صراحة نيوز – كتب الدكتور إيليا الربضي
مُجرياتُ لقاؤنا في دائرة السياسات العامّة في الديوان الملكيّ العشرون من يناير لعام ألفين وإثنان وعشرون, يومٌ باردٌ في تفاصيلة كما هو الجوّ, كيف لا وينتظرنا بعد ساعات لقاءٌ في الديوان الملكي العامر بعناية مدير دائرة السياسات العامة تحت عنوان: "رؤية الشباب الأردني لمخرجات اللجنة الملكيّة لتحديث المنظومة السياسيّة. بدأتُ فيه بروتيني اليوميّ .. كوبٌ من القهوة العربيّة وأغنيةُ لسيدة الصباح –إلا أنَّ لِوقع أغنية هذا اليوم صَدًا خاصًا- وكأن فيروز كانت تحاكي بكلماتها مُرفقَاتي ومُستنداتي وهي تقول: "تاري في محاكم في محكوم وحاكم, شو كان بدي بهالتعتير, وبخاف من الحبس كتير أه يا مختار المخاتير". إنطلقت متجهًا للديوان وكلمات فيروز ما زالت تدور في جنبات العقل إلى أن وصلت مدخل بيت الأردنييّن, الذي يتضح فيه جليًا للزائر ومن النظرة الأولى, النظام والإنتظام, الإنضباط والإنتاجيّة, الرقابة المُنظَّمة بِبُعديها "الأمنيّ والصحيّ (كوفيد-19)", ما يُعطي للزائر الشعور بالطُمأنينة والراحة طوال فترة تواجدة في هذه المؤسسة الوطنيّة التي لا يعرف عنها الكثير حيث الإنتاجيّةُ والترتيب والدقّة. وصل مدير دائرة السياسات العامة, ضمن الميعاد الزمني المحدد للقائنا, وشرع بالحديث عن بعض النصوص المُعدلة ضمن حزمة التعديلات التي قدمتها اللجنة الملكية والتي تروم وتسعى لتمكين الشباب سياسيًا, كما وتحدث عن رؤية الدولة الأردنية للأعوام القادمة بعدّة ملفات لعلَّ أهمها الملف السياسيّ وما يتبعه حُكمًا الملف الإقتصادي والذي تجلى بمشاريع وطنيّة في مختلف القطاعات والتي توليها الدولة جُلّ إهتمامها (كالناقل الوطني, المدينة الجديدة, ومشاريع الطاقة, والمصانع التي سَتُفتَتَح في القادم من الأيام..وغيرها), وطلب بنهاية كلامة من الحضور البالغ عددهم (سبع شباب وشابات) الحديث عما يدور في خلجات أفكارهم دون أي تحفظات ضمن إطار الأداب العامة, وطرح أي تساؤل قد يدور في أذهاننا مهما كانت طبيعته, فبدأت برودة الجو تتحول تدريجيًا لدفئٍ فيه, تعطي المستمع الإرتياح والراحة في الطرح والحديث. وما أن وصل دور الحديث عندي لأبدأ مداخلتي وحواري بثلاث تساؤلات متواترة والتي تدور في فلك محور نقاشي والمتعلق بدور الجامعات الأردنية بالتنشئة السياسيّة للشباب الجامعي بالتناوب مع النص المعدل رقم (16) من مشروع التعديلات الدستورية والمتعلق بتخفيض سن الترشح لــِ (25 عام), وهذه التساؤلات, هي:
- ما الذي سيدفع الشباب للحديث بالسياسة …؟
- ما الذي سيدفع الشباب للإنخراط بالحياة الحزبيّة …؟
- ما الذي سيدفع الشاب حتى يكون قائدًا سياسيًا أو حزبيًا, ونحن نرى ونشاهد اليوم الشباب مَن يمارس حقه الدستوري في التعبير عن رأيه بعدم الموافقة على إتفاقية الماء مقابل الطاقة, “قد تم إعتقالهم”, وتم توقيعهم على تعهدات بمبالغ مالية مهولة تناهز النصف مليون دينار …؟ فهل حقًا الدولة العميقة تريد إصلاح حقيقي أم ماذا ..؟
- نسمع اليوم الخطاب بإتجاة, والسلوك المادي والفعلي الملموس لأجهزة الدولة نشاهده بإتجاة آخر, اليوم نحن بحاجة لسلوك يتوائم والخطاب الملكي الذي يشجع الشباب للإنخراط بالحياة السياسيّة والحزبيّة –هذا الخطاب الذي يعتبر مرجع للجميع في الدولة الأردنية-.
