صراحة نيوز – كتب أ. د. زيدان كفافي
كنت قد نشرت في عام 2009 م وقت الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة مقالة بعنوان “الآثار في ظل قتل الإنسان في غزة” في كتاب صدر عن متحف الأردن بعمان بعنوان “دراسات ومقالات في التراث الثقافي الأثري”. ونظراً لأن الظروف هي نفسها وصاحب العدوان هو نفسه، قررت إعادة نشرها ولكن بعنوان جديد هو “سلام على غزة رمز العزّة”.
تسمّرت، كما تسمّر غيري، أمام شاشة التلفاز وأنا أرقب سهولة قتل الإنسان وتدمير البنيان من قبل الآلة العسكرية الإسرائيلية في غزة. وفي غمرة هذه الأحداث الرهيبة، التي أوعزت للعيون ذرف الدموع دون إذن، بل إن القلوب بلغت الحناجر، وهي ترقب كيف تحول طفل غزي في لمح البصر إلى كفيف…. وبعد هذا وذاك يقف الإنسان وتدور في ذهنه الأحداث الرهيبة منذ بدايتها وحتى نهايتها …. فأخذ الناس ينبشون ما تهدم من بنايات، ليس بحثاً عن مال، فلا قيمة للمال في ظروف كهذه، وإنما لإزالة الردم بحثاً عن إبن، أو أخ ،أو زوج، أو زوجة، أو قريب، أو صديق. وتوالت المشاهد ونحن نرى الناس تنفض الغبار عن أجساد الموتى، وكأن هؤلاء الموتى قضوا في غفلة من الزمان، لدرجة أننى لم أرَ من بين الباحثين، الأحبّاء، من يضع كمامة على أنفه، خوفاً من رائحة الموتى، التي تزكم الأنوف عادة، ومن يموت ويبقى أياماً تحت الركام…. ولا رائحة له، غير الشهداء…. فرحمة الله لكم يا شهداء غزة…. لقد أغمضتم عيون الناس عن رؤية الأشياء…. غير مناظركم وأنتم تموتون غير آبهين بكيفية الموت….فالموت واحد بغض النظر عن الوسيلة.
بعد انقشاع الغبار عن أجساد الشهداء…. وجدت أنه لا بد من وقفة نستذكر فيها أمورًا مهمة أخرى تعرضت للتدمير…. إنه التراث، لا سيما المواقع والمخلفات الأثرية….، لذا فإنني أكتب منبهاً ومتسائلاً عمَّا أصاب المواقع الأثرية في قطاع غزة مثل تل العجول وتل السكن؛ فهذه المواقع تشكل جزءًا من الهوية الفلسطينية، بل والعربية.
وصراحة الأمر فإنني من الناس الذين يراقبون ما يحدث للتراث الأثري العربي…. فها هم الناس في العراق وفلسطين يعملون فؤوسهم في بطن التلال الأثرية بحثاً عن أثرٍ يبيعونه لقاء حفنةٍ من دراهم علَّها تكفيهم كفاف قوتهم اليومي…. إنهم لا يعلمون، أنهم بهذا يبيعون وطنهم…. بدأت بهذا قبل أن القي اللوم على دبابات العدو وجرافاته. التي تغرز أصابعها في صدر التراث الأثري العربي غير آبهة بأهميته….، وهل يهتم قاتل الإنسان بهوية من يقتل؟
صحيح أن هناك بعض الأصوات العربية نادت بضرورة حماية التراث في غزة ونبهت للخطر الذي يحوقه أثناء الحرب الإسرائيلية، لكنها للأسف لم تكن مسموعة وبقيت خافتة. كما أن الإعلام العربي بقي مشغولاً، وبحق، بقتل الناس الأبرياء. تصوروا لو أن الدبابات العربية، لا سمح الله، تقوم بتدمير كنيس يهودي، فأنا واثق من أن الدنيا ستقوم ولن تقعد…. وسنوصف بالإرهابيين…. فما بالك بجوامع وكنائس ومدارس تهدمت في غزة على من فيها ….
