صراحة نيوز – بقلم عبد الكريـم فضلـو عقـاب العـزام
اهتدى إلى طريق الجنة والله أعلم…
الحديثُ عن هذا الطبيب الإنسان، الملائكي بطبعـه وخلقــه، الزَّاهد بالدنيا وعرضها الزائل، الراغب عن المال في زمن ٍ تركع له الجباه، وتذلَ له النفوس، الذي جعل حياته كلَها ومنذ تخرَجه من الجامعة وقفاً على الفقراء والمساكين، لا يبحثُ عن شيء، ولا يلتفت إلى شيء، ولا يطلبُ شيئاً سوى إدخال الفرحة والسعادة إلى قلوب الفقراء بعلاجهم بمبلغٍ مجانيٍّ بدأه (بنصف دينار) وأنهى حياته به ، يأخذها مِمَّن معه حتى لا يشعر الفقير أنَّه جاء مُستجدياً، وحتَّى يعود الفقراء إلى بيوتهم وأيديهم ترتفع الى السماء بالدعاء أن يرضــى الله عليــه وأن يحشُــره مع النبييـــن والصّديقيـن والشُّهـداء، ويُنعـِم الله عليه برُؤية وجهه يوم القيامة.
الدكتور رضوان السعد:
بدأ حياته المهنية عندما كان بعض أقرانه من الأطباء وأصحاب المهن الأخرى يجمعون المال بجشع ونَهَـم، ثم يُتاجرون بما يجمعون من مال بالعقار وأنواع التجارة الأخرى حتى أصبحوا اليوم من مالكي الملايين.
أمَّا الدكتوررضوان السعد فلم يمش على طريقهم لأنَّ الله أعطاه نفساً ملائكية غير نفوسهم ومنحه مشاعر الزاهدين الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه.
إذا زُرت عيادته كنت تجد النساء والأطفال والعجزة مصطفِّين أمام عيادته، منهم من يضع بيد ابنه كسرة خبز ومنهم من يسير على الأرض حافياً.
يدخلون إلى عيادة الدكتور رضوان فيُجلسهم ويتفَّحصهم جيداً ويُعطيهم ممَّا يتوافر عنده من علاج مجَّاني، ليخرجوا بعدها وألسنتهم تلهج بالدعاء له.
عاش الدكتور رضوان السَّعد كُل حياته على هذا المنوال وكان في كل يوم ترق أحاسيسه أكثر، وكان في كل يوم ربما يكشف الله عن بصره وبصيرته فيزيد عطاءً وسخاءً، وكأن الله ألهمه إلى هذا، وزاده إلهاماً بمقدار ما نال عنده من الرضا.
مات الدكتور رضوان السعد ، مات، مات، مات.
ولكن السؤال الآن من يَخلُفك يا دكتور رضوان؟
أيَخلُفك الأطباء الذين لا تدخل عيادتهم بأقل من خمسين ديناراً أجرة الكشفية فقط؟
أم يَخلُفك من يأخذ على الكشف المرضي أربعين ديناراً أو عشرين ديناراً لأقلهم ؟
أيَخلُفك يا دكتور رضوان الصيادلة الذين نصف أدويتهم بالمجان إمَّا بالمجَّان أو بأسعار رمزية ويبيعونها بأسعار خيالية يعجز عن شرائها متوسطو الدخل فكيف بالفقراء؟
أيَخلُفك أصحاب الملايين والمليارات الذين أصيبت بطونهم بالجرب فلا يشبعون؟ يكنزون الذهب والفضة لتكون ناراً عليهم فوق نار جهنم وإذا رأوا الفقير والمحروم ،الحافي والعريان،الجائع والمريض، هزئوا به وتندَّروا عليه واذا قصد بيوتهم أو شركاتهم يطلب من مال الله دفعوه على ظهره بعصا حتى لا تلمس أيديهم ثيابه.
عشت يا دكتور رضوان كما يعيشون وأفضل ممَّا يعيشون؛ تأكل مثلهم لا بل أفضل، وتشرب مثلهم وأفضل منهم، وتتنفس مثلهم وأفضل منهم بكثير ، وأنت الآن فوقهم وستكون ان شاء الله فوقهم يوم القيامة مسافة مليارات السنين الضوئية، تكون في أعلى علِّيِّين في الوقت الذي تراهم يتعذَّبون بنار ما تركوا وأورثوا من مال لم يؤدوا حق الله فيه ولم يؤدوا حق الفقراء وعيال الله فيه.
هَنِئت يا دكتور رضوان في الدنيا برضا النفس وصفائها وقربها من الله، والآن تهنأ روحك بما وجدت في برازخ الآخرة.
هنيئا لك يا دكتور رضوان، وأنت تسن هذه السُّنَّة الحسنة من التضحية والعطاء وترجمة تعاليم دينك ومبادئك إلى سلوك يعادل سلوك الملائكة وان أجرك عند الله قد يفوق أجر بعض الملائكة ان شاء الله لأن الملائكة لم يخضعوا لامتحانات الدنيا وزينتها وأنت خضعت لها وإن شاء الله كنت وستكون من الفائزين.
وأخيراً أقول لكل أصحاب المهن ولكل أصحاب الملايين ، تذكَّروا أنَّ الحياة زائلة وأنَّ الأعمار قصيرة وأنَّ كل ما يُجمع من مال يتركه الإنسان خلفه ولا يخرج من الدنيا إلا بكفن لا يزيد ثمنه عن عشرة دنانير، وتبقى الملايين، وتبقى العقارات، ولا يستفيد منها الميت إلا ما قدَّم لنفسه عند الله، وما ترك بعده من أثرٍ طيِّـبٍ، وعملِ خيرٍ وسُمعةٍ يشهد بها العباد وحسنة تسجل له عند الله سبحانه.
يا أصحاب الأموال إذا كنتم تتسابقون اليوم على جمع المال في الدنيا، وتكِدُّون وتسهرون عليه، وتتنافسون فيما بينكم من يكون الأكثر مالاً وجاهاً، اعلموا أنَّ مشروعكم هذا فاشل واذكروا دائماً أنَّ المُنافسة والتسابق على من يقترب أكثر من رضا ربه، ومن يرضي الله بالشفقة والمحبة والإنفاق على عيال الله.
( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )