(عقيدّةُ الصَدمَة وَ نَظَريِّة المُؤامَرة .. تفجير خطّ الغاز المصري – الأردني إنموذجًا)

3 فبراير 2020
(عقيدّةُ الصَدمَة وَ نَظَريِّة المُؤامَرة .. تفجير خطّ الغاز المصري – الأردني إنموذجًا)

صراحة نيوز – بقلم الدكتور إيليا الربضي .

لقد قرأ جميعنا يوم أمس الخبر الذي مفاده تفجير خطّ الغاز الرابط بين الأردن والجمهريّة المصريّة, فإنقسم الرأي العام وثار بين المتحدث عن وجود مؤامرةٍ تُحاك لأردننا الحبيب للضغطِ عليه بسبب مواقفه السياسيّة من جانب, ومن إدعى من جانبٍ آخر أنّ هذا الفعل مُتعمّد مع سبق الإصرار والترصدّ وقدّ تمّ الإتفاق عليه أسفل الطاولة وخلف الستار لإرغام الأردن على الإستمرار بإتفاقيّة الغاز مع الكيان المحتل, وذلكم بعد السخط الشعبي الذي لاقاه التوقيع عليها وإعلانها, وإننا من خلال هذا المقال سنحاول الإجابة على السؤال التالي؛ هل هناك فعلًا ما يسمى “نظريّة المؤامرة ..؟ وما هو أثرها كنتّاجٍ حتميّ مما يُسمى بعقيدة الصدمة” ..؟
إنَّ مذهب رأسمالية الكوارث يقومُ على إستغلالِ كارثةٍ ما ؛ سواء كانت إنقلابًا، هجومًا إرهابيًا، إنهياراً للسوق الإقتصادي الوطني، كارثة طبيعيّة أو حتى تفجير خطّ غاز يربط بين دول ما، وذلكم من أجل تمرير سياساتٍ إقتصادية أو جغرافيّة أو جيوسياسيّة أو حتى مجتمعيّة كان يرفضها السكان الأصليون في الحالة الطبيعية.
وبنظرةٍ تاريخيّةٍ تأصيليّة سريعة, نجدُ في القرن الماضي طبيبًا نفسانيَا يُدعى “أيوين كاميرون”, كان قدّ فكر بفكرة أقل ما يقال في وصفها بأنها “شيطيانيّة”, حيث سعى جاهدًا لإيجادِ وسيلةٍ يتمكن بمقتضاها من تغيّير أفكار الإنسان وتوجهاتهِ, أيّ أن يحول إنسانًا ما إلى إنسانٍ جديدٍ مختلف تمامًا و بأفكارٍ وتوجهاتٍ وقناعاتٍ جديدة تختلف عن سابقاتها, ولكي يتمكن من صناعة الإنسان الذي يريد, فلا بُدَّ عليهِ أولًا من أن يلغي الإنسان القديم, لا بُدَّ من أن يغسل الصفحة ويرجعها بيضاء قبل أن يكتب عليها ما يشاء, وحتى يتمكن من ذلكُمُ, كان عليه أن يُعرِّض الإنسان لصدمةٍ كبيرة تُلغي الماضي وتُلغي التوجهات بالحاضر لبناء المستقبل الذي يريد, فقام د.كاميرون بتجاربهِ على مرضاه النفسيين حيث كان يعرضهم لصدماتٍ كهربائيّةٍ شديدة ويعطيهم عقاقير مهلوسة حتى يفقد المريض ذاكرته, فكان يعطل جميع حواسه, من خلال وضعه في مناطق يسودها ظلامٌ دامس وصمت مطبق فلا يشعر بشيء من حوله حتى يفقده إحساسه بالواقع الذي هو فيه.
وما هو معلوم بأن مثل هذه الأبحاث تحتاج لجهاتٍ عُليّا داعِمة لها (ماديًّا ولوجستيًّا), فهل لك عزيزي القارئ أن تتوقع من قام بتمويل أبحاث هذا الطبيب ..!؟ إنها وكالة الإستخبارات الأمريكيّة (CIA), والتي شرعت بعد ذلك لتطويرها لكي تُطبقها على عدّدٍ من معتقلاتها مثل (غوانتانامو و أبو غريب ….والقائمة تطول), إذّ إنّ الفكرة الأساسيّة هنا, هي أنك إذا أردت جعل الطرف الآخر مِلكًا لك ولأفكارك وقراراتك فعليك أولًا أنّ تُخضِعَهُ لِصدمةٍ كبيرة تجعله مُستسلمًا راضخًا خاضِعًا لك ولكل ما تُلقِنّه من قراراتٍ وطروحات؛ وهذه هي تحديدًا الركيزةُ الأساس التي تقوم عليها “عقيدة الصدمة” .
