صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
جِيل ُالإستقلال ، جِيلُ النِضال ، جِيلُ التضحية ، والفداء ، والعطاء ، جِيلٌ حتى نِساؤه رِجال ، في التضحية والنضال ، في سبيل تحرير الاوطان ، والرجال أبطال ، أشاوس ، تَحلو لهم التضحية والفداء ، نذروا أنفسهم رخيصة فداء الأوطان . في ذلك الزمان ، كان الوطن العربي ، ليس كما الاوطان ، ليس كما هو الآن . كانوا مناضلون أشداء ، عازفون عن الحياة ، إفتدوا اوطانهم وحرروها من الاستعمار . وما ان بزغ فجر النهار ، نهار الاستقلال ، واندحر الاستعمار ، وقبل ان تكتمل فرحتهم وابتهاجهم بانزياح الكوابيس ، أفاقوا على استعمار يتمثل في أنظمة تعشق الإنقياد ، واستعباد العباد .
يوم الجمعة ٢٠٢٠/١١/٦ ، أغمضت عيناها ، واطبقت جفناها ، ونُسيت سيرتها ، ولن يُحتفى بمسيرتها ، وفارقت الحياة ، وانتقلت الى جوار الباري العظيم ، بهدوء ، وسكينة ، وبلا صخب ، ولا ضجيج ، ولا تمويه ، ولا دوريات مراقبة ، ولا مجموعات استطلاع ، ولا مهمات رصد للاعداء ، ولا عمليات كر وفر للنيل من المحتل الفرنسي المتجبر ، انها المناضلة الرمز على مرّ العصور / جميلة بوحيرد ، مدرسة في النضال ، والعطاء ، رَحلت دون ان يلتفت الى الخبر أحد ، ولا ان يذرف عربي دمعة على رمز حقبة نضال وعطاء لوطننا العربي الأبي ، الذي إستُبيح ، وأُذل . الغريب انه لم يكرِّمها أي نظام عربي ، ولَم يُحتفَ بها ، ولَم تتم دعوتها ولو لندوة ليتشرف بها الحضور ، ويَشْتمُّوا عَبق النِضال الحقيقي . لم يتم تكريمها ، لم يتم تقليدها وساماً ، عاشت في الظل ، بعد هزيمة المحتل . وها هي ترحل ، وتودع الدنيا الى صمت القبور .
ناضلت بشجاعة وبسالة ، وغادرت بصمت ، كما كل الابطال المناضلين الشرفاء الذين لا يَسْعون للشُهرة ويميلون للحياة البسيطة ومعهم حق في اختيار هذا النهج لأن من يَخرُج من جِلده وأنانيته ويُضحي من اجل وطنه يشعر بان كل شيء صغير ورخيص ، لا بل تافه ، مقارنة بالتضحية والعطاء الغالي للوطن الاغلى .
يَأخذ عليها البعض انها تزوجت من رجلٍ فرنسي ،
وانا ارى ان زواجها لا يضيرها ، لان غالبية الشعب الفرنسي كان ، وما زال ضد الاستعمار . وهل تتوقعون من مناضلة بحجم جميلة بوحيرد ان تتزوج من عدو للجزائر او غير مؤيد لنضاله وإستقلاله !؟ وللذين لا يعلمون : – تزوجت جميلة من / جاك فيرجيس ، محامي ، وكاتب ، وناشط سياسي فرنسي ، كان مؤيداً للثورة الجزائرية ، سُجن ، وسُحبت منه شهادة المحاماة ، وكانوا يسمونه / محامي الرُعب ، وسَفاح المُرافعات عن الثوار الجزائريين ، كان يردد النشيد الوطني الجزائري في قاعات المحاكم ، كانوا يسمونه محامي الثوار الجزائريين ، انقذها من حكم بالاعدام ، وأحبها ، فأسلم وتزوجها ، ولم يَدُم زوجهما سوى ثلاث سنوات .
