صراحة نيوز – قال رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي أنه بدأ مشواره بالعمل مساعدا لرئيس التشريفات الملكية وكان ذلك في عام 1998 .
وأضاف الرفاعي والذي ينفرد بأنه يرتبط عائليا بأربعة رؤساء وزراء سابقين هم والده زيد الرفاعي وجده سمير الرفاعي وابن عم والده عبد المنعم الرفاعي وجده والد والدته بهجت التلهوني بأنه شكل حكومته الأولى في عام 2009 في ظل ظروف غير تقليدية وفق تعبيره في الكلمة التي القاها اليوم في مقر جماعة حوارات عمان.
واضاف ان العالم كان حينها ما يزال يرزح تحت آثار الأزمة المالية العالمية .
ويأتي حديث الرفاعي كما اشار استجابة لمبادرة اطلقتها جماعة عمان لحوارات المستقبل والتي دعت اصحاب الدولة رؤوساء الوزارات في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين كي يقوم كلٌ منهم بتقديم كشف حساب بإنجازاتهم والعقبات التي واجهتهم .
وقال الرفاعي الحفيد الذي عُهد اليه في نهاية شهر تشرين ثاني من عام 2010 بتشكيل حكومة ثانية بعد استقالة حكومته الأولى ان حكومته تعاملت مع العديد من المشكلات والتحديات وكان عنواننا المصلحة العليا للدولة لا المصالح الشخصية الضيقة.
وزاد الرفاعي الذي دفعت الحراكات الشعبية في مطلع العام 2011 الى تقديمها استقالتها مبينا في معرض حديثه ان أبرز الاشكاليات التي تواجه من يتم تكليفهم بتشكيل الحكومات تكمن في اختيار فريقه الوزاري والذي يتبين له لاحقا انهم غير مناسبين لمواقعهم لظروف ومقتضيات العمل في حينه .
وتاليا كامل نص كلمته
بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب المعالي والعطوفة والسعادة،
السيدات والسادة،
الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛
فأتقدم ابتداء، بكل الشكر، لكم أخواني وأخواتي، أعضاء جماعة عمان لحوارات المستقبل، على الدعوة الكريمة وعلى تبني مبادرة “زراع الأمل.. الإنجاز في مواجهة التشكيك والإحباط”.. هذه المبادرة المتميزة والفريدة من نوعها التي من الواضح أنها ستلعب دورا مهما، في الارتقاء بالحوار العام، وفي تنقية المناخ العام من الإشاعات وتعزيز الثقة بمؤسسات الوطن ورجالاته.
وكلي أمل، أن تقوم هذه المبادرة بإيضاح آلية صنع القرار وما يشوبها من اجتهادات، وأن تكون مرجعا للمسؤولين في المستقبل للتعلم من الإنجازات وتفادي الأخطاء.
لقد أتاح لي ابتعادي عن المواقع التنفيذية، خلال الأعوام الثمانية الماضية، هامشا واسعا للحركة وأعطاني الوقت والحرية والمجال الأوسع للقاء الشباب والطلاب والفعاليات المتنوعة، في المحافظات والقرى والمخيمات والبوادي والعاصمة.
وكان لهذا التفاعل، مع دوام التواصل عبر كافة الوسائل؛ فضل كبير في المزيد من المعرفة، وطرح البرامج والأفكار للنقاش، والاستفادة الحقيقية من مختلف الملاحظات، وتعديل وتطوير القراءات والأفكار في ضوء إخضاعها للحوار البناء العميق. وأكون دائما في غاية السعادة عند التواصل مع شبابنا وشاباتنا، فهم لديهم من العلم والإرادة والطموح ما يجعلني متفائلا ومطمئنا على المستقبل.
أخواني وأخواتي،
“القسم الدستوري”، وكما يعلم الجميع؛ يؤديه كل من تشرف بحمل أمانة المسؤولية الوزارية، أمام جلالة الملك، رأس الدولة. وقد أناط الدستور بجلالته السلطة التنفيذية؛ التي يمارسها من خلال وزرائه، وفق أحكام الدستور.
