الأردنيون مدينون للحكومة مرتين، مرة بالشكر واخرى بالعتب، الشكر لإنجازها، حسب ما ذكر وزير التخطيط، ستة أهداف للتنمية المستدامة، على رأسها “القضاء على الجوع”.
أما العتب فلأنها لم تدرج على قائمة الاهداف بند تطوير الفن والاحتفاء بنجومه، هذا الذي كان يفترض أن نسمع من وزيرة الثقافة مرافعة عنه، في سياق الليالي الملاح، التي فتح الله على الحكومة أن تقدمها للمواطنين، للقضاء على غضبهم وإحباطهم وتعاستهم، لكن يا ليت أنها افلحت بإدارة المهرجان الأهم، جرش، الذي يبدو أن محاولات إجهاضه بدأت قبل افتتاحه.
أترك التعليق على مسألة الجوع الذي قضينا عليه، كما ذكر وزيرا التخطيط والأشغال، للقارئ الكريم، أشير، فقط، لمسألتين على صلة بالموضوع، الأولى أن بعض المسؤولين الذين ربما لا يعرفون اهتمامات الأردنيين، ولا أحوالهم، اعتقدوا في لحظة خلوة سياسية أن أفضل وصفة يمكن أن تقدم لإشغال الناس، أو انتشالهم من حالة الجوع للأمل، ومن السوداوية التي استغرقوا فيها، ثم إعادة الفرح إليهم، هي الغناء و”الطرب”، فأشهروا أمسيات ومهرجانات، واستضافوا عشرات المطربين، وخصصوا لذلك بضعة ملايين من الموازنة.
أما المسألة الأخرى، فهي أن إدارة هذه الوصفة، سواء من جهة المضامين الفنية والثقافية، أومن جهة المؤسسات التي تقوم بها، أقصد إدارة مهرجان جرش تحديدا، لم تكن موفقة، يكفي أن نتابع أخبار هذا المهرجان، الذي مضى على تأسيسه 39 عاما، ابتداء من انسحاب الفنانين الأردنيين من المشاركة، إلى صناعة الصور وتصميمها، إلى الأجور التي خصصت للفنانين العرب والأردنيين..الخ، لكي نفهم ان غياب وزارة الثقافة، وتواضع أداء إدارة المهرجان، كانا كفيلين بالإساءة لسمعة المهرجان، وربما سبب في تراجعه.
المدهش،هنا، أن إدارة المهرجان تنصلت من مسؤولياتها وحمّلت، في بيانها الاخير، شركاء المهرجان (نقابة الفنانين تحديدا) مسؤولية ما حدث من أخطاء ولغلط، ثم ذهبت أبعد من ذلك فحملت اطرافا أخرى مسؤولية التشويش على المهرجان، من خلال الإعلان عن حفلات فنيه لعدد من المطربين تتزامن مع موعد المهرجان، كل هذا حدث والإدارة، على ما يبدو، تتفرج على ما تنشره وسائل الإعلام، على لسان الفنانين والجمهور من انتقادات، ونصائح أحيانا، دون أن يرفّ لها جفن.
ما علينا، اتفقنا مع المهرجان، أواختلفنا على مضامينه التي اختزلت الفن بالطرب، واهملت الثقافة، يبقى مهرجان جرش مشروعا وطنيا، اصبح له اسمه وسمعته في عالمنا العربي، وكان يجب أن ننهض به وندفعه للأمام.
لكن ما حصل، للأسف، منذ السنوات الماضية، وحتى هذه الدورة، كان على العكس تماما، من يتحمل مسؤولية ذلك الحكومة ووزارة الثقافة وإدارة المهرجان، لا يهم الدخول بالتفاصيل، لكن لا بد من إعادة جرش إلى سابق عهده، كمؤسسة ثقافية وفنية اردنية بعناوين وطنية، ولا بد من إعادة المهرجان لجرش المدينة، بحيث يكون بخدمة أبنائها، اجتماعيا واقتصاديا.
ما لم يعكس المهرجان قيم الدولة الأردنية، وما لم يكن مسرحا للفنون الراقية، والثقافة الجادة، فإنه لن يضيف أي قيمة لبلدنا، هذا يستدعي أن يحظى بإدارة تدرك معنى الفن، وتفسح المجال أمام المؤسسات الأردنية المعنية لكي تشارك وتكون بالصدارة، فدعم النجم الأردني، فنانا اومثقفا، هو الأولى والأهم، وإضفاء الدمغة العربية، أوحتى العالمية عليه، يجب أن تكون مدروسة بدقة، ليس لمجرد التزيين بالأسماء، وإنما لصناعة إضافات تقنع الجمهور، وروافع تدفع المهرجان لمزيد من النجاح.
بقي لدي كلمة للحكومة على الهامش، إذا كان بعض المسؤولين نجحوا بالقضاء على جوع الأردنيين “أون لاين”، فهذا يسجل إنجازا يستحق الشكر، لكن رجاء لا تسمحوا لغيرهم بالقضاء على المهرجان، لكيلا يكون ما يحدث لجرش دليلا على أننا فشلنا حتى في التنمية المستدامة للمشاعر..