وبالجانب الآخر وفي الوقت الذي كان يجري د.كاميرون أبحاثه بكندا ظَهَرَ في شيكاغو باحثٌ آخر, لكن في مجال الإقتصاد يُدعى “ميلتون فريدمان”, ليطبق نظريّة الصدمة لكن لم يكن التطبيق في هذه المرّة على الأفراد بل كان على الشعوب ! نعم على الشعوب, فقد كانت غايّة فريدمان من نظريّته التي وضعها السماح للشركات الصهيوأمريكيّة العابرة للقارات, أن تتحكم في إقتصادِ بلدانٍ بأكملِها, وبما أن الشعوب أبدًا لا تقبل أن تكون حياتها وإقتصادها بيد حَفنّةٍ من رجال الأعمال الأجانب, فلا بُدّ هنا من “صدمة”, وصدمة كبيرة جدًا لأهل البلد تجعلهم فاقدين للوعي حتى يوافقوا ويقبلوا بالتغييرات الجديدة المرسومة لبلدانهم, ومن البلدان التي طُبِقَ هذا النظام فيها هي تشيلي التي كان نظام الإقتصاد فيها يعتبر “شيوعيًا”, وهو ما لا يُرضي القوى المهيمنة على العالم, فبدأ الأمر بتدبير إنقلابٍ عسكري فيها دعمته الصهيوأمريكيّة, وبعد الإنقلاب جاءت “الصدمة”؛ إرتفاع كبير في الأسعار, أعمال شغب, إعتقالات تعسفيّة, وخطفٌ علنيّ في وضح النهار, وفوضى عارمة في البلاد, وإرتفاعٌ بمستويات البطالة يصاحبها تخلّلٌ للفساد بمختلفِ مفاصل الدولة. فكانت تشيلي آنذاك تسير مسرعةً نحو الهاويّة, حتى أصيب المواطنين بشلل في التفكير والفهم فلم يعودوا مدركين ماذا يجري, ولماذا..؟ وكيف هو الطريق للخلاص ..؟, وبلحظة الصدمة هذه تم عرض حلول ممنهجة واضحة من ذات القوى آنفة الذكر والتي ستنقذ البلد من الكارثة, وذلكم بتحويل تشيلي إلى إقتصادِ سوقٍ حُرّة, أيّ بمعنى آخر أن ترفع الدولةُ يدها عن الإقتصاد بشكلٍ كامل لتسودَّه الشركات الصهيوأمريكيّة العالميّة عابرة القارات !!
قبلت الدولة التشيليّة رغم أنفها ذلكم, وأيضًا الشعب رضخ للأمر الواقع وقَبِلَهُ, وإنتصرت “عقيدة الصدمة” .. لم تكن تشيلي إلّا الحلقةُ الأولى من نظريّة المؤامّرَة في عقيدّة الصدمة, حيث طبقت النظريّةُ والعقيدّة على عدّةِ دولٍ في أمريكا الجنوبيّة ثم على الإتحاد السوفيتي ثم على العراق وسوريا …والقائمة تطول) .
تقول “عقيدة الصدمة” ؛ عندما يغيب وعي الشعب, ويعجز عن إدراك ما يدور حوله, ولا يلوح له أيُّ حلٍّ في الأفقِ قادر على إخراجهِ من واقعهِ السيء والمرير, فإنه وبكل تأكيد سيقع “بالصدمة”, وعندها سيصبح مستعدًا لقبول حلولٍ خارجيّةٍ ممنهجةٍ وجاهزة, والتي كان من المستحيل عليه أنّ يقبلها سابقًا .
مسلسل عقيدة الصدمة لم ينتهي بعد بل ربما يمكنني القول آسفًا حزينًا بأن الحلقة القادمة من عقيدة الصدمة قدّ تكون أُردننا الغالي والشواهِدُ والقرائِن على ذلكم باتت أكثر من أنّ تُحصَر والتي كان آخرها رهن مُستقبل الطاقة فيه بيِّد الكيان المحتل من خلال إتفاقيّة الغاز والتي تبعها يوم أمس تفجير خطّ الغاز الرابط بين الأردن ومصر, وإنّ المنظمات الدوليّة التي “تَدَّعي” حقوق الإنسان والإنسانيّة وبيض الخواذ, تُجهز على خارج الحدود العاملين الذين سيطبقون الحلول المرسومة مُذّ مائة عام تقريبًا.
