صراحة نيوز – بقلم العميد المتقاعد/ د. محمد سند العكايله
لم اتفاجأ كما لم يتفاجيء غيري في الوطن الكبير بالرسائل الملكية المسطَرة بماء الذهب لأصحاب السمو الامراء بمناسبة احالتهم على التقاعد من القوات المساحة التي نحب ونعتز وهم في ريعان الشباب، وهذه الرسائل الملكية والنأي بالنفس عن الأنا فيها الكثير ظاهرا وباطنا، فها هو سيد البلاد يبادر الى مباركة وتأييد قرار قيادة القوات المسلحة باحالة اصحاب السمو الامراء على التقاعد تنفيذا للتوجهات الملكية باعادة هيكلة اجهزة القوات المسلحة بشريا وماديا، بعيدا عن مايمس أمن الوطن وأمنه.
عندما يبدأ القصر الملكي وصاحب عرش البلاد بنفسه بضرب المثال الاروع ، فهذه هي الرسالة الأوضح والاكثر صراحة والأكبر بوصلتها محددة الاتجاه والقوة نحو مصلحة الوطن وأبناءه وبناته، فهذا ديدن الأسرة الهاشمية الشريفة في كونها من الشعب وللشعب، وفي خندق الوطن وحوله وعلى زواياه وتكاياه، وهذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة في أن يكون سيد البلاد والأسرة الهاشمية الشريفة أول من يقدمون للوطن ويبادرون ويضحون، ولعل في هذا وقفات وقراءات يثير الحماس ومشاعر الأنتماء والولاء.
الوطن يمر بضائقات مالية واقتصادية وبطالة وفقر وشح موارد وتنكَر الشقيق قبل الصديق لمد يد الواجب للأردن الذي طالما كان مع أشقائه ولهم مدافعا ومنافحا وحاميا وعلى طاريء الطلب والنداء لأي خطب او ضيق، كما وأن الظروف الاقليمية والدولية التي نرى ونعاين ليست مبشرَة بأمل او ضوء في أي جزء من النفق، وهذا ماقد أشغل بال سيد البلاد تماما كما يشغل بال الكثير من الأردنيين الشرفاء، وكانت التوجهات والتوجيهات الملكية كشمس الظهيرة نقية واضحة في أن الوطن بحاجة لأن يقف مع نفسه ويعتمد على ذاته، وعلى كل من يتحمل المسؤولية ان يكون خادما لوطنه لا أن يركب ظهر الوطن، وكانت هذه الرسائل المتوالية تلقى الصدَ والتَنكر من كثير ممن أقسموا على حمل الأمانة، غير عابئين بما يمر به الوطن، ولسان حالهم يقولون لقائد الوطن اذهب أنت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون.
واليوم والوطن تخنقه عنق الزجاجة التي ماكان لها ذلك لو أن الكثير ممن وثق فيهم سيد البلاد وكلفهم وحملهم الامانة قاموا بما أقسموا عليه وتعهدوا به، وفي ظل هذا البعد عن أجندات الوطن الوطنية والتخندق في ترابه وله، ما كان من ابن البيت النبوي الشريف الاَ أن يضع الوطن كما كان دائما في عينيه وتحت ناظريه، وبادئا بأشقائه وأبناء عمومته ليكونوا أول من يضع لبنة في اعادة هيكلة أجهزة الدولة العسكرية قبل المدنية.
أمر الوطن وحاله وضائقاته وظروفه لاتعني سيد البلاد وأفراد الأسرة المالكة وحدهم، بل تعني كل من يعيش على هذه الارض وتحت سمائها ويعيش من خيراتها، والمسؤولون ومن يتحملون الأمانة والعهود بالولاء للوطن والملك بعد الولاء لله، مطالبون اليوم وليس غدا أن يكونوا على قدر العهد والوعد والأمانة وأن لايغردوا خارج سرب التوجهات الملكية، وأن يبدأوا خطوات على الارض والواقع للتشارك والتعاون في اعادة هيكلة أجهزتهم التي تخمت وفاضت عددا وكما بعيدا عن النوعية وعظم المخرجات متكلين فيها على مقدرات الوطن وميزانياته التي باتت في اصعب وأدق حالاتها، وقد قالها المغفور له باذن الله الملك الباني ان كثرة الزحام تعيق الحركة، فكيف بتضخم الاعداد التي اوقفت الحركة ودفعت بعجلتها للخلف، اللهم احمي وطننا وقيادتنا وابعد عنه شر المتربصين والعابثين والعابرين.