- أمَا في معرض الإجابة على هذا التساؤل, فأجاب: الدولة الأردنية دائمًا كانت كافلة لجميع الحقوق الدستورية للمواطن الأردني, ودليل ذلك خروج الكثير من الشباب وغير الشباب للإعتصام في مناطق مختلفة من المملكة سواء بالعاصمة أو بالمحافظات ولمواضيع مختلفة سواء لتوقيع أتفاقيات أو غيرها ولا يتم التعرض لهم من أي جهة بل على العكس توفر لهم سبل التيسير, لكن وبنفس الوقت للدولة أجهزة وجهات مختصة وظيفتها جمع المعلومات السريّة والمتفرقة وبناء خارطة كاملة متكاملة لقراءة المشهد قبل وقوعه وحصوله, هذا إلى جانب الوظيفة الأساسية للأمن وهي الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعيّ وديمومة سير الحياة والمرافق العامة بإنتظامٍ وإضطراد, فقد يحدث في بعض الأحايين أن عملية التظاهر قد تؤدي بشكل ما إلى إغلاق شارع ما, فيتدخل الأمن دون النظر الى البعد السياسي للموضوع وإنما ينظر للأمور ببعدها الأمني الوحيد للجهاز وهي “إنفاذ القانون”, بالتالي فإن ما حصل هو توقيف قد يكون بسبب إعاقة سير الطريق أو إغلاقة. وبخصوص التعهدات الماليّة نعم نُشر للعلن بأن من تم إعتقالهم وُقّعوا على تعهدات بمبالغ عالية, لكن هل ذات الجهات التي نشرت هذا الخبر وروجت له, نشرت بأنه تم التراجع عن التعهدات بتلك المبالغ …؟, اليوم الإعلام أمسى سلاحًا يُستخدم في ترسيخ الحقائق، أو قلبها رأسًا على عقب للأسف, خاصةً في ظل وجود منصات التواصل الإجتماعي التي أمست منصات للتناحر الإجتماعي.
- وعن الحاجة لوجود مساق جامعي مختص لتثقيف الشباب حزبيًا وسياسيًا لتأهيلهم على طريق التمكين سياسيًا, .. فكان رد مُدير دائرة السياسات العامة: نعم نحن اليوم بحاجة لكسر حاجز الجمود والرهبة الذي بُنيّ في الذاكرة الجمعيّة خلال السنوات الماضيّة من حالة عدم الإرتياح والتوتر إزاء كلمة الأحزاب بين الشعب والأحزاب من جانب والدولة والأحزاب من جانب آخر, ولكن لا بد للجامعات من أن تحتفظ بقدسية وخصوصيّة رسالتها الأساسية, بالتالي قد يتم التعديل على بعض المساقات الحالية سواء بالإضافة أو التعديل لتقديم صورة جديدة وصريحة عن توجهات الدولة اليوم إزاء الأحزاب لنمضي جميعًا في مركب واحد نحو رفعة وطننا الحبيب في مئويته الثانية في ظل قيادتنا الهاشمية الحكيمة.
