شذرات من مذكرات الجنرال تومي فرانكس

14 أغسطس 2022
شذرات من مذكرات الجنرال تومي فرانكس


صراحة نيوز  – بقلم  موسى العدوان

الجنرال الأمريكي تومي فرانكس هو قائد قوات التحالف الثلاثيني، الذي قام بالحرب على العراق في بداية عام 2003 وأسقط نظام حكم الرئيس صدام حسين. كانت الغاية من هذه الحرب التي أطلق عليها اسم  ( حرية العراق OPERATION IRAQI FREEDOM ) كما أقرها الرئيس بوش الأبن، انقاذ العراق من الحكم الدكتاتوري لصدام، ومنعه من استخدام أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.

وفي عام 2004 كتب الجنرال مذكراته في كتاب بعنوان ( جندي أمريكي( AMERICAN SOLDIER ، على اتساع 575 صفحة، تضمن قصة حياته، مذ كان طفلا وحتى أصبح جنرالا بأربعة نجوم، وقائدا لأكبر عملية غزو عسكرية في تاريخ العصر الحديث، تحت إمرة وزير الدفاع الأمريكي رامس فيلد.

وسواء غضبنا على الإثنين أو رضينا عليهما، إلا أن الحقيقة تفرض نفسها على القراء ودارسي التاريخ، وتسجل على صفحاته بأنهما صنعا تاريخا عسكريا أمريكيا، تدرسه الأجيال اللاحقة في مختلف دول العالم. في هذه الشذرات التي سأدرجها تاليا لن أتعرض لمجريات الحرب، وإنما سأذكّر بزيارات الجنرال فرانكس لبعض قادة الدول العربية قبيل الغزو، والتواصي التي قدموها له كما أوردها في مذكراته لنأخذ  العبرة والدرس مما حدث.

يبين الجنرال فرانكس تاليا فلسفته في قيادة الجنود قائلا: ” الجنرالات ليسوا معصومين من الخطأ، فالجيش لا يصرف الحكمة عندما يعلق النجوم على أكتافهم. وقيادة الجنود من قبل الجنرال، تعني أكثر من ابتكار التكتيكات وإصدار الأوامر. فقادة الألوية والكتائب والسرايا والفصائل، يعرفون قوة وضعف وحداتهم أكثر من الجنرال الذي يقودهم.

ولهذا على الجنرال الناجح، أن يصغي أكثر مما يتكلم، عليه أن يمتلك معلومات مميزة، ليستخدمها في القرارات الصعبة، وعليه أن يتحمل اللوم عنهم، بينما يحيل الثناء للآخرين. وعلى القطعات أن تثق بأن الجنرال يهتم برجالها ولا يغامر بأرواحهم، بل يقودهم بكل تفانٍ لإنجاز المهمة وتحقيق النصر.

في أواخر عام 2002 وأوائل عام 2003، قام الجنرال فرانكس بزيارات متعددة إلى منطقة الشرق الأوسط، التقى خلالها بقادتها واستمزج آراءهم في غزو العراق، ويقول عن تلك الزيارات ما يلي:

1. في أواخر سبتمبر عدت إلى الخليج، وكانت أولى توقفاتي في قطر، حيث التقيت برئيس الدولة الأمير حمد بن خليفه آل ثاني في قصره الفخم على شاطئ البحر، وتركزت محادثاتنا في معظمها على العراق حيث قال لي الأمير: ” لا يمكن الثقة بصدام “. وبعد أن سوى حطته على رأسه ومسّد شواربه قال: ” جنرال فرانكس، لديك الفرصة الآن لإنقاذ الشعب العراقي “. فأجبته: سيدي، الرئيس بوش لم يقرر بعد الحب على العراق، ولكنه إذا فعل سنكون مستعدين لها “.

2. انتقلت بعدها إلى الأردن، حيث التقيت الملك عبد الله الثاني في قصره بيت البركة في عمان. فقابلني مبتسما وتصافحنا ثم جلسنا على طاولة من الخشب الوردي، فبادرني بالسؤال مازحا: ” هل أحضرت لي مشاوي من تكساس؟ أنت دايما تعدني ولكنك لا تفعلها، إنني أحب تلك المشاوي “. سُرّرت لتلك الافتتاحية في الحديث.