أما نص القسم نفسه، والذي صاغه رجال دولة كبار، عندما أقروا بنود دستورنا المتقدم على عصره، فهو يعني الكثير، ويحمل من الدلالات أكثر بكثير من الكلمات. والإخلاص للملك، بنص القسم، هو إخلاص بالضمير والقول والفعل، وهو بحمل ثقة الملك أمانة وأداء، وبعدم الاختباء وراء الملك. أما خدمة الأمة؛ فبالعمل والإخلاص وتحمل المسؤولية والمعرفة العميقة بآمال الناس وهمومهم واحترام القانون والتشريعات والالتزام الكامل بها ترسيخا لمفهوم دولة القانون والمؤسسات. وأما القيام بالواجبات الموكولة بأمانة؛ فيكون بالجد والنزاهة والاستقامة والاجتهاد، والشجاعة والمبادرة وتحمل المسؤولية واتخاذ القرار المناسب بالوقت المناسب، وعدم التهرب من القيام بالواجب، مهما كانت الظروف أو الاعتبارات.
أما المسألة الثانية، فيما يخص القسم الدستوري، فهي أنه قسم أبدي لا ينتهي مفعوله بترك المنصب. وكل من أدى هذا القسم يفترض به أن يدرك أنه مسؤول أمام الله عز وجل، بأن يبقى مخلصا للملك مدافعا عن الدستور خادما للأمة ما دام حيا.
ومن هذا المنطلق، يشرفني أن أستجيب لمبادرتكم الكريمة وأقدم بيانا عن الحيثيات والإجراءات والقرارات والرؤية للحكومة التي تشرفت برئاستها، وسأعود، أولا، وبشكل موجز للبدايات؛
عام 1988، بدأت مشواري كمساعد لرئيس التشريفات الملكية، وبعدها كسكرتير خاص ومن ثم مدير مكتب سمو الأمير الحسن بن طلال المعظم، وفي عام 1999 عينت أمينا عاما للديوان الملكي الهاشمي العامر، حيث أشرفت بأمر ملكي على تنفيذ برنامج شامل لإعادة الهيكلة الإدارية والمالية في الديوان وتحديثه.
وفي عام 2000 عينت مستشارا لجلالة الملك برتبة وزير بالإضافة لوظيفتي كأمينا عاما للديوان الملكي الهاشمي، كما أدرت المكتب الإعلامي ودائرة العلاقات العامة الخاصة بجلالة الملك عبد الله الثاني المعظم. وفي عام 2003م، تمت ترقيتي لأصبح وزيرا للبلاط الملكي الهاشمي للعمل كحلقة وصل بين جلالة الملك والحكومة.
وفي خريف العام 2005، أكرمني جلالة الملك بموافقته على استقالتي، لأقوم، إثرها؛ برئاسة صندوق عربي استثماري في الأردن، وكان أكبر المساهمين فيه حكومة دبي ومؤسسة الضمان الاجتماعي الأردني. وكانت المسؤولية كبيرة بأن أكون مؤتمنا على أموال مستثمرين منهم غير أردنيين ومنهم مؤسسات أردنية يملكها المواطن الأردني. والحمد لله تمكنت من تحقيق التوازن بين مسؤوليتي تجاه الأردن ومواطنتي وكرئيس لصندوق استثماري ومستثمريه مع انني وبصراحة قد أكون قد تحاملت على ذلك الصندوق الاستثماري، لأنني حين أصبحت رئيسا للوزراء طلبت منهم الانسحاب من جميع العطاءات مع الحكومة وعدم التعامل معها درءا للشبهات علما بأنني كنت موظفا ولست مالكا. وقد قدروا رغبتي مشكورين، وانسحبوا رسميا من كل العطاءات الحكومية.
وقد تعرفت خلال فترة عملي القصيرة جدا في القطاع الخاص، على الكثير مما يواجهه هذا القطاع المهم والحيوي والشريك الأساسي للقطاع العام والركن المهم في مسيرة البناء والتنمية وخدمة الوطن وقطاعاته، والمؤمل منه القيام بدور كبير في نهوض الاقتصاد الوطني كما في تدريب الشباب وتشغيلهم وفي خدمة برامج تنمية المحافظات والقيام بواجبات المسؤولية الاجتماعية. وعاينت مباشرة ما يعيق عمله من تحديات حقيقية، ومعاناة لا يجوز أن تستمر مع التعقيدات. وهي التحديات التي حاولت قدر الإمكان أن تتعامل حكومتي معها لتحفيز الاستثمار وتعزيز النمو.
رئاسة الحكومة
جاء تكليفي بتأليف الحكومة ورئاستها عام 2009م، في ظل ظروف غير تقليدية. كان العالم حينها ما يزال يرزح تحت آثار الأزمة المالية العالمية التي كانت قد بدأت قبل عام. وكان هاجس جلالة الملك هو ألا تطال الظروف المالية العالمية قطاعات الاقتصاد في الأردن، وأن لا تمس، بشكل خاص، مستوى حياة الشرائح الفقيرة، وحماية ودعم الطبقة الوسطى.
