صراحة نيوز – بقلم د حسين العموش
تملكني الزهو ورفعت رأسي عاليا بموقف انساني اقشعر له بدني ، حيث ذهبت بمعيّة ابنتي التي تدرس في احدى الجامعات الجورجية لاستكمال اجراءات التسجيل .
تعامل معنا موظف التسجيل بمنتهى الرقي وحين امسك بجواز السفر لابنتي ، توقف قليلا ثم نظر الينا ووضع الجواز على رأسه ، راقبت حركته الغريبه ، نظر الي بعينين تغلب فيهما العاطفه ، تملكني الفضول ، وقبل ان اسأل تكلم الينا باللغه الانجليزية قائلا انه كان في عمان قبل ثلاثين عاما ، وقبل ان استفسر افصح لي انه بوسني جاء الى الاردن ضمن حملة استضافة قامت بها الهيئة الخيرية الهاشمية عندما كان عمره ثماني سنوات ، وذكر لي انه يحتفظ بصوره تجمعه مع المغفور له جلالة الملك الحسين وصوره اخرى تجمعه بسمو الامير الحسن ، وحدثني عن كرم الاردنيين وعطفهم ومحبتهم ، عاش في الاردن عاما كاملا ثم عاد الى بلاده ودرس في جورجيا وعمل في احدى جامعاتها .
مصادفة غريبه رفعت بها رأسي عاليا ، ولم يغب مشهد وضع جواز السفر على رأسه عن مخيلتي ، فعرفت كم انت عظيم يا وطني ، وكم نحن مقصرون في حق انفسنا ، في وقت نجد فيه التقدير والاحترام في كل بقاع الارض .
عندما عدت تملكني الفضول للحصول على معلومات وافيه عن الوقفه الانسانية التي قدمتها الهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية لجمهورية البوسنه والهرسك فتوجهت الى الأمين العام للهيئة الدكتور حسين الشبلي فتكرم علي بتزويدي بملف يتضمن المواقف الانسانية التي قدمتها الهيئة للجمهورية المنكوبة ، وذكر لي ان الهيئة وبالتعاون مع العديد من المؤسسات الوطنية وبتوجيهات من جلالة الملك حسين رحمه الله كانت قد استضافت ما يزيد عن اربعماءة عائلة اسكنتهم في مدرسة حديثة البناء في شمال عمان ،وحضر اطفال ونساء منكوبين لم يجدوا غير اليد الاردنية الحانية لتمسح دموعهم ثم بعد انتهاء الازمة اختارت العائلات العودة الى وطنها .
واخبرني الأمين العام للهيئة ان المساعدات العينيه والماليه والاغاثية والدوائية ظلت تصل الى البوسنة والهرسك وكرواتيا طيلة الازمة ، فضلا عن تقديم للمساعدات الاغاثية الطارئة وبتمويل من الشعب الاردني تم ايضا اعادة اعمار لمدارس ودور عبادة وجسور .
عرفت ان هذا الشاب الذي صادفته كان من بين ابناء الاسر التي عاشت بأمان واطمئنان ومحبه وعطف لا تعادلها كل كنوز الدنيا .
عرفت ان الخير والحب يزرع وينمو ويثمر مثل الشجر تماما .
كدت ان ابكي حين وقف الشاب النحيل ليقبل جبيني وهو في غاية الامتنان لشعب وقيادة وهيئة قدمت له كل ما يمكن ان يقدم لانسان فقد خلفه الامان في وطنه فوجد العطف والحب في وطني .
طيلة طريق العودة من الجامعه وانا اشعر كم هو عظيم الانسان الاردني ، وكم هي عظيمة الجهود الانسانية الكبيرة التي قامت بها المملكة ممثلة بالهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية حين جابت العالم خلال مسيرتها الممتده منذ ما يزيد عن الثلاثين عاما وبتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني وقبله جلالة المغفور له الملك الحسين ، وباشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال وبمتابعة من سمو الامير راشد بن الحسن رئيس مجلس امناء الهيئة ومن معالي أيمن المفلح رئيس اللجنة التنفيذية .
كنت اعرف لكنني اريد ان يعرف الجيل الحالي من ابنائنا انهم يحملون جواز سفر يحترمه العالم ، وان الانسان الاردني كان دائما يبادر الى الاخذ بيد من تعرض لظلم العالم وجحوده ، فوجد يدا اردنيه تمسح بحنان عز نظيره على رأس طفل يتيم او ام ترملت او اب مريض ، وحين نجوب العالم قد نصادف احدا من هؤولاء فماذا عساه يكون موقفهم ، ولا يغيب عن بالنا ما تعرض له الشعب البوسني في صرينيشا ، والذي اظهر قصور الدول الاوروبية واعتذار هنولدا قبل فترة وجيزة عن عدم توفير الحماية اللازمة للمدنيين العزل، في حين اقدمت الاردن على تأمين جسر جوي لتأمين العائلات البوسنية وكان في استقبالهم جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال وسمو الامير الحسن في المطار.
اكتب هذه الكلمات وكلي فخر وزهو بوطني ليتأكد لي ان الجود والكرم والنخوه والحب مغروس فينا ما حيينا ، فكم تختزن ذاكرتنا بقصص وحكايا تروى عن نخوة الاردني .
بعد ثلاثين عاما شكرا متأخرة كثيرا لمن واصل الليل بالنهار ليقدم وجبنة ساخنه لاطفال جياع تربطنا بهم الانسانية او الدين او العروبة ،شكرا للهيئة الخيرية الاردنية الهاشمية التي جعلت من موظف في جامعه جورجيه يصر ان يقبلني على جبيني ، ويرفع الجواز الاردني ليضعه باحترام ومحبه على رأسه .
شكرا لجلالة الملك عبدالله الثاني وقبله جلالة الملك الحسين رحمه الله،شكرا متأخره لصاحب السمو الملكي الامير الحسن وسمو الامير راشد ، ولمعالي رئيس اللجنة التنفيذية ايمن المفلح وللأمين العام للهيئة ونائبه ولكل العاملين فيها..قبلة امتنان انقلها من جبيني الى جبين كل واحد فيكم .