وبتاريخ 8 نوفمبر 2002 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1441 والذي أكّد أن العراق لم يلتزم بقرار حظر أسلحة الدمار الشامل. فقال لي الملك: ” إذا وقعت الحرب علي أن أحمي مصالح شعبي، وأوكد لك أن هذه المصالح تتوافق مع مصالح الأمريكان، ويمكنك الاعتماد على الأردن “. فأجبته بأننا لن ننسَ الصداقة الأمريكية الأردنية.

3. وفي مساء يوم الثلاثاء من شهر يناير 2003 التقيت بالملك عبد الله الثاني في منزله بعمان، فقال لي: جنرال، وصلتني معلومات من مصادر موثوقة، وأعتقد أن العراقيين يخبئون أسلحة كيماوية وبيولوجية “. والأردنيون لديهم مصادر استخبارية موثوقة في العراق، وأنا أثق بهم وبكلام الملك “. شكرت الملك وغادرت منزله متوجها إلى الفندق، حيث مررت هذه المعلومات إلى رامسفيلد.

4. وفي اليمن، قابلت الرئيس علي عبد الله صالح في قصره الذي يبدو أقل فخامة من قصر الملك عبد الله الثاني (البَرَكة). وقد أخبرني في آخر زيارة لي إلى صنعاء، أنه كثيرا ما يتحدث إلى صدام، وهو يسألني دائما عن الجنرال فرانكس. فقلت له آمل أن تكون قد أبلغته بأنني عسكري عظيم، وعليه أن يثق بهذا.

أضاف الرئيس صلح قائلا: عليك يا جنرال فرانكس أن تكون حذرا إذا أردت أن تهاجم العراق، فصدام لديه قوات قوية جدا. فأجبته، أعرف أن قواته قوية جدا ولكن استخباراته سيئة. وإذا ما تقررت الحرب فمن الممكن أن أهاجمه من الغرب أو من الشمال، فكلا الأردنيين والأتراك هم أصدقاؤنا كما تعرف.

وبعد أن تناولنا القهوة، قال لي الرئيس صالح: هل لديك رسالة ترغب أن أوصلها لصدام؟ فقلت: لطفا ابلغه أنني رجل حازم عليه أن يعرفني جيدا، وعليه أن يتعاون مع الأمم المتحدة فورا إذا كان يحب شعبه.

5. وفي مصر، الرئيس حسني مبارك كان صديق لنا كالعادة، ولكنه كان قلقا من بناء قواتنا العسكرية والتوتر في العراق. فانحنى إلي وتحدث بلغة انجليزية واضحة ومختارا كلماته بدقة: جنرال فرانكس، عليك أن تكون حذرا جدا جدا، لقد تحدثنا مع صدام، أن رجل مجنون، فلدية أسلحة دمار شامل حقيقة، وسيستعملها ضد قواتك. وبعد ساعة مررت هذه المعلومات إلى وزير الدفاع رامسفيلد، من خلال سفارتنا في القاهرة. 

واليوم وبعد ما يقارب العشرين عاما من تلك الحرب المشؤومة، نتساءل: هل تم العثور على أسلحة الدمار الشامل في العراق؟ هل تحققت حرية العراق؟ أم دمرت معظم مقومات الدولة؟ وخُلقت الفتنة بين مكونات الشعب العراقي؟ وانتشر الفقر والبطالة في هذه الدولة العظيمة، التي كانت سندا للأمة العربية.

لقد نفذ أعداء الأمة أهدافهم المشبوهة، بمساعدة بعض قادة الأمة مع الأسف الشديد، ففقدت هيبتها ومكانتها اللائقة بين الأمم، وأصبحت تتسابق على الارتماء في أحضان العدو بكل رخص وإذلال، لكي تصنع نهايتها المحزنة بإرادتها وبفعل قياداتها المعادية لأوطانها. 

الاخبار العاجلة