صراحة نيوز – بقلم م. عبدالرحمن “محمدوليد” بدران
لو كنت في إحدى المعارك وباغتك الأعداء بضربة على وجهك وتكسير أسنانك حتى نزف الدم من كل مكان فيه ماذا كنت لتفعل معهم بعدها، ألن يكون أقل شئ تفعله هو الابتهال بكل أنواع الدعاء عليهم بكل ما أوتيت من قوة لعلك تطفئ شيئاً من جذوة الانتقام منهم.
هذا تماماً ما جرى مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، يوم كان يبلغ من العمر 56 عاماً قائداً لجيش المسلمين ليتعرض لكل ذلك وأكثر حتى شاع بين المسلمين أنه قتل في المعركة.
وبالرغم من كل ذلك بقي عدد من أصحابه يدافعون عنه ويفدونه بأرواحهم حتى إستطاعوا نزع حديد خوذته من وجهه وإيقاف نزيف الدم بصعوبة بالغة، ليقوم بعد أن استجمع قواه عليه الصلاة والسلام رافعاً يديه حتى ظن صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه داعياً على قومه من الأعداء لا محالة، إلا أنه عليه الصلاة والسلام رفع صوته مع يديه إلى السماء مردداً: اللهم إهد قومي فانهم لا يعلمون !
بعد كل هذا تدعو لهم بالهداية يا رسول الله، أي رحمة وأي قلب محب للخير تحمل بين جنبيك يا نبي الرحمة، ولكن لا عجب ممن قال فيه الله عزوجل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} سورة الأنبياء الآية 107.
وهذا هو خلق كل الأنبياء والمرسلين الذين أرسلهم الله عز وجل بداية من آدم عليه السلام وإنتهاء بمحمد عليه أفضل الصلام وأتم التسليم، فلنتأمل قول إبراهيم عليه السلام لوالده آزر الذي كان يعبد الأصنام عندما رفض دعوته: {إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شئ} الآية 4 من سورة الممتحنة، ليس سأقتلك أو سأدعو عليك، بل سأستغفر لك وأطلب لك الصفح والمغفرة من الله الذي لا أملك لك عنده شئ، فالأمر بيده هو وحده عزوجل.
ومع كل ذلك مازال البعض يترددون مع بداية كل عام ميلادي أو مرور أي مناسبة أو عيد لغير المسلمين حتى ممن يعيشون بيننا ويشاركوننا رغيف الخبر منذ سنوات في إرسال كلمة طيبة لهم للتهنئة بمناسباتهم وأعيادهم، بل إن البعض يجهز نفسه قبل كل عيد ومناسبة لغير المسلمين لينطلق بالتكفير والاخراج من الملة لكل من يقوم بتهنئتهم ولو بكلمة واحدة !
ويتناسى هؤلاء مفعول الكلمة الطيبة التي وصفها الله عز وجل كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، والتي لم يمنعنا الله من إستخدامها مع البشر كافة كما في الآية 83 من سورة البقرة {وقولوا للناس حسناً}، لكل الناس لأن الكلمة الطيبة والتهنئة الجميلة هي من باب الاحترام وحسن التعامل والقبول للثقافات المختلفة التي خلقها الله عزوجل وجعلها أساساً لوجود هذا الكون ومن فيه، ولا تعني بأنك إعتنقت ديانة من قمت بتهنئته أو حتى أنك تنوي تغيير معتقدك.
وكم كان موقفاً جميلاً قبل أيام عندما قام حكم إنجليزي “غير مسلم” بايقاف اللعب في إحدى مباريات كرة القدم في المملكة العربية السعودية خلال دقائق رفع أذان صلاة المغرب إحتراماً لثقافة البلد التي يعمل بها.
فالكلمة الطيبة التي تخرج منك هي عربون جمال أخلاق وتربية، وكفيلة بجعلك مثالاً طيباً لغيرك ممن ستجبرهم فطرتهم السوية مع الوقت لمبادلتك الخلق الجميل بمثله، فلننشر قيم التسامح والمحبة فيما بيننا لعلنا ننجح في إعادة الكثير من المعاني الانسانية التي إفتقدناها فيما بيننا للأسف والتي أقلها أن نخرج من هذه الدنيا بوجه وقلب باسم لمن حوله، لنحفظ لنا فرحتنا بأعيادنا في الوقت الذي نحفظ فيه لغيرنا فرحتهم بأعيادهم ومناسباتهم الجميلة.
وهمسة في أذن حكومتنا في الأردن أن تتذكر في كل مرة ترفع فيها الأسعار أن في رقبتها الكثيرين ممن أصبحوا لا يجدون قوت يومهم في بلادنا فكفى جيب المواطن خنقاً وتسلطاً، وأن ما نسمع عنه من جرائم سطو مسلح هنا أو سرقة هناك كفيل بضرب أكثر ما نعمل جاهدين ليل نهار على المحافظة عليه وتعزيزه، وهو سمعة بلادنا وصورتها كبلد للتسامح والمحبة والسلام والتي لا نريدها إلا أن تبقى جميلة ناصعة بهذه المعاني في أذهاننا وأذهان غيرنا.
جعل الله هذا العام الهجري والعام الميلادي عام خير وبركة وأمن وأمان على كل من أحب الخير لغيره من البشر مسلم ومسيحي ويهودي أو من أي ديانة أو معتقد كان.