وللعلم والمقارنة أود ان أُذكِر بان النائب البريطاني / جورج غالاوي ، زوجته فلسطينية ، وهو من أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية ، مع ان بريطانيا وطنه هي من أصدر وعد بلفور المشؤوم ، الذي وهب فلسطين للصهاينة . وقد التقيته شخصياً عام ٢٠٠٧ عندما حضر افتتاح المقر الانتخابي لصديقي المرحوم / فواز زريقات ، أُقسم لكم انني لم استطع مجاراته في دفاعه عن فلسطين . متى نخرج من قمقم إستمراء التشكيك ، والطعن ، والتشويه !؟ متى نتعود دوماً ان يكون تفكيرنا إيجابي ، ونظرتنا وردية ، غير اتهامية !؟ متى نتعلم ان الشعوب بعامتها دوماً لا تحبذ سياسات اوطانها الاستعمارية والقمعية !؟
جميلة بوحيرد ، ستبقين جميلة العطاء في نظر كل عربي حرّ ، لم يستكن ، ولم يخضع ، ولم يخنع ، ويرفض الذل والهوان ، والاستعباد والانقياد . ستبقين أيقونة النضال ، وملهمة الأجيال للاستقلال من المستعمرين ، ورمزاً لتحرير الاوطان ، وتحرر الانسان . جميلة ؟ يا سيدة الجميلات في العطاء للاوطان ، لم تُشغلكِ المساحيق ، ولا التسريحات في الصالونات ، ولا إطالة الأظافر وخوفك عليها من ان تنكسر ، للافراط في طولها البشع ، أظافركِ كانت بنادق ، وأناملكِ قنابل . بشجاعتكِ وبسالة مناضلي الجزائر حررتم بلدكم ، لكن مع كل الأسف حصل في كل الوطن العربي ان خرج المحتل من الشباك مذموماً مدحوراً مهزوماً مطأطأ الرأس ، ودخل من الباب رافع الرأس ، والانظمة تطأطأ له الجباه ، عاد الاستعمار بثوب ، وزي وديع مسالم ، فقد غيّر جِلده ونهجه ، ودعوناه صاغرين .
ايتها العربية الحرة جميلة العطاء ، جميلة بوحيرد ، لقد اعطيتِ واجزلتِ العطاء ، وعشتِ حياة الشقاء بدل الهناء . بعد ان ناضلتي ، وجُرحتي اكثر من مرة ، وأُصبتي بعدة رصاصات ، وعُذبتي ، وسُجنتي ، وحُكم عليكِ بالاعدام ، وكنتِ المطلوب رقم ( ١ ) للمستعمر الفرنسي . نامي وقرّي عيناً ، لان الجينات العربية مازالت تحمل جين رفض الخضوع ، والخنوع ، وتعشق نسيم الحرية ، مهما شابها من افعالٍ رديئة من البعض ، وسَتلِد العربيات لانهن لسن عاقرات ، سَيلِدنَ الف جميلة وجميلة مناضلة حرّه ، وسيتكرر تحرير الاوطان وتحرر الانسان . ما يعزينا ان الكثيرات إقتدينَ بكِ وبمسيرتكِ ، ونهجكِ ، أمثال : المناضلة الاردنية المرحومه / تيريز هلسه ، والمناضلات الفلسطينيات / دلال المغربي ، و شادية ابو غزاله ، و زكية شموط ، وليلى خالد .. وغيرهن الكثير .
جميلة ، لو كُنتِ راقصة ، او ممثلة ، او مطربة – مع احترامي لكل المِهن – لتناقَلت وسائل الاعلام وتسابقت ، لإعلامنا عن ( اللوك ) الجديد ، والزواج العشرين ، ولحفظنا عيد ميلادكِ ، ولتعرفنا على اولادكِ ، ولعددنا انواع والوان وتصميمات فستانكِ ، ولتابعنا تغريداتكِ ، ولتفاخرنا اننا من أصدقاؤكِ ، ولعرفنا انكِ لا تطبخين ، ولا تنفخين الا بالبوتكس . لماذا نهتم بكِ !؟ انت مجرد مناضلة ، حررتِ وطن ، وخلصته من مستعمر لعين !؟
إهدأي ، يا جميلة النضال والعطاء ، وقرّي عيناً ، العقود بحياة الشعوب ثوانٍ . وفي زمن ما ، ويومٍ ما ، وفي قادم الأيام والعصور ، ستقتدي بكِ جميلة عربية ، ممن يسري في عروقهن دم العروبة ، وسيسطرن بطولات ان لم تتساوى وتتشابه مع ما سطرتِ او ربما تزيد . في جينات العروبة عزائم تفِل الحديد ، ولنا في ابطال فلسطين في الداخل نماذج وأساطير ، أليس النمر البطل الشهيد / عمر ابو ليلى أيقونة فلسطينية ، كما انتِ ايقونة جزائرية ، وبينكما وتوحِدكما جينات العروبة !؟ هذا تهديد ووعيد من كل عربي صنديد ، وليس من اي عربي جبان رعديد .
نَامِي ، لا نَامَتْ أعيُنُ الجُبناء . كُنتِ مَثلاً في الإصرار ، كما البطل المغوار ، أبيتِ الفرار ، او الإندحار أمام عَدوٍ غَدَّارْ ، والى جنان الخُلد باذن الواحد القهَّار .