوادر الدفاع المدني، ولم نشاهد أحدا يعترف بتحمل المسؤولية، ويقدم استقالته إكراما لأرواح الشهداء، رحمهم الله جميعا.
وبتاريخ 14 / 11 / 2018 توفي شاب وطفلة، إثر سقوطهما داخل منهل في منطقة خريبة السوق، فضاعت المسؤولية بين أمانة عمان ووزارة المياه ووزارة الأشغال العامة، وراح كل منهم يبرئ نفسه من المسؤولية، ولم يقدم أحد من المسؤولين استقالته استجابة لنداء الضمير إن وجد.
والاستقالة في المجتمعات المتقدمة تحدث عادة، عندما يخفق المسؤول في القيام بواجباته اعترافا منه بالتقصير، لأن المنصب يرتبط بمفهوم المسؤولية. وهذا المفهوم هو ركن أساسي في الثقافة الإسلامية والعربية، كما يؤكده قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ” لو تعثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها : لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر ؟ “. وهذا يبين بصورة جلية أن المسؤولية أمانة في عنق حاملها إلى يوم الدين.
من الملاحظ أن كلمة ” الاستقالة ” مغيبة لدى المسؤولين في مجتمعاتنا العربية، على النقيض مما يحدث في المجتمعات الغربية، إذ تجد المسؤولين في مجتمعاتنا يتشبثون في المناصب لآخر رمق، ويماطلون ويتهربون من فشلهم باختلاق الأعذار وإلقاء المسؤولية على غيرهم، رغم ضعف أدائهم في إدارة وزاراتهم ورعاية مصالح مواطنيهم. وهذا ما يقود مجتمعاتنا العربية إلى الوقوع في أزمات متلاحقة، تعرقل العمل وتؤدي إلى التخلف في مواكبة تطورات العصر.
لا شك بأن منصب الوزير هو مرتبة وظيفية عليا، تمنح صاحبها مكانة مرموقة في المجتمع، ولهذا يسعى كثير من الناس للحصول عليه. وعندما يتحقق لطالبه فإنه يتشبث به لأطول مدة ممكنة، ولا يبعده عنه إلا تغييرات عليا يجريها رأس الدولة على الحكومة، أو نتيجة لتقاعد من الوظيفة أو حالة وفاة. وفي تاريخ الأردن لم تحدث استقالات من المناصب الوزارية، سوى لعدد محدود من الوزراء لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة حسب علمي.
والاستقالة في الدول الديمقراطية المتقدمة، هي تطور إيجابي في المجتمع تعبر عن ثقافة تحمّل المسؤولية، احتراما للنفس وللآخرين وتعظيما لأدبيات العمل. وهذا ما يشكل فارقا ملحوظا بين المجتمعات المتقدمة التي تحترم تلك الثقافة، وبين المجتمعات المتخلفة التي تعتبر الاستقالة نوعا من الهروب والانهزامية، وتقابل دعاتها بالاستهزاء والاستنكار. ولهذا يجب أن نربي أبناءنا وبناتنا في المدارس والجامعات على تعلم هذه الثقافة، وممارستها في وظائفهم العامة والخاصة عند إشغالها مستقبلا.
الاستقالة قد لا تكون نتيجة فشل في أداء العمل، بل قد تكون لأسباب شخصية أو عائلية. فمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا استقال من الحكم عام 2003 وهو في أوج نجاحه، بعد أن أشغل المنصب لمدة 22 عاما، رغم مطالبة الشعب الماليزي باستمراره في المنصب. ولكنه عاد إلى المنصب في أواسط عام 2018 عندما انزلقت مسيرة البلاد إلى الفساد، لكي يعيدها إلى طريقها لقويم.
أما رئيس وزراء نيوزيلندا ” جون كي ” فقد قدم استقالته عام 2016 لأسباب عائلية، بعد أن أشغل المنصب لمدة 8 سنوات، وكان يتمتع خلالها بشعبية واسعة في بلاده. وقال في كلمته التي أعلن فيه استقالته خلال مؤتمر صحفي ما يلي : ” إن القادة الجيدين يعرفون متى يجب عليهم الرحيل، وقد حان الوقت بالنسبة لي للقيام بذلك “. وهناك أمثلة كثيرة جرت في مجتمعات العالم المتقدم لا يتسع المجال لذكرها.
وتأسيسا على ذلك أتساءل : ألم يحن الوقت لكي يرحل وزراؤنا من تلقاء أنفسهم بعد أن فشلوا في إدارة الدولة ؟ أم أن رحيلهم مرتبط بقرار من رأس الدولة، ليجبرهم على مغادرة كراسيهم غير مأسوف عليهم ؟
التاريخ : 18 / 11 / 2018