صراحة نيوز – بقلم عوض ضيف الله الملاحمه
شَعبُ الجبارين ، شَعبٌ عظيم ، لا يَكِل ، ولا يَمِل ، ولا يَيأس ، ولا يَستسلم ، ولم يَعُد يَعبأ بالحزن ، ولا بِفَقْدِ الأحبة ، مَاكِينة الشهادة عندهم لا تعرف التوقف ، ولا الإستراحة ، لدرجة أنك لا تَرى المَكْلُوم مَهْمُوم ، ولا السجين حَزين ، ولا الفقير مَقهور ، حتى الضَرير يتصرف كأنه بَصير .
الشعب الفلسطيني العظيم يواجه وبكل شجاعة العديد من الإبتلاءات ، ولا يَضعُف ، وكأنه يتحدى الإبتلاء ويقول : هاتِ ، هاتِ مزيداً من القَهر ، سَنُقابِله بالصَبر . أعظمُ إبتلاء طَالهُم من الصهيونية البغيضة ، المُتغطرسة المُحتلة التي إحتلت الأرض ، ودَنسَت العِرض ، ومع ذلك ما عَبئوا ، وما زالوا يُناضلِون ، ويُقدِمون كواكب الشهداء ويزفونهم بالزغاريد والأهازيج ، كأنهم عرسان . لكن مُصيبتهم الكبرى ، التي أضعفتهم ، وغَيرتهم ، ودَجنت الكثير منهم ، وحَرفَتهُم عن نهجهم الأعظم للتحرر والتحرير ، تَكمُن في العُملاء منهم ، وعملاؤهم نوعان ، نوع من الناس البسطاء ، وهذا الصِنف رغم خطورته ، الا ان تأثيره محدود ، مُقابِل العُملاء الذين تَسنموا مقادير القضية الأعدل ، الذين عمِلوا على تغيير النهج ، وأطفأوا جذوة التضحية ، وحَرَفوا البوصلة ، وحَرّموا الجِهاد على العِباد بطرق فيها خبث ودهاء ، وبأساليب غير ظاهرة للعامة ، ولا يعرِفها الا الخاصة المُتابعين بوعي للنهج المُتبع .
هذا الشعب العظيم ، لا يَكِل ولا يَمِل في إبتداع أساليب قَهر الاحتلال وإفشال خططه ، والإنتصار لقضيته ، فقفز فوق القضبان ، واثبت انه إنسان ، يُصِرُ على إثبات وجوده . لا يمكنني حصر أساليبهم الإبداعية في تَخطي العوائق والعراقيل العديدة التي يضعها الاحتلال في طريقهم لِشَلِ حياتهم اليومية .
اليكم هذه القصة العجيبة ، الغريبة ، المتفردة التي لا تخطر على بَالِ بَشر . إعتقلت سلطات الاحتلال البغيض المناضل / صلاح حسين ، من قرية بيت دقو ، وزجت به خلف القضبان ، وغاب عن الأنظار في غياهب السجون ، وحُكم عليه بالسجن (١٥,٥ ) عاماً ، وقبل سجنه كان قد عَقد قِرانه على احدى الفتيات الفلسطينيات عام ٢٠٠٤ . جلس صلاح مع نفسه ، وحسب حسبته ، وتَطوف داخل دماغه ، حاسباً سنوات السجن الطويلة الكئيبة ، وانه سيخرج وعمره كذا ، وسوف يُزف الى عروسه بعد فترة كذا ، ومتى سَيُنجب طفلاً وتتكحل عيونه برؤيته ، وما ان يَشِب الطفل ، يكون الأب قد شَابَ ، وبلغ من العمر عِتِيا . ففكر ونفذ دون تردد فكرة جهنمية عبقرية لم تَدُرْ في خُلد احدٍ بالمرة ، وبعد اخذ رأي الشَرع ، وكل ذوي العلاقة من عائلته وعائلة خطيبته ، قرر ان يعمل عكس العادات المألوفة ، حيث تتم الخطوبة ، ثم الزواج ، وبعده الإنجاب . قام بتهريب نُطَفِهِ الى خارج السجن الى خطيبته / شيرين نزال ، ليتم التلقيح بشكل طبي صناعي . ونجحت الفكرة ، وحَملت الخطيبة ، وأنجبت ذكراً ، سُمي / علي ، وكانت تُحضِره أمه المخطوبة ليرى أباه خطيب أُمه خلف القضبان . ومرّت السُنون ، وشبّ الطفل/ علي ، وغزا الشيب رأس خطيب الأم والد علي . وأتى يوم الفَرج والفَرح بالإفراج عن صلاح ، وأتت الليالي المِلاح ، وأقيمت الأفراح ، وزُف صلاح الى خطيبته للمرة الأولى بحضور إبنه علي ، وكان عمر علي بحدود ال (٨ ) أعوام ، وحضر علي حفل زفاف والده على أمه ، اللذين أنجباه ( بالمراسلة او on line ) . يَعتبِر صلاح أنه تحدى السِجن والسَجان ، وأنجب طِفله وهو داخل السجن ، حيث تزوج وأنجب عن بُعد . وبعد ان أنجبا طفلهما علي ، ها هما قد تزوجا .
هل سمع احد من قرائي الكرام عن هكذا قصة !؟ هل حصل ان سمع أحدكم عن طفل بهذا العمر يحضر زفاف والديه !؟ هذا هو شعب الجبارين ، شعب فلسطين .
لا أخاف عليكم ، إلاّ من بعضٍ مِنكم ، لكن لا ضَير ، فتحدياتكم بقدر عزيمتكم الصلبة الراسخة الأكيدة العظيمة التي إمتهنت واحترفت ، واخترقت كل المجهول الى المعلوم وانتصرت . أرفع عِقالي إحتراماً ، وأرفع يديّ مُوجهاً جَبهتي الى القِبلة ، مُتضرعاً الى رب العِزة الجليل العظيم ان يُنْفِذَ وعده ، بِنصرِكم ، وقَهرِكم الأعداء والعملاء . وأختمُ بابياتٍ للشَاعِر / كامل شهوان :-
يا وطَني الجَريحْ ../ أما آن لكَ ان تَستريحْ !؟ / لم نَعُدْ نَسْتَطيعُ ان نرَاكَ مُكبلاً .. / وكأنكَ جَسَدٌ مَريضٌ في الفِراشِ طَريحْ .. / أنتَ عِزُّنا وكَرامَتُنا يا وطَنْ .. / ونَحنُ شَعبُكَ الذي يُحِبُك ، شَعبُ الجَبارِينْ .. / ويَا جَبَلْ ما يهِزَكْ رِيحْ ..