أعشق كل الأقطار العربية . وأعتبرها وطناً عربياً واحداً . ولا أُفرِّقُ بينها كأقطار ، وشعوب مطلقاً . هكذا كنت ، وما زلت ، وسأبقى ما حييت عروبياً ، ولن أتغير ، لأنني أعتقد انني في هذا العمر لن أواجه معضلات ، او ضغوطات ، لإنتفاء ، وذهاب زمن دفع أثمان المواقف ، فقد دفعتها مُبكراً ، ورَضيت ، وقَبِلت ، وأنا مُبتهج ، ومسرور ، وفخور ، لأنني أُدرك ان مواقف الرجال لها أثمان ، لذلك دَفعتها وأنا راضٍ ومُقتنع ، لأنها مُستحقة وواجبة النفاذ ، إحتراماً لذاتي وثباتي .
أَنظرُ الى إمارة الكويت الحبيبة ، منذ صباي المُبكر بِحُب ، وأحببتها عن بعد ، دون ان أتشرف بزيارتها ، لكنني تشرفت بالإلتقاء بعددٍ من أبنائها ، ومنهم المرحوم الشيخ / صباح الأحمد الجابر الصباح الذي تولى وزارة الخارجية بالإضافة لمنصب نائب رئيس الوزراء لمدة (( ٤٠ )) عاماً ، الى ان أصبح أَمِيرُها ، وذلك أثناء إنعقاد العديد من المؤتمرات في أبوظبي . كما أنني تشرفت بالكتابة على صفحات قبسِها ، صحيفة القبس ، عام ١٩٧٩ ، حيث كانت وما زالت قبساً من نور في سجل الصحافة العربية ، والتي تميزت بمساحة من الحرية في إبداء الرأي مبكراً جداً ، مقارنة بالصحافة العربية الأخرى التي كانت بمجملها ترزح تحت الرقابة الشديدة التي حولتها الى صحافة هزيلة ، مُستثنياً الصحافة اللبنانية أيام كان لبنان سويسرا الشرق بأكمله . حيث كتبت تحت إسم مستعار — لا أذكره — بناءاً على إقتراح وإصرار من مدير التحرير اللبناني العملاق الأستاذ / رؤوف شحوري ، وتدخل للضغط من الأستاذ / جاسم أحمد النصف ، رئيس التحرير . وتأتى ذلك بعد ان نشرت صحيفة القبس سلسلة مقالات للمفكر المصري الأستاذ الدكتور / فؤاد زكريا ، وكانت سلسلة مقالاته تحت عنوان (( هل مات الغضب في صدور العرب )) . وذلك رداً على إتفاقية كامب ديفيد التي وُقِعت بين مصر والعدو الصهيوني . حيث كتبت انا رداً بعنوان (( لم يمت .. ولكنه تحوّر وتحوّل )) . والأهم : من منا لا يعرف مجلة (( العربي )) !؟ سلة غذاء فكر وثقافة كل العرب الثرية الغنية ، التي بدأت في الصدور عام ١٩٥٨ ، وكان يرأس تحريرها العالِم والأديب الجليل الدكتور / أحمد زكي .
الكويت ، هذا القطر العربي الثري ، الصغير بمساحته ، ومحدودية عدد سكانه ، لكن غِناه الحقيقي بنهجه وسياساته ورجالاته . ففي الكويت حرية رأي وتعبير ، ونهج ديمقراطي ، أعتبره انا شخصياً وبفخر ، بأنه البلد الديمقراطي الأول عربياً ، وشرق أوسطياً ، وكل دول العالم الثالث بالمطلق . واليكم بعض الأدلة التي تفردت فيها الكويت الحبيبة : هل تعلمون انه في الكويت الحبيبة إستقالت (( ٢٧ )) حكومة ، خلال (( ٣٧ )) عاماً !؟ وذلك إستجابة ، ونتيجة لإستجوابات مجلس النواب . على مدى معرفتي المتواضعة ، لا أعتقد ان ذلك حصل في كل دول العالم قاطبة . حيث أدت الإستجوابات التي تملك دستورياً حق طرح الثقة في حكومة او وزراء الى تعاقب تغييرات حكومية بصورة شائعة في تاريخ البلاد . أليس ذلك نتاج لديمقراطية حقيقية !؟ من يجري الدم العربي النقي في عروقه ويقدر على ان ينسى الأستاذ / مرزوق الغانم ، رئيس مجلس الأمة الكويتي ، وطرده وفد العدو الصهيوني ، وكلماته في المحافل الدولية التي عرّى فيها الكيان المحتل ودافع بشموخ عن القضية الفلسطينية !؟ والأهم ، والأعم ان موقف دولة الكويت تجاه القضية الفلسطينية لم يطرأ عليه أي تغيير او تراجع او نكوص منذ بدء القضية ، دعماً وتأييداً .
ألف مبارك عيد الإستقلال الواحد والستين (( ٦١ )) لدولة الكويت الشقيقة الذي يصادف فعلياً في ١٩٦١/٦/١٩ ، في عهد الأمير الراحل / الشيخ عبدالله السالم الصباح . لكن في شهر ١٩٦٤/٥ تقرر تغيير ذلك اليوم ودمجه مع يوم ٢/٢٥ الذي يصادف ذكرى تولي الأمير الراحل الشيخ / عبدالله السالم الصباح مقاليد الحكم ، تكريماً له ولدوره المشهود في إستقلال البلاد وتكريسه ديمقراطيتها .
لدولة الكويت الحبيبة أميراً ، وحكومة ، وشعباً ، ونهجاً ، وديمقراطية كل الإحترام . متضرعاً للعلي القدير ان يحفظها من شرور أعدائها . ما دعاني لكتابة هذا المقال ذكرى هزيمة الخامس من حزيران عام ١٩٦٧ ، والصمت العربي المُخزي تجاهها ، وثبات مواقف دولة الكويت الشقيقة على مواقفها دون أي تراجع او تغيير .