وأيضا كانت الظروف آنذاك، غير تقليدية من حيث؛
- القوى السياسية المنظمة كانت منقسمة بين اليسار والإسلاميين في حينه، ولم أكن محسوبا على أي من الاتجاهين فلم أحظ بالدعم السياسي من أي منهما.
- أيضا، حصلت اصطفافات داخل الدولة، فانقسم البعض إلى جماعات ولم أكن محسوبا على أي منها. وكان هناك في الوسط ما سمي مجازا بـ”المحافظين” و”الليبراليين”. ولم أكن محسوبا على أي من التيارات. وأيضا لم أكن محسوبا على أي جهة باستثناء الوطن وأهله والعرش الهاشمي الخالد.
سياسيا، أعتبر نفسي محافظا؛ وذلك لأنني أؤمن إيمانا كاملا بسيادة القانون وتنفيذه بعدالة، وهيبة الدولة والعاملين بها من مدنيين وعسكريين ومكانة رئاسة الوزراء والحفاظ على إرث الدولة ومدنيتها وعدم السماح لأي جهة بالتغول على صلاحيات مجلس الوزراء والالتزام الكامل بالدستور والاحترام التام لسلطات الدولة التشريعية والقضائية. وإذا جاز التعبير “يساري” في نظرتي لدور الحكومة في تقديم أفضل خدمات الصحة والتعليم والنقل. واقتصاديا، أنا مع السوق الحر، ودور الحكومة كمنظم ومراقب لهذا الدور مع دور أكبر للقطاع الخاص.
كان كتاب التكليف السامي للحكومة استثنائيا، يشدد على ضرورة وأولوية أن يلمس الأردنيون مباشرة الأثر الإيجابي لمشاريع التنمية وللخدمة الحكومية وأن تنمو الأرقام، ولكن الأهم منها هو أن تنعكس إيجابيا على حياة الأردنيين.
ولغايات الشفافية، قمنا بإعداد خطة تنفيذية للحكومة والتي بالإمكان تصفحها على الرابط التاليhttps://tinyurl.com/y7vzg6jx وكما قمنا بإنشاء موقع الكتروني أتاح للجميع الاستعلام عن سير العمل بخصوص المشاريع الحكومية كافة.
تعاملت وحكومتي مع العديد من المشكلات والتحديات. ولم تكن تلك المرحلة سهلة أبدا. وكان عنواننا المصلحة العليا للدولة لا المصالح الشخصية الضيقة.
لا أستطيع القول ان بعض القرارات والإجراءات الحكومية لم تشبها أخطاء؛ فمن يجتهد لا بد أن يصيب وأن يجانبه الصواب أيضا؛ فقط، من لا يعمل ولا يجتهد؛ لا يخطئ.
- اختيار الوزراء ومدونة السلوك للوزراء
قد تكون أولى الإشكاليات، في اختيار بعض الوزراء، ممن اتضح لاحقا، مع الاحترام الكبير لأشخاصهم والتقدير لخدماتهم، أنهم غير مناسبين لظروف ومقتضيات العمل في حينه. وهذه مشكلة يقع فيها جميع الرؤساء دون استثناء، بسبب طبيعة خارطة العمل العام في الأردن ودينامكياته الحالية فيما يتعلق بتظهير القدرات كما ينبغي، وغالبا، لا توجد لدى أي رئيس مكلف معرفة مسبقة ببعض الوزراء باستثناء ما تقوله الأوراق ومشروحات السير الذاتية. ومع ذلك، كانت معي ثلة من خيرة الكفاءات في مواقع وزارية.
وقامت الحكومة بإصدار مدونة سلوك للوزراء. والتزم الوزراء جميعهم بالتوقيع عليها، وتضمنت عددا من المبادئ الأساسية، في مقدمتها أن يتعهد الوزير بعدم العمل في القطاع الخاص، بعد مغادرته الموقع، لمدة عام واحد على الأقل، في نفس مجال عمل وزارته لكي لا تكون هناك شبهة تضارب في المصالح، وأيضا لكي لا يستخدم معلومات كانت متوفرة لديه أثناء فترة عمله كوزير، وحكما يعني ذلك أن رئيس الوزراء يمنع من العمل في أي مجال كان ولمدة عام واحد، على الأقل، بعد مغادرته موقعه.
وكان المفروض (بالنظر إلى الخلف) أن يكون هناك نص في المدونة لكيفية التعامل مع الوزراء في حال عدم احترام أي منهم لبنودها الملزمة أدبيا وسياسيا..
لكن، بعد استقالة الحكومة تم إلغاء هذه المدونة إلى أن تمت إعادتها في عهد الحكومة الحالية.
2) مدونة السلوك الإعلامية
المشكلة الثانية التي أدت إلى توتر مبكر؛ هي في إصراري على القيام بإجراءات للصالح العام، كان يمكن لتأجيلها أن يخفف حدة الهجمة على الحكومة. على سبيل المثال: “مدونة السلوك الإعلامية”، التي أطلقتها في الأيام الأولى من عمر الحكومة، وقصدت فيها تحرير مهنة الإعلام من أية تبعية للحكومة، سواء من خلال الاشتراكات أو الإعلانات الحكومية أو توظيف صحافيين بعقود استشارية مع بقائهم في صحفهم. وأيضا يجب أن نعترف بأن بعض بنود هذه المدونة شاب تنفيذها بعض الأخطاء.
كنت أعتقد وما أزال، أن الصحافي شريك مستقل للحكومة من حيث كونه “وكيل المجتمع”، ويمارس الرقابة على الحكومة وأدائها. وقوته تكمن في استقلاليته. وهذا لا يستقيم مع إنتاج علاقة وظيفية او استشارية نظير مقابل مالي مع الجهات التنفيذية لأنه ينتج حكما، تضاربا في المصالح.
هذه المدونة، وإن كانت ضرورية لحماية مهنة الصحافة ولصون المال العام؛ إلا أنها جرت مواجهة مبكرة مع كثير ممن كانوا مستفيدين وكانوا مؤثرين. وبالرغم من أن أغلبية الوسط الإعلامي الأردني أيدت المدونة، وحتى أن نقابة الصحافيين باركتها في حينه؛ إلا أنها أدت إلى حملة لا يستهان بها من التشويش والتحريض المبكرين. وكان المقصد من وراء هذه المدونة المصلحة العامة بعيدا عن أجندات شخصية أو مصالح ضيقة بالأخص بأنه كانت ومازالت تجمعني علاقات ود واحترام وتقدير مع معظم هؤلاء الاخوان والأخوات.
وانطلاقا من حرصي الشديد على التواصل المستمر والمباشر مع الناس، كنت من أوائل المسؤولين الذين قاموا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فبدأت بـ”تويتر” ومن ثم أنشأت صفحة على الفيسبوك.
- عمال المياومة؛ بدأت المسألة في عهد الحكومة التي سبقت حكومتي، عندما وقعت الأخيرة اتفاقا مع 256 شخصا من عمال المياومة (معظمهم من حملة الشهادة الجامعية) في وزارة الزراعة لتجديد عقودهم كل 6 أشهر. وقمت بعدم التجديد لهم لأنني بكل صراحة، أؤمن بأن التعيينات يجب أن تتم من خلال ديوان الخدمة المدنية فقط، لضمان العدالة والنزاهة وعدم الاستغلال.
وحكومتي كانت ضد تفاهمات التيسير التي تتم بين الحكومة وبعض النواب، التي كانت تحقق مكتسبات خدمية مناطقية للبعض على حساب الوطن وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص لكل المواطنين. وبعدم تجديد هذه العقود تولدت لدى البعض حالة من سوء الفهم ونقلوها إلى مناطق أخرى. ولكنني آثرت الإصلاح الإداري وتحملت آثار هذا القرار، غير الاسترضائي.
وأيضا كانت المعاملة بالمثل لموظفين في الرئاسة تم تعيينهم بطرق غير سليمة، فقمت بالاستغناء عن خدماتهم.. وهؤلاء كانوا يرتبطون بقوى لا يستهان بها. ولكنني آثرت أن يتم تحقيق العدالة وسيادة القانون وتكريس تكافؤ الفرص للآلاف من الشباب والشابات الذين ينتظرون دورهم في التعيين من خلال ديوان الخدمة المدنية.
وهنا أعيد وأكرر، بأن سياسة الاسترضاء والتسليك لبعض الحكومات هي التي أوصلتنا إلى حجم حكومة كبير فيها مليون ومئة ألف شخص برواتب وتقاعد تبلغ قيمتها حوالي 6 مليار دينار من أصل موازنة 9 مليار دينار(أي ثلثي الموازنة).. فهل من الصحيح أن تقوم الحكومة بتعيين من ليست بحاجة لهم على حساب الخدمات التي يجب أن تقدمها للمواطنين وعلى حساب الأجيال القادمة؟ ولكن، للأسف هذه القرارات التي اتخذناها من أجل الصالح العام سميت بـ”قرارات تأزيم”.
- المعلمون؛ تراكمات طويلة، أدت إلى تذمر المعلمين، ومعهم في ذلك جزء كبير من الحق. وهذا القطاع يستحق الأفضل وأن يتم تمكينه وتطويره ليقوم بواجبه الكبير في تنشئة أجيال الأردنيين. حاورت المعلمين ومن يمثلونهم في عدة جلسات واستمعت لهم واستمعوا لي وتوصلنا لتوافقات واقعية، ضمن الإمكانات. ولكن، حجم التحريض كان كبيرا.
أما بالنسبة لموضوع نقابة المعلمين؛ كان هناك تفسير في وقتها للمجلس العالي لتفسير الدستور بعدم دستورية تشكيل نقابة لموظفي القطاع العام بقانون وفقا للدستور حينها، وهذا التفسير كان ملزما للحكومة.
والصراحة تقتضي مني أن أقول أيضا إن حكومتي كان لديها قلق من مخاطر تسييس التعليم.. وكنا نعتقد، أن مستقبل أبنائنا لا يجوز صياغته وفقا لرؤية وأهداف أي حزب سياسي كان. ولم نرد أن تحدث أية تأثيرات للحسابات والأهداف والأوليات الحزبية على العملية التعليمية.
وتزامن كل ذلك مع وصول عدد كبير من المعلمين الى سن التقاعد، فرأوا في تقاعدهم أو إحالتهم على الإستيداع محاولة لاستهداف الأحزاب.
- مع ذلك؛ لم نكن يوما ضد المعلمين. بل على العكس، كنا في صف مصالحهم. وأجزم أننا أكثر حكومة قدمت للمعلمين. المكافآت التي كان جلالة الملك قد أمر الحكومات السابقة بإعطائها للمعلمين وهي علاوات للمعلمين بنسبة 30%؛ حكومتي هي التي وضعتها حيز التنفيذ. كما عرضنا عليهم عدة بدائل تنظيمية عن النقابة فعملت الحكومة على نظام لإنشاء اتحاد للمعلمين، كما قمنا بتنفيذ المكرمة الملكية بإقرار نسبة 5% من مقاعد الجامعات لأبناء المعلمين وهي مكرمة ملكية ما زالت موجودة.
- قانون الانتخاب ومجلس النواب السادس عشر؛ وكما تعلمون لا يوجد قانون انتخاب واحد مثالي يرضي الجميع. وبعد 90 عاما، على إجراء أول انتخابات نيابية في الأردن، عام 1929م، ما زلنا نغير ونبدل في قوانين الانتخاب بحثا عن الأفضل، والأكثر ضمانا لتمثيل كافة الشرائح.
وفي حكومتي، كانت الرؤية في ذلك الحين، أنه من الأفضل اعتماد قانون انتخابات يمثل خطوة نوعية مهمة على طريق الإصلاح السياسي وتحفيز المشاركة الشعبية وتوسيع نطاقها وذلك عن طريق صوت واحد للدائرة الواحدة، بدلا من الصوت الواحد المجزوء. فقررنا التدرج بهذه الفكرة.. حيث يكون هناك دوائر فرعية بعدد مقاعد مجلس النواب ويكون التصويت في الدوائر الفرعية. وهو الأمر الذي يفيد المنظمين حزبيا كي لا يتنافسوا مع أنفسهم.
ولكن واجه هذا عدة مشاكل، منها أنه لم يتم الإعلان عن المرشحين في الدوائر الفرعية إلا قبل يوم واحد فقط من الانتخابات. وهنا يجب الاعتراف بالخطأ الإجرائي؛ وكان من الأصح أن يعلن المرشحون عن أي دائرة فرعية سيتنافسون بها قبل شهر من الانتخابات. وهذا الخطأ أدى إلى نزول منافسين أقوياء في نفس الدائرة الفرعية وآخرين ضعفاء في دائرة فرعية أخرى، فنتيجة لذلك، خرج فائزون بأصوات أقل من خاسرين في دوائر فرعية أخرى.
ومشكلة أخرى كانت في مقاطعة الإخوان المسلمين للانتخابات، مع أننا سعينا للحوار معهم من باب حرصنا على مشاركة الجميع وإشاعة الأجواء الإيجابية. وعقدنا مع قياداتهم التنظيمية عدة جلسات معلنة وغير معلنة.
