صراحة نيوز – بقلم حاتم الكسواني
عندما نعود بالذاكرة لتاريخ الصناعة الأردنية فسنجد انها تأسست بالمشاريع الكبرى كالمشاريع الإستخراجية الفوسفات والإسمنت والبوتاس والتحويلية مثل مصفاة البترول والحديد والصلب والغزل والنسيج والبطاريات السائلة وصناعات تصنيع المعدات وتشكيل المعادن لمختلف الإستخدامات وغيرها من الَمشاريع التي تضيق ذاكرتنا عن إستحضارها.
وكان المواطن الأردني يعتز بصناعاته الأردنية خاصة بعد أن بدأت تدخل إلى منزله بجودتها ومزاياها المنافسة بالسعر وتوفر قطع الغيار وتوفر عنصر الإستدامة على شكل صناعات هندسية وكهربائية وكيميائية وغذائية مثل الثلاجات والغسالات وأجهزة التلفزيون و مواسير المياه المعدنية والبلاستيكية واسلاك الكهرباء والمنظفات المنزلية والصوابين والمعاجين مختلفة الإستخدامات وعدد كبير من المنتجات الغذائية من البان واجبان وأنواع مختلفة من البسكويت والمعلبات… وغيرها .
ولكن أمرا ما طرا على أسواقنا فدخلت اليه كل أنواع المنتجات الأجنبية المنافسة التي ابعدت من السوق كثير من منتجاتنا التي كانت مصدر عزنا وفخارنا لدرجة ان المرحوم على الدجاني مدير غرفة صناعة عمان أصدر نشرة شهرية تعنى بالصناعة وقد روسها بعبارة آمنا بها تقول :
” الصناعة وسيلة الشعب المتطلع إلى العزة”
لكن الأمر الثابت بأن عديدا من حكوماتنا المتعاقبة قد اضرت بالصناعة بوعي او دون وعي وذلك بعدم تقييمها الفوائد الوطنية الجمة للصناعة تقييمها حقيقيا وموضوعيا بالنظر إلى ما توفره الصناعة من حيوية للدورة الإقتصادية للقطاعات المرتبطة بها والمتعاونة معها وللإقتصاد الوطني عامة من خلال ماتقدمه له من فوائد، وبعيدا عن منطق النظر لأرباح الصناعيين والتشدد معهم من منطق انهم يربحون ولا بد أن يدفعوا .
وقد وقع الأردن كثيرا من إتفاقيات التجارة الحرة واتفاقيات التعاون والتبادل التجاري البيني المشترك غير المتكافئة مع دول صديقة وشقيقة،. اضرت بتنافسية الصناعات الوطنية الأردنية بدلا من أن تخدمها ،كما وقع اتفاقيات بيئية تضمنت بنودا خاصة بالتعاون البيئي والتنمية المستدامة وذلك في مجالات التصحر وحماية البيئة البحرية والإدارة المائية والنفايات واستخدامات الطاقة ومنع التلوث الصناعي والراعي ، وهي التزامات ادت إلى إغلاق بعض الصناعات العريقة في المملكة التي كانت تستخدم عناصر ملوثة وسامة كمواد أولية تدخل في تصنيع منتجاتها بينما كان الأمر يقتضي مساعدة هذه الصناعات على تغيير خطوط إنتاجها بخطوط انتاج آمنة مطابقة للمواصفات العالمية وتلبي متطلبات الإتفاقيات الموقعة مع المنظمات الدولية.
وجردت الحكومات الأردنية المتعاقبة الصناعات الوطنية من كل عناصر الحماية التي قدمت لها خلال آخر ثلاثة عقود من نهاية القرن الماضي والتي شكلت عنصرا هاما من عناصر قدرتها التنافسية، فتراجعت أوجه الحماية من حماية إغلاقية وتامة إلى حمايات الكوته فالجمركية إلى أن تلاشت تماما في الوقت الذي عادت فيه أكبر الدول الإقتصادية إلى إتباع أساليب الحماية التي تحمي منتجاتها من منافسة السلع الأجنبية.
ومع توالي رفع الحكومات لاسعار الطاقة والمياه وأنواع الضرائب المختلفة على الصناعة فقد تجردت الصناعة من كل عناصر قدرتها التنافسية الأمر الذي يدعونا للقول بأن اي تفكير لدعم الصناعة الوطنية يجب أن يرتكز على أرضية شراكة حقيقية مع الحكومة قائمة على ترميم السياسات الحكومية في منطق تعاملها مع الصناعة، بحيث يتم الإتفاق على إقرار جملة من الإجراءات وإتخاذ مجموعة من القرارات التي من شأنها أن تعيد للصناعة القها وتمنحها عناصر القدرة التنافسية في السوق المحلي والسوقين الإقليمي والعالمي، فالحكومات وحدها من يقر السياسات ويصدر التشريعات ويرسم الخطط والرؤى التنموية للقطاعات الإنتاجية بما فيها القطاع الصناعي ، ولا تطور للصناعة دون أن تشكل الحكومة رافعة إقتصادية لها من خلال تبسيط الإجراءات وتقديم التسهيلات والحوافز وأسس التطور والقدرة التنافسية .
كل ما نرغب به أن نشهد ثورة صناعية في بلدنا تعتمد فيها الصناعات على بعضها البعض بصورة تكاملية فتكون المنتجات الزراعية مواد خام للمنتجات الغذائية ، وتكون الصناعات الإستخراجية مواد خام لمنتجات تحويلة جديدة… وهكذا دواليك.
ولا نريد إختفاء أي صناعة تنشأ في أسواقنا نتيجة سياسات خاطئة او سوء إدارة كصناعة البطاريات السائلة والزجاج والدباغة والغزل والنسيج والسيراميك وكثير من المنتجات الهندسية.
كما نرغب ان تأخذ الحكومة وغرف الصناعة بيد صناعاتنا القائمة لرفع جودتها وقدراتها التنافسية والتسويقية والتصديرية ورفع حصتها في السوق المحلي والأسواق التصديرية .