وعودة للتراث الأثري في غزة هاشم، والتي تحتضن رفاة جد الهاشميين، فقطاع غزة يشكل بادئ ذي بدء حلقة الاتصال بين مصر وبلاد الشام، وتعبره الطرق والمسالك…. وعلى هذه الطرق تأسست المدن والبلدات والقرى عبر العصور…. ومنها من تم سبر أغواره، والآخر ما زال ينتظر معاول الآثاريين…. فهل بقي من هذه المواقع بقية. وحتى لا نبخس القارئ حقه وننبهه بما يحدث للتراث الثقافي الأثري في قطاع غزة وجدنا أنه من الضرورة بمكان تقديم معلومات مختصرة حول بعض أهم المواقع الأثرية فيه.
مدينة غزة
تقع مدينة غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في منطقة متوسطة بين بلاد الشام ومصر وتبعد حوالي 78 كيلو متراً إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس. ويبلغ عدد سكانها حالياً حوالي نصف مليون نسمة، وسكنها البلست (إحدى قبائل شعوب البحر) الذين هاجروا للمنطقة من بلاد اليونان، واستقروا فيها مع نهاية الألف الثاني قبل الميلاد. ومن المعلوم أن المدينة سقطت بأيدي الفراعنة المصريين بعد طرد الهكسوس من دلتا مصر في حوالي 1550 قبل الميلاد. واستمر الاحتلال الفرعوني لها، كغيرها من المدن الشامية الواقعة جنوبي مدينة حلب الحالية/ شمالي سوريا، لمدة تقارب من 350 عاماً. كذلك وقعت غزة بعدها، كباقي بلاد الشام، تحت الاحتلال الروماني والبيزنطي. لكن المدينة بلغت قمة ازدهارها بعد الفتح الإسلامي وأصبح ميناؤها الميناءَ الرئيس في ذلك الوقت. وبقي الأمر هكذا، حتى سقوطها بيد الفرنجة الذين حولوها إلى ركام، كما أنها عانت كثيراً بعد دخول المغول للمنطقة حتى أنها تحولت إلى قرية صغيرة في القرن السادس عشر الميلادي، أي حين قدوم العثمانيين. وخلال المراحل الأولى من حكم الدولة العثمانية، حكمت المدينة أسرة تعرف باسم “رضوان” حيث شهدت خلالها ازدهاراً تجارياً وعاش الناس في سلم وأمان. وبعد الحرب العالمية الأولى، أي بعد هزيمة العثمانيين وخروجهم من بلاد الشام، وقع قطاع غزة تحت حكم الانتداب البريطاني حتى عام 1948م. بعدها حكم قطاع غزة من قبل الإدارة المصرية حتى حرب حزيران في عام 1967م حين سقطت المدينة مع بقية فلسطين بيد الإسرائيليين. لكن وفي عام 1993م وبعد اتفاق أوسلو، شكل قطاع غزة جزءاً من المناطق التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية حتى عام 2007م عندما سيطرت حركة حماس على القطاع.
يعتقد بعض الباحثين ان اسم غزة هو كنعاني الأصل من الجذر (غ ز ز)، ويعني “قوي”، وبعد تعريبه أصبح يلفظ (غ ز زة) أي “الشخص القوي” أو “القلعة المنيعة”. ومن المعلوم أن كثيراً من الناس يسمونها (غزة هاشم) حيث دفن فيها جد الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام). وقد أسست مدينة غزة على يد الفراعنة المصريين، وذلك عندما شيدوا قلعة على الطريق التجاري الواصل بين مصر في الغرب وبلاد الشام في الشرق خلال العصر البرونزي القديم الأول (حوالي 3500- 3100 قبل الميلاد). إذ كشفت الحفريات الفرنسية الفلسطينية المشتركة التي أجريت قبل عدد من السنوات في موقع تل السكن الواقع على أطراف مدينة غزة الحالية عن بقايا لهذه القلعة. وازدهر الموقع خلال المراحل الأولى من العصر البرونزي، إلا أنه أخذ يفقد أهميته ويتراجع نتيجة تحول خط التجارة بين مصر وبلاد الشام من البر إلى البحر بسبب تزايد اهتمام الفراعنة باستيراد خشب الأرز من لبنان، فهجر خلال المرحلة الثانية من العصر البرونزي القديم (حوالي 3100-2750 ق.م.)، وأعيد الاستقرار في تل السكن خلال المرحلة الثالثة (حوالي 2750 ق.م)، لكنه وفي حوالي 2250 قبل الميلاد هجر للمرة الثانية كغيره من عدد كبير من مواقع بلاد الشام، وربما أن التحولات المناخية هي السبب الأساسي في الهجران هذه المرة. ولم تعد لغزة أهمية كبرى خلال نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. لكن غزة عادت إلى الظهور من جديد خلال العصر البرونزي المتوسط (حوالي 2000-1550 قبل الميلاد) وذلك عندما أُسس موقع تل العجول، الذي يقع على بعد حوالي 6 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة غزة الحالية. ويعدّ هذا الموقع من أهم المدن الكنعانية التي سُكنت خلال الألف الثاني قبل الميلاد.
تل العجول
يقع تل العجول في الجزء الجنوبي من وادي غزة، وبالتحديد إلى الجنوب من مدينة غزة. ونظراً لأهمية الموقع الأثرية، قامت بعثة بريطانية، بإشراف فلندرز بتري (Flinders Petrie) في الفترة الواقعة بين أعوام 1930م و1934م بإجراء تنقيبات أثرية في التل (Petrie 1931; 1932; 1933; 1934). وقد تبين نتيجة هذه الحفريات أن أقدم البقايا في الموقع تعود لنهاية الألف الثالث قبل الميلاد. ونتيجة للظروف السياسية الحالية لم يتم إجراء حفريات أثرية أخرى في الموقع حتى عام 1999/ 2000م، وذلك عندما قامت بعثة أثرية سويدية بإشراف بيتر فيشر (Peter Fischer) بإعادة التنقيب في الموقع، وبالتعاون مع إدارة الآثار في قطاع غزة ممثلة بالدكتور معين صادق (Fischer and sadeq 1999) .
يعد تل العجول من أهم المدن الكنعانية خلال العصور البرونزية، وذكر المنقب فلندرز بتري أنه ازدهر خلال العصر البرونزي المتوسط (حوالي 2000- 1550 ق.م) وبعض الفترات في العصر البرونزي المتأخر (حوالي 1550- 1200 ق.م). ومن المعلوم أن فلندرز بتري نشر خمسة مجلدات حول نتائج حفرياته في الموقع بعنوان (Ancient Gaza). وكشفت تلك الحفريات النقاب عن بقايا أثرية تؤرخ للعصر البرونزي المتوسط الأول (حوالي 2000- 1850 قبل الميلاد)، وهي المرحلة التي تقابل ما يعرف باسم المرحلة الإنتقالية عند العالمة الإنجليزية كاثلين كينون التي نقبت في تلك السلطان/ أريحا القديمة. وعثر في الموقع على مقابر عثر بداخلها على جرار فخارية وأدوات معدنية مثل الخناجر والحلي، كذلك عثر في بعض المدافن على هياكل عظمية لحيوانات من فصيلة الخيول. كما أظهرت التنقيبات أن بداية تأسيس المدينة، أو أن أقدم المكتشفات الأثرية عثر عليها في مدافن حفرت في طبقة الرمال على جانبي وادي غزة، تؤرخ للمراحل الأولى من العصر البرونزي المتوسط. ولا بد من ذكر أن المنقب عثر على خندق كبير ومجموعة من الأنفاق التي تعود لهذا العصر، وحار المنقب في بادئ الأمر في تفسير وظيفتها، لكنه اقترح، في نهاية الأمر، أنها استخدمت كقنوات لري المزروعات.
مخطط للحفريات التي أجراها فلندرز بتري في التل
وإضافة لهذه البقايا الأثرية، نشر المنقب وجود مبان واسعة وكبيرة، عدَّها قصورًا، بلغت أبعاد أحدها حوالي 55×42م. كما يظن بأن المدينة كانت محاطة بنظام دفاعي، وبني في أعلى نقطة فيها قلعة تشرف على كل ما يجري بداخل المدينة (Tufnell 1975). وعثر بداخل المباني والمدافن على كميات هائلة من الأواني الفخارية المزخرفة بزخارف مدهونة بألوان حمراء وسوداء، تمثل حيوانات بقرية وطيور وأسماك، أطلق العلماء على هذا النوع من الآنية الفخارية والمزخرفة بمثل هذه الزخارف اسم (Bichrorm Pottery).