وفي خِضَمِ الوضع الإقتصاديّ المتردّي وما يرافقه من إستمرار في حالات البطالة والفقر وإنعدام فُرص العمل في ظلِّ الفساد الداخلي الذي ضرب أطناب الدولة ومفاصلها عبر السنوات الماضيّة من خلال الحكومات المتعاقِبة, وبوجودِ مُحيطٍ خارجي مُلتهب لا يُعرف مستقبله أو تقاسيمهُ الجغرافيّةُ أو السياسيّة بعد .. فإن كُلَّ ذلِكُمُ ما هو إلّا تمهيدٌ لقبول هذه الحلول!! ؛سواء أعَلِمنَا ذلِكُمُ أمّ جَهِلنَا …!
فإنني وإذ أرى وأستقرِئ في بدايّة هذا العام, وخاصةً بُعيّد إعلان ما سُميَّ “بصفقة القرن”, هذه الصفقة التي إغتصبت الحقوق وأعُطِيت مِن مَن لا يَملِك لمن لا يستحق,خاصةً في خِضَمِ ما تشهدَّهُ منطقة الشرق الأوسطي من تحولاتٍ عميقة وكبيرة (كإغتيال شخصيّات قياديّةٍ بارزة وذات نفوذٍ بالمنطقة) و (قصف أكبر القواعد الأمريكيّة) وتضخم المديونيّة في الأردن ورهن مستقبل الإقتصاد والطاقة في الأردن بيِّد القوى الخارجيّة ذات المطامع التوسعيّة والإستعماريّة اللامتناهيّة, ما هو إلّا إعادةُ رسمٍ وتقسيمٍ للمنطقةِ وفقَ العمليّة الإستئصاليّة التي أجراها الطبيب الصهيوأمريكي برسمٍ من المهندس البريطاني قُبيّل أزود من مائة عام, فإياكم والإعتقاد بأن الحلول والقرارت المطروحة على طاولة المفاوضات هي من صنيعِ اليوم أو البارحة, بل هذه القرارت جاهزة لإعلانها للعالم مُذّ مائة عام –على أقل تقدير-, وكل هذا الوقت التي إستغرقته الدول آنفة الذكر لإيجاد الحلول ما هو إلّا تمويه للشعب الأردني بأنهم يعانون من إيجاد حلٍّ يُخرجهم مما هم فيه تمهيدًا “للصدمة”, إذّ ستشهدون ظهور أطماعٍ وقراراتٍ دوليّةٍ فُجائيّة كان من المستحيل القبول فيها سابقًا من قبل الشعب والحكومات, لكن السعيّ لتحطيم الجبهة الداخليّة وزعزعت التلاحم الوطني الداخليّ أملًا منهم بتمرير تلك الحلول وسعيًا منهم لتهويد الهويّة الوطنيّة وخلق فجوة داخليّة, هو جوهر ما يسعى له أعداء هذا الوطن وهذه الأُمة “الإنهزام والإستسلام الجبريّ” .
فالنذير كُلّ النذير لكِ يا أيتها الأمة العربيّة .. والحذر كلُّ الحذر يا أيها الشعب الأردني العظيم, فلنّ يكون المصير للخلاص الحقّ الذي يرجوه شرفاء هذا الوطن إلّا بِتلاحُم الجبهة الداخليّة وترابصها بين القيادة وأبناء الوطن الأحرار, والتي لن تتأتى إلّا من خلال تنقيّة الصفوف وتطهيرها على كافة المستويات والأصعدة .. فاليوم أعلنت الصهيوأمريكية صفقة القرن بخصوص فلسطين بشأن خططها التوسعيّة, ولا نعلم من يكون الهدف القادم لهم سواء أكان شرقًا أم شمالًا أم غربًا أو جنوبًا !

حفظ الله أردننا الحبيب وقيادتنا الحكيمة في ظلِّ أبناءِ الوطن الأحرار .

الاخبار العاجلة