وبالمناسبة، في تلك الانتخابات كانت نسبة المشاركة 53% بالرغم من مقاطعة الاخوان المسلمين. ونجحت قيادات حزبية وسياسية ومن مختلف الاتجاهات وبرزت وجوه نيابية جديدة.
إن مقاطعة البعض للانتخابات، وارتفاع نسبة المشاركين فيها، ووجود شخصيات من خلفيات سياسية أو اجتماعية لم يحالفها الحظ بالفوز بعضوية مجلس النواب، وتضرر بعض المتنفذين من السياسات الحكومية، ونهج الحكومة وجديتها، وتزامن ذلك مع مناخات ومقدمات ما سمي بـ”الربيع العربي”، وما انتجته من حالات اصطفاف؛ أدى ذلك كله إلى التقاء حسابات ومصالح كثيرين، وسعى هؤلاء وربما غيرهم، لمحاولة التصيد للحكومة والتشويش عليها بأي شكل من الأشكال. ولم يجدوا في تلك اللحظة؛ إلا، حصول الحكومة على ثقة نيابية مرتفعة نسبيا؛ مع أننا أصدرنا قانونا يلغي احتساب مدة عضوية مجلس الأمة لغايات التقاعد، وكنا أيضا بدأنا حوارا مع المكتب الدائم لإصدار مدونة سلوك لتعامل أعضاء مجلس الوزراء مع النواب. وأعلمناهم بأنه لن يكون هناك أي تعيينات الا حسب الأسس والمعايير الواضحة. واتفقنا معهم أن الواسطة والمحسوبية هي التي تؤثر على ثقة المواطن بالسلطتين ويجب على الجميع الالتزام بالدستور.
ولكن، كانت هناك مساع واضحة، لضرب ثقة الناس بالحكومة وبمجلس النواب، معا. وآخر اعتبار يفكر فيه الساعون لإشاعة هذه الأجواء والتشكيك و”إدارة الاعتقاد”، خلافا للحقائق؛ هو المصلحة الوطنية وسمعة الدولة ومؤسساتها وقدرة الدولة على التعامل مع التحديات والمخاطر الخارجية في اللحظات الإقليمية الحرجة، وانعكاساتها على الأردن، فضلا عن الحقيقة واحترام حق الناس بالمعرفة. في حين أن هذا كله كان يمثل الأولوية بالنسبة لنا، في تفكيرنا وأدائنا وكل جهد بذلناه..
- الاقتصاد: لقد كان التحدي الرئيسي للحكومة آنذاك، التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيرها بشكل سلبي على معدلات النمو في الأردن. فرافقت سنة 2010 الكثير من التحديات الاقتصادية العالمية والإقليمية. وكانت بدايات انقطاع الغاز المصري حيث انخفض من 300 مليون متر مكعب يوميا في 2009 إلى 220 مليون متر مكعب يوميا في عام 2010. إضافة الى ذلك، تفاجأنا باليوم الأول أن الحكومة السابقة كانت قد أنققت 340 مليون دينار خارج الموازنة، مما اضطرنا بأن نقوم بإصدار ملحق موازنة وذلك لكي يتم تغطية هذا المبلغ قانونيا ودستوريا.
وأدى ذلك إلى ارتفاع الدين العام حيث بلغ مجموعه 11.5 مليار دينار مع نهاية عام 2010 أي ما يساوي 61% من الناتج المحلي الإجمالي آنذاك. ولكن، لولا مبلغ 340 مليون الدينار التي أنفقتها الحكومة التي سبقتنا لما زادت نسبة الدين العام للناتج المحلي لتصل إلى 61% وكانت ستكون 59.27% مما أيضا اضطرنا لتعديل قانون الدين العام وذلك لحرصنا على سلامة المنظومة التشريعية وعدم وجود تشوهات في الإدارة المالية للدولة. فمحصلة كل ذلك كان بأن أصبحت كلفة خدمة الدين 470 مليون دينار.
لمواجهة هذه التحديات، كان التركيز على تخفيف الضغوط الضريبية والبيروقراطية على القطاع الخاص وذلك لتحفيزه. فأولويات الحكومة كانت تبسيط الإجراءات وتخفيض الضرائب وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية.
الإنجازات المالية للحكومة في 2010 كانت إصلاحية وبالاتجاه الصحيح. على الرغم من أننا لم نستفد من أي عوائد خصخصة أو ايرادات جراء بيوعات للأصول؛ حيث أن الحكومة لم تقم بخصخصة أي شركات أو بيع أي أصول تملكها الدولة في تلك الفترة.