إبريق من طراز Bichrome
وتظهر المكتشفات الأثرية أن تل العجول كان على علاقة وطيدة مع المناطق القريبة والبعيدة عنه مثل: مصر الفرعونية، ومناطق شرقي البحر المتوسط، وجزيرة قبرص. فمثلاً عُثر على عدد كبير من الجعران المصرية التي تحمل أسماء بعض الفراعنة المصريين من الأسرة الخامسة عشرة والسادسة عشرة. كذلك وُجد على جرةٍ طبعة لخرطوش يعود لسنة 1483 قبل الميلاد، يحمل اسم الفرعونة حتشبسوت والفرعون تحتمس الثالث، كما عثر على خاتم للفرعون توت عنخ أمون. وكان آخر ذكر لفرعون مصري وجد اسمه مكتوباً في تل العجول هو “رمسيس الثاني” من الأسرة التاسعة عشرة.
جعران مصرية من تل العجول
أما آثار العصر الحديدي، فقد اقترح وليم أولبرايت وجود بعض الآثار العمائرية من القرن العاشر قبل الميلاد، إضافة لرؤوس سهام مصنوعة من الحديد. كذلك عثر على أواني فخارية فنيقية وفلسطينية وهلنستية ورومانية وبيزنطية وإسلامية في تل العجول.
خاتمة القول، فقد دلت المكتشفات الأثرية على أن الهدف من تأسيس تل العجول على ساحل البحر الأبيض المتوسط كان تجارياً، حيث أنه يربط بين بلاد الشام ومصر. وأكد هذا الأمر المقبرتان اللتان عثر في قبورهما على مخلفات أثرية من مناطق عدة؛ فالمقبرة التي بنيت على الضفة الشمالية لوادي غزة تعود لما قبل سنة 2000 قبل الميلاد، لكن لم يعثر على أية مساكن من هذه الفترة. وجاءت أقدم البيوت التي عثر عليها في الموقع معاصرة لبداية حكم الهكسوس على الدلتا المصرية (القرن الثامن عشر قبل الميلاد). لكن وبعد طرد الهكسوس من مصر في حوالي 1550 قبل الميلاد وقعت المدينة تحت حكم فراعنة الدولة الحديثة في مصر (حوالي 1550-1200ق.م)، حيث عثر على دلائل فرعونية مكتوبة من زمن الأسرة الثامنة عشر. ويظهر أن الفرعون المصري تحتمس الثالث والذي جرد سبع عشرة حملة عسكرية على بلاد الشام، وكان في كل حملة يهاجم المدينة ويعتبرها إحدى أهدافه العسكرية، بدلالة العثور على عدد كبير من رؤوس السهام المصرية فيها.
دير البلح
أسس شعوب البحر، ومنهم قبيلة “البلست”، بعد استقرارهم على الجزء الجنوبي الغربي من ساحل البحر المتوسط، خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد عدداً من المدن، مثل عسقلان، ودير البلح، وأسدود. ومن أهم الآثار التي تنسب لهؤلاء، ما عثر عليه في مدينة دير البلح، حيث كشف النقاب عن عدد من التوابيت الصلصالية، التي بنيت بحجم الإنسان، ولها أغطية، وحفرت على سطحها الخارجي أشكال ووجوه إنسانية، ربما تمثل الأشخاص المدفونين بداخلها. وإضافة لهذا، فقد عثر في مقابر دير البلح على كميات من الأدوات والأواني المعدنية، والرخامية، والمجوهرات، والجعران المصرية، والأواني الفخارية المستوردة من بلاد اليونان، أُرِّخ أكثرها إلى القرنين الرابع عشر، والثالث عشر قبل الميلاد. كما عثر على أربعة شواهد قبور فرعونية. وقد كشف عن مقبرة دير البلح أعوام 1971- 1972م من قبل بعثة أثرية إسرائيلية أثناء احتلال قطاع غزة بعد حرب عام 1967م. ولا نزال نجهل مصير هذه المكتشفات الأثرية (Dothan 1975).
