صفقة القرن وردود الفعل المطلوبة . . !

30 يناير 2020
صفقة القرن وردود الفعل المطلوبة . . !

صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان

بعد طول انتظار، انطلق الدخان الأسود من سقف البيت الأبيض، حارقا كل ما تحته من آمال، في الوصول إلى سلام عادل وشامل، بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فبعد ما يقرب من 45 عاما من المحادثات والاتفاقات التي شاركت بها بعض الدول العربية، إلا أن نتائجها كانت متواضعة. لقد كان منظرا معيبا عندما وقف ترامب رئيس أعظم دولة في العالم، في مؤتمره الصحفي في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي، وإلى جانبه نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل، الذي أملي على ترامب إرادته ورغبته، في تحقيق مصالح وأمن إسرائيل.

صحيح أنه تم الإعلان في المؤتمر الصحفي عن حل الدولتين كما طالب به العرب. ولكن الدولة الفلسطينية المقترحة ظهرت كدولة شكلية منزوعة الدسم، تحمل المواصفات المعلنة التالية : لا سيادة للسلطة الفلسطينية على أراضيها، مناطق الحدود والمعابر تحت السيطرة الإسرائيلية، لا جيش ولا مطار ولا تواصل بين أجزاء الدولة الفلسطينية إلا من خلال الجسور والأنفاق، قضايا الأمن تتولاها إسرائيل، القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ولا عاصمة لفلسطين في القدس الشرقية، لا سيطرة للفلسطينيين على المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية، لا اعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين، ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة. فهل يمكن بعد فرض هذه المواصفات، وصناعة هذا الأرخبيل الهش متقطع الأوصال، أن يشكل دولة فلسطينية مستقلة ؟

لقد كانت ردود أفعال الدول العربية بما فيها السلطة الفلسطينية، تجاه هذه الصفقة المشؤومة دون المستوى المطلوب. فبعضها وافق على الصفقة بلا تحفظ، والبعض الآخر أصدر بيانات خجولة وغامضة، تدعو إلى التروي ودراسة المقترحات الواردة في الصفقة. أما بالنسبة للسلطة الفلسطينية، فقد أعلن رئيسها محمود عباس رفضه لها، كما جرى من رفض قرارات سابقة، ولكنه بقي متربعا على كرسي الرئاسة.

كان من الأولى بالدول العربية لو صدقت النوايا، أن ترفض الصفقة من حيث المبدأ، وأن تدعو لعقد مؤتمر قمة طارئ، لبحث خطة الردّ على هذه الصفقة السيئة، التي تجاهلت الحقوق العربية والفلسطينية. وأن تعمل على إعادة النظر بالاتفاقيات المعقودة مع الإسرائيليين، ومحاولة إيجاد حلفاء جدد بعد فشل الصداقة مع الحليف الأمريكي.

كان على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يخلط أوراق اللعبة ويقدم استقالته فورا، وتشكيل رئاسة سلطة فلسطينية جديدة، تعمل على توحيد الفصائل الفلسطينية، وتنتهج سياسة أخرى تتحول بها إلى المقاومة المسلحة. لأن سياسة المقاومة السلمية التي اتبعها سيادته طيلة العقدين الماضيين، كانت وبالا على القضية وعلى الشعب الفلسطيني. ولنا في الانتفاضات الفلسطينية السابقة، التي أقضت مضاجع الإسرائيليين، دروسا وعبر يمكن الاقتداء بها.

لقد جُرّبت كل الحلول السلمية، منذ عقد السبعينات وحتى الآن، ابتداء باتفاقية كامب ديفد مع المصريين، ومرورا بمحادثات مدريد مع الأردنيين والفلسطينيين، وباتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين منفردين، وأخيرا باتفاقية وادي عربة مع الأردنيين. وهذه جميعها كانت مصحوبة بوعود السمن والعسل على الأمة العربية. إلاّ أنها حصادها كان فشلا ذريعا ومضيعة للجهد والوقت.

ورغم الاعتراضات التي كان يبديها بعض السياسيين والناشطين الوطنيين، عن عبثية تلك المحادثات والاتفاقيات، إلاّ أن المسئولين المعنيين، اتهموا أصحابها بالجهل ومحاولة تخريب مسيرة السلام. ثم ردوا على تلك الاتهامات بلاءات متكررة ورفض قاطع لادعاءاتهم. وها نحن نقطف نتائجها المحزنة. في هذه الصفقة الخطيرة والتي جرى التحذير منها مرارا في السابق، قدمها الرئيس الأمريكي اليوم للعرب، على طبق إسرائيلي يحمل القهر والظلم.

وهنا أتساءل : ماذا بقي لأمتنا العربية، وكيف يمكن أن تدافع عن حقوقها وكرامتها، بعد كل ما مارسته الولايات المتحدة الأمريكية ضدها عبر عقود ؟ أعتقد أنه لم يبقَ علينا كعرب، إلاّ الاعتماد على الذات، والقرار على أي من الطريقين سنسلك ؟ طريق الاستسلام للقدر وانتظار ما يفرضه علينا الآخرون، أم الثأر لكرامتنا وانتزاع حقوقنا، من خلال توحيد جهودنا، وإطلاق عمليات المقاومة الفعّالة داخل الأرض المحتلة، ضد عدو متغطرس لا يعرف إلاّ لغة القوة. وهذا ما فعلته الشعوب الحية، فحققت حريتها ونالت استقلالها.

التاريخ : 29 / 1 / 2020

الاخبار العاجلة