وكما نعلم فإن برنامج التخاصية وفر لخزينة الدولة ما بين الأعوام 2003-2008 حوالي 2.5 مليار دينار استخدم منها 1.65 مليار في صفقة نادي باريس لشراء ما يقارب 3 مليار من الديون الحكومية. وبرأيي المتواضع، المشكلة ليست في التخاصية ولكن في النظر إليها كإجراء مالي وليس كإجراء إصلاحي إداري واقتصادي للنمو.
وأعرض هنا، باختصار لأبرز إنجازات الحكومة التي تشرفت برئاستها على صعيد الإصلاحات الاقتصادية؛
- إعداد قانون ضرائب جديد وعصري، حيث تم دمج العديد من القوانين بقانون واحد، الأمر الذي أدى إلى تبسيط الإجراءات من جانب، وتخفيف الأعباء الضريبية على الأسر الأردنية وعلى القطاعات الاقتصادية المختلفة من جانب أخر، من خلال تخفيض الضريبة على كافة الشرائح. فأصبحت كالتالي:
- تستوفى الضريبة عن الدخل الخاضع للضريبة للشخص الطبيعي حسب النسب التالية: 7% عن كل دينار من الاثني عشر ألفا الأولى، 14% عن كل دينار يزيد على ذلك.
- تستوفى الضريبة عن الدخل الخاضع للضريبة للشخص الاعتباري حسب النسب التالية: 14% بالنسبة لجميع الأشخاص الاعتباريين باستثناء ما ورد منهم في البنود التالية:
- 24% على شركات الاتصالات الأساسية وشركات التأمين وشركات الوساطة المالية بما فيها شركات الصرافة والأشخاص الاعتباريين الذين يمارسون أنشطة التأجير التمويلي.
- 30% على البنوك.
والنتيجة كانت تحفيز النمو الاقتصادي والذي أدى في طبيعة الحال لزيادة الإيرادات الضريبية من 2.87 مليار دينار أردني إلى 3.07 مليار دينار أردني أي بنسبة 6.7%
- وضع السياسات والإجراءات الضرورية لتخفيف عجز الموازنة العامة وبشكل تدريجي من حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009 الى 6% لعام 2010 أي ما يساوي 500 مليون دينار.
- قمنا باعتماد منهجية جديدة في إعداد الموازنة العامة، تبدأ بموازنة عام 2011. بحيث تركز على تعميق نهج الموازنة الموجهة بالنتائج وعلى أساس المحاور السبعة التي تبنتها الحكومة وإعداد التقارير التقييمية لأداء الوزارات والدوائر الحكومية وفقا لمؤشرات قياس الأداء المعتمدة لهذه الوزارات والدوائر.
- صرف 20 دينار شهريا بدل غلاء معيشة لجميع العاملين في القطاع العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمتقاعدين المدنيين والعسكريين.
- إصدار قانون الطاقة المتجددة.
- تقديم 10 مليون دينار دعم مالي لنقل طلاب وطالبات الجامعات الرسمية لتخفيض كلفة المواصلات عليهم بنسبة 50%.
- قانون الضمان الاجتماعي: الذي جاء لحماية مؤسسة الضمان الاجتماعي ومنتسبيها.
- انخفاض الانفاق الحكومي العام بما نسبته 3.5% وارتفاع حصيلة الإيرادات العامة بما نسبته 1.9% مقارنة مع عام 2009.
- إنشاء مجلس شراكة حقيقي بين القطاع العام والقطاع الخاص.
- إلغاء اعتبار الخدمة في عضوية مجلس الأمة خدمة خاضعة للتقاعد.
- خصم 20% من رواتب الوزراء ذهبت لصالح صندوق للفقراء في وزارة التنمية الاجتماعية.
الإصلاح الإداري؛
- إعداد البرنامج الشمولي لتطوير القطاع العام والإدارة الحكومية الموجهة بالنتائج، وإقرار المرحلة الأولى من برنامج إعداد هيكلة الجهاز الحكومي، والذي تضمن إلغاء ودمج 31 مؤسسة حكومية. وشمل البرنامج إعادة هيكلة رئاسة الوزراء وتقليص أعداد العاملين فيها.
