لا شيء يعنينا بدوننا

4 ديسمبر 2018
لا شيء يعنينا بدوننا

صراحة نيوز – بقلم د صبري الربيحات

التباين بين الأقوال والأفعال ظاهرة عالمية تجدها في كل مكان. الأسباب المسؤولة عن التناقض بين ما يقوله الساسة والمدراء والشخصيات المنتخبة وبين ما يقومون به يعود إلى أنهم ينسجون خطاباتهم بعد استقراء رغبات الناخبين والجمهور فيضمنونها تطلعاتهم وآمالهم لينالوا رضاهم الآني، وما أن يباشروا العمل حتى تظهر وبقوة مصالحهم الفردية الخاصة التي قد لا تتطابق مع المصلحة العامة فيحرقون أوراق خطبهم ويمزقون لافتات شعاراتهم لتتغير أحوالهم وطباعهم وتتدهور الصور الذهنية التي شكلها الجمهور لهم.

الشعار رمز أو عبارة أو صورة يستخدم لتوضيح فكرة أو للدلالة عليها فما أن ترى الشعار حتى تدرك هوية وأهداف وربما نوعية النشاط الذي يرمز له الشعار. في مجتمعنا الكثير من الالتباس وأحيانا التناقض بين الشعارات والأنشطة التي نقوم بها والغايات التي نرمي لها فعلا.

في التاريخ الإنساني الحديث كان للشعار الذي أطلقه الاتحاد العالمي للمكفوفين العام 1993 وتبنته المنظمات العالمية للمعاقين قوة وصدى وتأثير تجاوز حدود المكان والزمان. فقد شكل الشعار الأرضية والرمز والموجه لعمل ونضال إحدى أكثر الحركات الحقوقية قوة وتأثيرا على الساحة الدولية.

لقد كان لشعار منظمات الإعاقة القائل NOTHING ABOUT US WITHOUT US” ” أو “لا شيء يخصنا بدوننا ” وقع خاص وقوة تعبوية يصعب أن تجد لها مثيلا. فللجملة تركيب ثلاثي يشير إلى معاني الحق في الحرية ومقاومة التمييز والاستغلال والإشارة إلى الحقوق والكرامة المتساوية. هذه القيم والمعاني كانت سببا في توحيد الحركة وإكسابها تعاطفا وتأييدا واسعا مكنها من إنجاز الكثير على الساحتين الأممية والوطنية في زمن قياسي.

من بين مئات الحركات الاجتماعية والحقوقية التي ظهرت للمطالبة بالحقوق أو المساندة للقضايا والوقوف في وجه التمييز والظلم والتعدي كانت منظمات الأشخاص ذوي الإعاقات الأكثر قوة وقبولا وتأثيرا ونجاحا. ففي أقل من نصف قرن استطاعت اتحادات الصم وجمعيات الأشخاص المعاقين حركيا وحسيا وعقليا ونفسيا أن تشكل تيارا مؤثرا انتقل بأوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة من الإهمال والتعذيب والإبادة التي سادت قبل وأثناء الحرب العالمية إلى أشخاص يتمتعون بحقوق مساوية ويطالبون بتغيير البيئة والسياسات والتشريعات لاستيعاب احتياجاتهم المتنوعة.

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948 كان الوثيقة الأهم في التأسيس للنظرة العالمية التي أعادت للأذهان مفاهيم الكرامة المتأصلة والحرية والحق والعدل والمساواة والحماية وتعرض في ثلاثين مادة الحقوق التي ينبغي أن يتمتع فيها الإنسان بالتساوي مع الجميع ودعت الدول الأطراف إلى احترامها وحمايتها وكفالة تحقيقها.

الحركة النضالية لمنظمات الأشخاص ذوي الإعاقات كانت القوة المحركة التي دفعت بالأمم المتحدة إلى تبني العقد الخاص بالإعاقة في ثمانينيات القرن الماضي ووضع الأهداف الرامية إلى إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعاتهم من خلال سياسات توفر لهم برامج مناسبة للصحة وإعادة التأهيل والتعليم ومحاربة الفقر والعناية باحتياجاتهم المتنوعة.

وما أن انتهى العقد المخصص للنهوض بأوضاع هذه الفئات التي تجاوزت نسبتها 10 % من سكان العالم في تلك الفترة حتى انطلق العالم إلى مرحلة جديدة تطالب فيها الحكومات الالتزام بإجراءات محددة لضمان خلق بيئة طبيعية وتشريعية وثقافية تمكن الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول والدخول والاستخدام الآمن للمرافق والخدمات والاستمتاع بالحقوق التي وفرتها وكفلتها التشريعات لهم.

مع بداية الألفية الثالثة استطاعت الحركة العالمية الداعمة لحقوق الأشخاص المعوقين إقناع الأمم المتحدة بالسير في إبرام اتفاقية دولية لحقوق الأشخاص المعوقين تسهم في إلزام الدول العمل على تغيير تشريعاتها وصياغة برامجها ومراجعة ميزانياتها وتأهيل كوادرها وأنظمة الخدمة لاستيعاب وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقات من الحصول على فرص متكافئة لممارسة حقوقهم الكاملة دون عقبات أو عوائق.

بعد مفاوضات مضنية وطويلة امتدت لسنوات استطاعت الحركة العالمية بمنظماتها وتحالفاتها وتصميمها تغيير الواقع واستصدار اتفاقية دولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات في كانون أول ( ديسمبر) 2006، وكان الأردن من بين أوائل الدول التي صادقت عليها وتبنتها.

الاخبار العاجلة