- وأما عن تساؤلي الثالث, فكان هل فعلًا دوائر الدولة الأمنيّة وتحديدًا “دائرة المخابرات العامة”, قبلت بجملة التعديلات التشريعيّة التي سقطت على الدستور الأردني وجملة القوانين نحو: قانون الأحزاب؛ قانون الإنتخاب؛ قانون الإدارة المحلية …؟ فأكد على أن التعديلات الدستورية والتعديلات على قوانين الإنتخاب والأحزاب جاءت نتيجة تلاقي وتمازج للرغبة الشعبية والإرادة الملكيّة, بالتالي فإن جميع دوائر ومؤسسات الدولة تنطوي تحت توجيهات سيد البلاد.
- أما بخصوص سؤالي عن مجلس الأمن القومي, وهل هو سلطة رابعة لإفراغ التنفيذيّة من سلطتها و سلبها ولايتها العامة؟ خاصة وإن هذا المجلس المسمى سيتم تنظيم أعماله بنظام وليس بقانون؟ وماذا عن القول بعدم دستوريته, فكان الرد على البيان التالي:
- أولًا/ لا يمكن القول عن نص ورد بالدستور بأنه غير دستوري لأنه وجد أساسًا في الدستور, وإنما يقال بأن قراءة النص الدستوري (X)تخالف قراءة القاعدة الدستوريّة الأصيلة (Y).
- ثانيًا/ أما عن جزئية هل هو سلطة رابعة لإفراغ التنفيذية من ولايتها, فقطعًا هذا الكلام لا يستوي مع أن ما قرابته نصف تعداد أعضاء هذا المجلس هم من الحكومة الحزبية, وهم رئيس الوزراء؛ وزير الخارجية؛ وزير الداخلية؛ وزير الدفاع آنذاك.
- ثالثًا/ أما عن تنظيم المجلس بنظام وليس بقانون, فهو تأكيد على ولاية الحكومة الحزبيّة التي نسعى للوصول إليها, التي ستنظم أعمال هذا المجلس, كما وبالرجوع إلى نصوص الدستور, نجد بأن الشواهد الدستوريّة على تنظيم مجالس بنظام ورد في أكثر من مقام, ناهيك عن أن المادة (45/1) أشارت صراحةً: (بإستثناء ما عهد أو يعهد…إلخ). بالتالي هو ترسيخ لمفهوم الولاية العامة للحكومة الحزبية وليس سلبًا لها.
آخيرًا وليس آخرًا, وكشباب وباحثين نتابع أداء السلطات والمؤسسات الفاعلة في الدولة، قد أُقدم رأيًا يضيف جديدًا للقارىء أو حتى للمسؤول، فيعمل به، أو قد يجد الآخير –المسؤول-ملاحظةً جديرةً بالمتابعة فيتابعها، لكن حينما يقرأ المتابعون للشأن العام هذه المقالة، فهم حتمًا سيشعرون بإهتمام الكاتب بالشأن العام لطرحه كافة التساؤلات التي تدور في الشارع اليوم، لكنهم لن يتمكنوا من تحديد هوية هذا الكاتب، هل هو معارضٍ أم هو موالٍ أم هو مجرد كاتب محترف يُقدم للقارئ وجهةَ نظرٍ مستقلة .. لكن بكل تأكيد فإن جميعهم سيجمع على حب الكاتب لوطنه وغيرته عليه.
بالنهاية, أقول كلنا في مركبٍ واحد ويهمنا أنّ يصل هذا المركب بَرَ الأمان وإن تستمر دولتنا العتيده في تقدمها, وأن يشعر المواطن بتحسن الأحوال ويلمس ذلك فعليًا على أرض الواقع, على أن سيد البلاد حفظه الله ورعاه يسعى ليلًا نهارًا إلى ذلك, ويبقى التنفيذ مناطًا بالسلطات بينما الدعم المجتمعي هو المُحفز الرئيسي المطلوب ويتطلب ذلك الخروج من حالة التشاؤم إلى التفاؤل والمتابعة والتقييم المستمر بموضوعيّة.