غدا، يذهب الأردنيون للإدلاء بأصواتهم في صناديق الانتخابات المحلية، المناسبة مهمة للتذكير بثلاث إشارات، الأولى “تركة” الانتخابات الثقيلة وما أفرزته لدى المواطنين من عزوف عن المشاركة، الثانية إصرار بعض المسؤولين على الدخول في العملية الانتخابية بشكل او بآخر، أما الإشارة الثالثة فهي أن بروفة هذه الانتخابات ستكون نقطة تحول باتجاهين: ايجابي يطمئن الناس على سلامة اختياراتهم، أو سلبي يدفعهم لفقدان ثقتهم في المعروض السياسي، أو البحث عن وسائل أخرى، أو الانكفاء واليأس. لدي رجاءان، الأول أن يذهب المواطنون الذين يحق لهم الانتخاب للتصويت لمن يستحقون ذلك، ممن اثبتوا كفاءتهم أو لديهم ما يلزم من أمانة وحرص وإخلاص لخدمة مجتمعاتهم المحلية، أعرف تماما أن “اشباحا” ستطارد الناخب، وقد تدفعه لوضع أسماء لا علاقة لها بهذه المواصفات، سواء بسبب الأواصر الاجتماعية أو الحسابات الشخصية أو غيرها، لكنني أذكّرهم بحسابات الضمير، والمصلحة العامة، وبأمانة الصوت التي يفترض أن تعلو على كل اعتبار. الرجاء الآخر للمسؤولين في إدارة الدولة ومؤسساتها، أن يرفعوا ايديهم عن أصوات الناس، ويتركوا للهيئة المستقلة إدارة الانتخابات بنزاهة وشفافية، لا أتحدث، هنا فقط، عن الوصايات، ولا عن محاولات هندسة الانتخابات، ولا عن قنوات المال الانتخابي التي يتم صرف النظر عنها أحيانا، وإنما، أيضا، عن أي مناخات عامة قد تشكك الناس بالعملية الانتخابية، أو أي انحياز غير مباشر لطرف دون الآخر. لماذا أقول ذلك؟ لأسباب عديدة، منها أن الانتخابات المحلية شأن يتعلق بالمجتمع وخدمة الناس، ولا علاقة لها بالسياسة وخلافاتها وحساباتها، وبالتالي لا يوجد أي مبرر للخوف من نتائجها، السبب الثاني أن تجربة الانتخابات، في هذا التوقيت الذي نتطارح فيه حول مسارات الإصلاح في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية، ستكون بمثابة رسالة تطمين أو تخويف للمواطنين، ومن مصلحة الجميع أن تكون منطلقا لإعادة الثقة، ورد الهواجس وبث الأمل، وتحرير الصناديق مما اعتراها سابقا من تدخلات. اما السبب الثالث، فهو أننا مقبلون على مرحلة مزدحمة بالأجندات، سواء على صعيد الدولة أو المجتمع، الدولة مشغولة بمواجهة القضايا الداخلية التي فرضتها الجائحة والحرب الأوكرانية، وتراكم الخيبات، وتراجعات بعموم القطاعات العامة، أما المجتمع فقد أصبحت أعصابه مشدودة، جراء الظروف الصعبة والاستعصاءات وغياب الحلول، وبالتالي فهو مستنفر وجاهز للخروج للشارع للتعبير عن مطالبه، هنا تشكل الانتخابات، إن كانت رسائلها إيجابية “نازع” صواعق للطرفين، وبادرة طيبة للتخفيف من حالة الشحن، وترطيب المزاج العام. يبقى السبب الرابع، وهو أن عملية الانتخابات المحلية، بدأت هذه المرة بشكل جيد، ومن المفترض ان تستمر على هذا المنوال، فلم نسمع – حتى الآن– عن أي ملاحظات وجيهة تخدش الإجراءات، أو تتعلق بالترشح لرؤساء أو أعضاء لمجالس البلديات والمحافظات وامانة عمان، هذا يعني – على خلاف الانتخابات السابقة بأنواعها– أن الإرادة السياسية متوفرة لإنجاح التجربة، وما تحتاجه هو التزام الناخبين بالنزاهة أيضا. نهاية الأسبوع الحالي، سينجلي غبار “الانتخابات”، وبوسعنا، عندئذ، أن نحكم على نتائج الامتحان الرسمي والشعبي معا، الصناديق ستقول كلمتها على لسان الهيئة المستقلة، والمواطنون والمراقبون سيقولون كلمتهم أيضا بأكثر من وسيلة، الأهم من ذلك هو مصلحة بلدنا التي يجب أن نتوافق على أنها اهم من الانتخابات، ومن الحسابات الضيقة، ومن محاولات التغطية على أي أخطاء.. دعونا ننتظر ونرى…