صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
في ندوة عقدتها كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية مطلع هذا الشهر، تحت عنوان : ( الإشاعة بين الجهل والتبعية )، تحدث معالي العين حسين المجالي حول هذا الموضوع قائلا وأقتبس : ” إن مطلقي الإشاعات يسعون إلى تحقيق مآربهم من خلال الحدث وركوب الموجة الجامحة. فهم من ناحية يركزون على مشاعر الأفراد، ومن ناحية أخرى يستغلون الجهل وقلة الوعي لدى بعض أفراد المجتمع، والذين قد يتناقلون هذه الأخبار دون تثبّت أو تأكد.
إن محاربة الشائعات مسؤولية المجتمع بكافة مكوناته، و خطورة الشائعات تهدف إلى زعزعة ثقة المواطن بأخيه وبالحكومات وبالمسؤولين، وتصبح كالأكلة تنحر جسم الوطن من الداخل، فيصبح هشا ضعيفا ينتهي مع أقل طارئ. إن قسوة الإشاعة تأتي لارتباطها بالتأثير على الروح المعنوية للفرد والمجتمع. ولذلك نحن بحاجة إلى تعزيز ذاتنا الوطنية في مواجهة الإشاعات وخطاب الكراهية “. انتهى الاقتباس.
وليسمح لي معاليه بمناقشة بعض ما ورد في محاضرته. إبتداءا بتعريف الفرق بين الشائعة والإشاعة قبل الدخول في صلب الموضوع. فالشائعة هي أقوال أو أخبار أو أحاديث يختلقها البعض لأغراض خبيثة، ويتناقلها الناس بحسن نية دون التثبت من صحتها أو التحقق من صدقيتها. أما الإشاعة فهي تضخيم للأخبار الصغيرة وإظهارها بصورة تختلف عن صورتها الحقيقية. بمعنى أنها موجودة ولكن يجري تعظيمها وتهويلها أكبر مما هي في الحقيقة.
ورغم أنه جرى الخلط بين عنوان المحاضرة وموضوعها، إلا أن النتيجة بمجملها تصب في هدف واحد وهو تضليل الجمهور وطمس الحقيقة. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة : ما هو سبب انتشار الشائعات أو الإشاعات ؟ والجواب البديهي الذي لا يحتاج إلى تفكير عميق، هو أن هناك أربع أسباب رئيسية هي : غياب المعلومة الصحيحة، سوء أداء الإعلام الرسمي، انتشار الفساد، وفقدان الثقة بالحكومات المتعاقبة من قبل المواطنين.
فغياب المعلومة الحقيقة وعدم الشفافية، يفسح المجال واسعا للشائعات والإشاعات، رغم تصريح وزيرة الإعلام بإنشاء منصة إلكترونية إعلامية، كي تجيب على تساؤلات المواطنين. إلاّ أنها لا تؤدي الغرض المطلوب، ولا يتمكن الكثير من المواطنين الوصول إليها، فيبقى الغموض يلف القضايا التي تهم المواطنين دون معرفة الحقيقة.
أما سوء أداء الإعلام الرسمي، فيتمثل غالبا بردود أفعال الحكومات المتأخرة والمرتبكة، في مختلف الحوادث التي وقعت في البلاد، سواء كانت كوارث طبيعية أو حوادث أمنية. وقد جري تسويقها على الشعب بروايات متناقضة تفتقر إلى المصداقية. ولهذا انتشرت في الأوساط الشعبية مقولة : إذا أردت أن تعرف أخبار الأردن الحقيقية، فالجأ إلى وسائل الإعلام الأجنبية.
وفيما يتعلق بالفساد، الذي تغلغل في معظم مفاصل الدولة، بأشكال مختلفة مالي وإداري واستغلال وظيفي، فقد كان التعامل معه بصورة انتقائية، شملت بعض الفاسدين الصغار بينما تم التغاضي عن غيرهم من كبار الفاسدين، لا بل جرى تسهيل هروب البعض منهم في وضح النهار.
وبالنسبة لفقدان الثقة بالحكومات، فهو عائد لسوء اختيار الوزراء، الذين عجزوا عن القيام بمهام وظائفهم بصورة مقنعة وفشلوا في التواصل مع المواطنين في شرح خططهم ومشاريعهم وبيان النتائج التي أسفرت عنها. لقد أوضح جلالة الملك عبد الله الثاني في خطاب العرش بتاريخ 14 / 10 / 2018 عدم رضاه عن أداء الحكومات بقوله :
” من خلال متابعتي اليومية لقضايا الوطن والمواطن، وجدت حالة من عدم الرضا عن آليات التعامل مع بعض تحديات الحاضر. فالأردن مثل غيره من الدول شابت مسيرة البناء والتنمية فيه بعض الأخطاء والتحديات، التي لابد أن نتعلم منها لضمان عدم تكرارها ومعالجتها لنمضي بمسيرتنا إلى أمام. وعدم الرضا هذا مع الأسف، ناتج عن ضعف الثقة بين المواطن والمؤسسات الحكومية، والمناخ العام المشحون بالتشكيك الذي يقود إلى حالة من الإحباط والانسحاب “. وهذا ما يوضح الحالة بأجلى صورها.
ولعلّي أذكّر معاليه بأن الشعب الأردني ليس جاهلا، ولا ينقصه الوعي، ولا تنطلي عليه الأخبار الكاذبة، بل هو مثقف ويعلم دقائق الأمور التي يجهلها معظم المسؤولين في مؤسسات الدولة. فمحاربة الشائعات التي تفضل معاليه بتحميلها للمجتمع، هي في الحقيقة مسؤولية الدولة قبل أن تكون مسؤولية المجتمع، والتي عليها أن تقوم بتطبيق النواحي التالية :
العودة لدستور عام 1952 مع إجراء بعض التعديلات عليه، بما يناسب الوضع القائم، مع مراعاة الفصل بين السلطات، وتلازم السلطة مع المسؤولية.
صياغة قانون انتخاب عصري، يفرز مجلس نواب وطني وفعّال دون تدخل خارجي في انتخابه أو عمله.
تشكيل حكومة وطنية تضم مسؤولين أكفاء يؤمنون بتراب الأردن، ولا يشترط أن يكونوا من حملة الشهادات الأجنبية.
وجود جهاز إعلام مهني يتولى نشر التربية الوطنية، وتوعية الجيل الجديد بما يدور على الساحة من أحداث، ويصدقهم القول بكل ما يتعلق بقضايا الوطن.
بناء الثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب، من حيث الاهتمام بقضاياهم وتخفيف أعباء الحياة عليهم.
تفعيل دائرة مكافحة الفساد وإطلاق يدها في كشف قضايا الفساد الكبيرة والصغيرة وتحويلها إلى القضاء، دون تدخل خارجي.
إن تطبيق النقاط الواردة بأعلاه، هي التي ( تعزز ذاتنا الوطنية في مواجهة الإشاعات وخطاب الكراهية ) التي تحدث عنها معاليه، وليس قانون الجرائم الإلكترونية الذي سيكمم الأفواه، أو اعتقال شابّ كتب كلمة عابرة لا قيمة لها، أو كشف قضية فساد ينخر في جسم الدولة. وفي هذه الحالة سوف لن تجد من يتناقل الإشاعة أو يروّج، بل ستجد جميع أبناء الوطن منخرطين في العمل والبناء، بتنافس شريف بعيد عن مناخ التشكيك كما يُقال.
التاريخ : 6 / 11 / 2018