عدة عصافير وحجر واحد القبلية والعشائرية

صراحة نيوز – بقلم العميد المتقاعد زهدي جانبية

هناك اعتقاد سائد لدى البعض ان القبلية هي ميزة اثنية مرتبطة بالعرب، والبعض يعتبر هذا الاعتقاد ميزة يفتخر بها بينما يراها البعض الاخر مثلبة يجب الخلاص منها. ولكن اي باحث بسيط في هذا الشأن سيجد ان القبلية مرتبطة بالبشر كافة منذ بدء الخليقة، وهي منتشرة بكل انحاء العالم، منها ما اندثر وانتهى من الوجود ومنها ما هو باق. ومع ذلك يأتيني (صديق) على صفحتي بالفيسبوك يستأذنني في نقل موضوع من صفحتي الى صفحته، لاتفاجأ عند اطلاعي على صفحته بانه نقل المقال كاملا باستثناء عنوان المقال، ولم ينقله الا لانه مثل شركسي يقول (لا تعد زوجتك بجلد الدب قبل ان تصيده … وتكملته: ولا تركن على صديقك وتهجم على الدب. (كمثال على اوكرانيا واصدقائها).

وتعرف القبيلة في قاموس وبستر بانها: جزء سياسي للشعب الروماني يمثل في الأصل إحدى القبائل الثلاث الأصلية لروما القديمة، اللاتين والسابين والاتروسكان.
وتعرّف القبيلة بأنها “تقسيم سياسي و/او اجتماعي مستقل لسكان بثقافة و/او لغة و/او جغرافية مشتركة، ولكن الجغرافية هنا تعبر عن فضاء نفوذ اكثر مما تعبر عن حدود”. وهي جماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى أو اسم حلف قبلي يعدّ بمثابة جد، وتتكون من عدة بطون وعشائر. ولهم تضامن مشترك (أي عصبية) ضد العناصر الخارجية على الأقل. وعادة ما يكون لها قائد معترف به. وفي لغة العرب تقسم التجمعات الانسانية الى: الشعب، القبيلة ، العمارة، البطن، الفخذ، العشيرة، الفصيلة، الخامس، الأسرة. ولكن حركات هجرة القبائل، سواء أكانت طوعًا أو كرهًا جعلت هذا الترتيب غير مستقر، فذابت البطون والأفخاذ، وقلما استخدمت مصطلحات العمارة والفصيلة، وصارت وحدة العشيرة أكثرها شيوعًا بل صارت تستخدم لتغطي معنى القبيلة أحيانًا بعد أن أصبح هناك خلط شديد بين المقصود من البطن أو الفخذ.

القبلية الشركسية:
تعود اصول القبائل الشركسية التي سكنت شمال القفقاس وسواحل البحر الاسود وسواحل بحيرة ميؤوت Meot Lake (بحر ازوف) الى ستتة الاف سنة مضت، من زمن الحثيين ويعتبروا اقدم سكان اصليين في القفقاس في يومنا هذا.
ويمكن اعتبار الشراكسة آخر القبائل المنظمة في العالم، وهي القبائل التي ما زال لديها علما قبليا يمثل قبائلها وعشائرها ، وقانونا عشائريا صارما يحكم سلوك افرادها يسمى (الاديغا خابزا) (Adiga Khabza) (Адыгэ Хабзэ) وهي منظومة القيم الأخلاقية والإجتماعية القبلية الشركسية التي يعيش الشركسي بها ، ولا يدرسها بل يتعلمها عملياً في جامعات الحياة وهي جملة القوانين والأنظمة الاجتماعية وغير الاجتماعية بالإضافة إلى منظومة القيم الأخلاقية المتعارف عليها.
ودون الدخول بالتفاصيل التاريخية للقبائل الشركسية العريقة وما تعرضت له الامة الشركسية من حروب ابادة تسببت في ابادة قبائل شركسية باكملها الا ان هذه الامة المجاهدة والمدافعة عن حياض الاسلام تمكنت من ان تهزم المغول والتتر والصليبيين وتنصر الامة الاسلامية قبل ان تتعرض للهزيمة والابادة على يد القيصرية الروسية. ثم يأتيك احدهم ويزيل اسم جامع الشركس في ناعور الذي بناه الشركس بجهدهم وباموالهم وعلى ارضهم معتقدا انه بذلك يقترب من المساس بعظمة هذه الامة الاسلامية الشركسية العريقة.
وعلى الرغم من كل ذلك الا انها (اي الامة الشركسية) بقيت الى اليوم تحتفظ بآخر راية قبلية عشائرية حاربت في ظلها (الصورة المرفقة)، بل ان هذه الراية التي تحمل اسماء اشهر 12 قبيلة شركسية اصبحت العلم الرسمي لاحدى الجمهوريات الشركسية (الاديغه) الواقعة ضمن الفدرالية الروسية (جمهورية الاديغيه)، ولا زالت اكبر الجمهوريات الشركسية الثلاث تحمل اسم واحدة من اكبر القبائل الشركسية المليونية: قبيلة القباردي (جمهورية قباردينو بلقاريا)، بينما تحمل الجمهورية الثالثة اسم (جمهورية قرتشاي تشركيسيا).
ولم تنجح كل المؤامرات الدولية في القضاء على الروح القبلية الشركسية وبقيت القبائل المليونية الشركسية الاربعة (قبيلة الابزاخ Abzakh ، وقبيلة الشابسوغ Shapsugh، وقبيلة القباردي او القبرطاي Kabarday، وقبيلة البجدوغ Bzhedugh) تحتفظ بنجومها على الراية الشركسية ومعها باقي القبائل الشركسية الاثنا عشر: البسلانيه Besleney، الاليجيروقواي Yegeruqway، جانا Zhaney، المامكغ Mamkhegh، الناتخواي Natukhaj، التشيمجواي Chemirgoy، الوبيخ Ubykh، والحاتقواي Hatuqway، والماخوش Makhosh. وهذه هي الاثني عشرة نجمة الموجودة الى يومنا هذا على العلم الشركسي.
ويضاف اليها العديد من القبائل الشركسية الاخرى مثل: Ademey و Chebsin، و Cherchenay، و Guaye، و Hakuchey، و Khatuq، و Khegayk. ثم يأتينا احدهم ليقول بانه/انها مرشح/ة الاجماع الشركسي، اي اجماع هذا ونحن شعب به اكثر من 12 قبيلة اربعة منها يتجاوز تعداد كل منها مليون فرد ومنتشرين من شواطيء البحر الاحمر الى شواطيء البحر الاسود مع سفراء لهم في اكثر من خمسين دولة. الشراكسة لا يؤمنون بالاجماع على مرشح لسببين: الاول يتمثل بالانتشار الجغرافي الهائل. والثاني يتمثل بديموقراطية الشركس الذين يؤمنون ان لكل فرد منهم الحق في خوض غمار اي منافسة او انتخابات، والافضل ستفرزه الصناديق.

عندما اتحدث عن دولة القانون والمؤسسات فانا لا اتكلم من ضعف او قلة، فان لي قبيلة افاخر الدنيا بها، وتفزع لها احد عشر قبيلة اخرى ترتبط معها بروابط الدم وتكون شعبا عريقا افاخر الدنيا به، ولو استنصرتهم لنصروني ، ولكننا نقول ان عصبية الدين والدولة والوطن اولى بالنصرة من العصبية القبلية التي قال عنها رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم): (يا معشر المسلمين! الله، الله .. أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟!).