وذكر المنقبون أن دير البلح كان مكان إقامة حامية مصرية خلال القرن 14 ق.م كونه يقع على الخط التجاري الواصل بين مصر وبلاد الشام، ودفن المصريون خلالها موتاهم داخل توابيت صلصالية. ويبدو أن هذه العادة استمرت خلال القرون اللاحقة حيث عثر في مدينة بيسان في فلسطين، وفي جبل القصور/ عمان في الأردن على عدد مشاه لتلك التي وجدت في دير البلح. لكنها تعود للقرنيين الثاني عشر والحادي عشر قبل الميلاد، أي متأخرة في تاريخها عن تلك من دير البلح.
تابوت صلصالي من دير البلح غطاء تابوت على شكل إنسان
التراث الأثري في قطاع غزة بعد غزو إسرائيل عام 2009 *:
يزخر قطاع غزة بعدد كبير من المواقع الأثرية والتراثية والتي تعود بتاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى الوقت المعاصر. ومنذ إحتلال إسرائيل للقطاع في عام 1967م والتراث الأثري يتعرض إمّا للنهب والسلب أو للتدمير. حيث قامت إسرائيل وخلال إحتلالها للقطاع بإجراء مسوحات وحفريات أثرية مخالفة بهذا كل القوانين والتشريعات الصادرة عن المؤسسات والهيئات الدولية.
ولم يكتف الإسرائيليون بهذا، فقاموا خلال غزوتهم التدميرية الأخيرة بقتل الناس وهدم المواقع والمباني التراثية والدينية والرسمية وغير الرسمية، وعلى رأسها مبنى مختبرات جامعة غزة الإسلامية. وخلال حرب غزة التي جرت في كانون الثاني من عام 2009م، وعلى مدى عشرين يوماً
دمرت الآلة العسكرية الإسرائيلية، بالإضافة للمباني الحكومية والخاصة، المواقع والمباني التراثية التالية:
تدمير إثنا عشرة (12) مبنى تراثياً في مدينة غزة القديمة.
تدمير مبنى قصر الحاكم القديم في الجزء الغربي لمدينة غزة.تدمير مقام المنطار في تل المنطار، المملوكي التاريخ، تدميراً جزئيا.
تدمير أجزاء من موقع جباليا البيزنطي (حوالي 324م-636م)ز
تدمير جزئي لموقع القديسة هيلاريون في النصيرات.
تخريب وتجريف أجزاء من موقع تل السكن المؤرخ للعصر البرونزي المبكر.
تجريف وتدمير مناطق وأماكن تتمتع بأهمية تاريخية مثل ما حدث في مناطق بيت لاهيا وبيت حانون والزيتون وجوهر الديك.
تدمير مقبرة الشيخ رضوان في مدينة غزة.
وكما ذكرنا أعلاه فإن التراث الثقافي هو عماد الهوية ، ويعزز الإنتماء الوطني عند الناس. لذا، فإن تدمير التراث الأثري في غزة يعني تدمير جزء من التراث الفلسطيني، الذي يشكل حلقة في سلسلة التراث العربي والإسلامي. وبتدميره يفقد التراث العالمي جزء من المعلومات الهامة التي تساعدنا في فهم السلوكات الإنسانية وطبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين أبناء الشعوب. ومن هنا نرى أن ما قامت وتقوم به إسرائيل مخلف لجميع الإتفاقيات والأعراف الدولية الصادرة بخصوص الترتاث الثقافي. فعلى سبيل المثال نشير هنا إلى أن اتفاقية لاهاي الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح، الصادرة عام 1954م، تمنع إجراء الحفريات الأثرية من قبل السلطات المحتلة في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، كما تمنع مصادرة الآثار أو تدميرها في حالة النزاعات المسلحة والحروب، بل وتطالب السلطات باتخاذ التدابير وكافة أشكال الاحتياط العسكري التي تكفل حماية الممتلكات الثقافية خلال الحرب. كذلك أوصت القرارات الصادرة عن مؤسسة اليونيسكو المنبثقة عن الإجتماع الذي عقد في مدينة نيودلهي في الهند في عام 1956م على عدم جواز إجراء حفريات أثرية في المناطق الواقعة تحت الإحتلال العسكري، كما وضعت الأيونيسكو إتفاقية تحدد بمجبها عدم تصدير أو استيراد أو نقل ملكية الممتلكات الأثرية من أية دولة لأخرى بطرق غير شرعية.
ومن هنا نرى أن ما قامت به إسرائيل يعدّ إختراقاً فاضحاً لكل هذه الإتفاقيات والتوصيات والقرارات الدولية. ومن هنا يتبادر لأذهاننا سؤال: لماذا لم تحرك المؤسسات الدولية مثل اليونيسكو وجمعية التراث العالمي وجمعية المتاحف العالمية ساكناً عندما قامت إسرائيل بتدمير التراث الأثري الفلسطيني؟
المعلومات الواردة تحت هذا العنوان زودني بها الدكتور حمدان طه مدير عام الآثار في فلسطين/ السلطة الوطنية الفاسطينية، فله جزيل الشكر.
الخاتمة
بعد هذا الاستعراض للتراث الأثري في قطاع غزة، نرى أن إسرائيل لم تلق بالاً ولم تلفت للإتفاقيات الموقعة من قبلها والصادرة عن المؤسسات الدولية العالمية. فهي تقوم ليس فقط بتدمير التراث وإنما أيضاً بسلبه وتجيير هويته لصالحها. وحسب نصوص الإتفاقيات الدولية، فإن واجب إسرائيل المحافظة على الممتلكات الأثرية في المناطق التي تحتلها، لا أن تسرقها وتدمرها. كما أننا نود الإشارة إلى أن الإسرائيليين قاموا خلال احتلالهم للقطاع بإجراء عدد من المسوحات والحفريات الأثرية فأخذوا معهم كل ما عثروا عليه، لذا يجب المطالبة بإرجاعه. كذلك لا بد من التنبه إلى أن المؤسسات الدولية المختصة في الحفاظ على التراث، خاصة خلال الحروب والمنازعات، لم تلعب حتى الآن الدور الكافي في حماية هذا التراث، ينبه إلى أن الجرافات والطائرات الإسرائيلية لا تقتل الناس وتهدم البنيان فقط ، بل إنها تدمر التراث الأثري والثقافي كذلك، والذي هو ليس ملك الفلسطينيين وحدهم، وإنما يمثل جزءًا من التراث العالمي أيضاً.
ومن هنا، أطالب المؤسسات العربية عامة، والأكاديمية خاصة، ضرورة عقد المؤتمرات والندوات من أحل التعريف بهذا التراث العربي. كما يجب علينا توعية أهل البلاد بأهمية هذا التراث، فهو الذي يعطيهم الحق والهوية الوطنية.
- يتقدم الكاتب بالشكر الجزيل لكل من الدكتور حمدان طه والدكتور بيتر فيشر والسيدة عفاف زيادة والسيد موفق بطاينة لتزويدة بالمعلومات وإبداء الملاحظات حول النص.
المراجع:
Dothan, T. 1975, Deir El-Balah. Pp. 324-328 in M. Avi-Yonah (ed.), Encyclopedia of archaeological excavations in the Holy Land, Vol. I. London: Oxford University Press.
Fischer, P. and Sadeq, M. 1999; Tell El-‘Ajjul 1999. A Joint Palestinian Swedish Field Project: First Season Preliminary Report. Egypt and the Levant, International Journal for Egyptian Archaeology and Related Disciplines X : 211-226.
Petrie, F. 1931; Ancient Gaza, Vol. 1, Tell el Ajjul. Publication of the Egyptian Research Account and British School of Archaeology in Egypt 53. London: Quaritsch.
Petrie, F. 1932; Ancient Gaza, Vol. 2, Tell el Ajjul. Publication of the Egyptian Research Account and British School of Archaeology in Egypt 54. London: Quaritsch.
Petrie, F. 1933; Ancient Gaza, Vol. 3, Tell el Ajjul. Publication of the Egyptian Research Account and British School of Archaeology in Egypt 55. London: Quaritsch.
Petrie, F. 1934; Ancient Gaza, Vol. 4, Tell el Ajjul. Publication of the Egyptian Research Account and British School of Archaeology in Egypt 56. London: Quaritsch.
Tufnell, O. 1975; El-‘Ajjul. Tell (Beth ‘Eglayim). Pp. 52-61 in M. Avi-Yonah (ed.), Encyclopedia of archaeological excavations in the Holy Land, Vol. I. London: Oxford University Press.