- وزارة الدولة للمشاريع الكبرى، والتي أوجدناها بهدف تنسيق الأولويات الضرورية للمشاريع الاستراتيجية، والتي كان من أهمها إنشاء سكة حديد بين المحافظات بهدف تسهيل الحياة على المواطنين وخفض تكلفة التنقل بين المحافظات وايضا إبقاء أهل المحافظات في محافظاتهم حتى لو كانوا يعملون خارجها بتنقل سريع ومريح مما ينعكس على تكلفة حياتهم. وفي عام 2011 تم رصد مبلغ 120 مليون دينار لهذا المشروع. ولكن للأسف تم لاحقا إلغاء هذا المخصص. وأعتقد أن التوسع بالإنفاق على الطرق في السنوات الماضية أتى على حساب تحسين الخدمات التي تهم المواطن. ولو بقي الإنفاق على النقل العام بنفس المستوى مع الاستفادة من المنحة الخليجية لغايات النقل العام، لكانت عندنا اليوم شبكة نقل عام تصل المحافظات وتخفض كلفة النقل بشكل ملحوظ.
- وضع قائمة بـ 29000 سيارة حكومية للشطب.
- مع انني أعتقد بأن الإكثار من الحديث عن الفساد خلق له صورة أكبر من حجمه الحقيقي، فلا بد أن نعترف بأن هناك مشكلة وأن أي سياسة اقتصادية يجب أن توازن بين مكافحة الفساد والحديث الزائد عنه، الأمر الذي يؤثر سلبا على رغبة المستثمرين في الاستثمار. ومن هذا المنطلق كنا نحارب الفساد بالأفعال أكثر من الأقوال والشعارات، وقضيتا توسعة مصفاة البترول ومؤسسة استثمار الموارد الوطنية وتنميتها “موارد”، خير دليل على ذلك.
ارفق قائمة تفصيلية للإجراءات التي تم اتخاذها والتي يمكنكم أيضا ان تجدوها على الرابط التالي:
https://drive.google.com/file/d/1gor3sug15C8FDpwWE7QBmRdzN6vtx4T8/view?usp=sharing
السياسة الخارجية
- السياسة الخارجية الأردنية في حركة دائمة وديناميكية. ولذلك فالحكومة كانت، وبتوجيهات وعزيمة جلالة القائد؛ وجهوده المباركة وحراكه الدؤوب ومكانته العربية والدولية الكبيرة والمتميزة؛ تؤكد التزامها بالدفاع عن المصالح الأردنية الحيوية أينما كانت، وتكريس مكانة الأردن باعتباره ركنا رئيسا من أركان التضامن العربي، ونموذجا متقدما في المصداقية الدولية والتأثير الإيجابي، وامتلاك زمام المبادرات الدبلوماسية والسياسية.
تقوية علاقاتنا مع المحيط العربي ستؤدي الى تقوية مواقفنا تجاه القضايا المهمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولأن مصلحة الأردن تكمن بالحفاظ على علاقات ممتازة ومتكافئة مع دول الجوار وبدون أي محاور؛ قمت أثناء رئاستي للحكومة بزيارات عديدة لدول عربية وأجنبية، منها زيارات كانت بمعية جلالة الملك.
عربيا، قمت بزيارة سوريا ثلاث مرات، والعراق وقطر والبحرين ومصر والامارات ولبنان والكويت وزيارتين للملكة العربية السعودية. ودوليا، قمت بزيارة كازخستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا واليابان والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
ما سلف، هو محاولة للإجابة على الأسئلة استجابة للمبادرة الكريمة حول خدمتي كرئيس للوزراء 416 يوم، استجابة لمبادرتكم الكريمة.
أقول هذا، وأنا أعتقد، بصدق، بأن مراجعة المسيرة، بما أحرزته من نجاحات وما لم تتمكن منها، هي ما ينبغي له أن يمارس كمسؤولية وطنية، في هذه اللحظة من تاريخ وطننا وبلادنا، التي تستحق منا كل جدية وإيثار وتضحية، في تحمل المسؤولية، والتي أظن أنه من الأولى أن يبادر بها المسؤول، وقبل مطالبة المواطن بها.
ومنذ أن اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم العرش الهاشمي الخالد، مرت على الأردن تحديات كبرى؛ بدءا باقتحام شارون للمسجد الأقصى واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م، إلى تفجيرات سبتمبر 2001م، والحرب على العراق عام 2003، وإيقاف النفط المجاني والتعامل مع اللجوء العراقي، إلى تفجيرات فنادق عمان الإرهابية عام 2005م، إلى تطورات الساحة الفلسطينية والانقسام الفلسطيني 2006م، إلى حرب تموز على لبنان من نفس العام، إلى تفرد يمين اليمين الإسرائيلي بالحكم في الكيان الإسرائيلي، وغياب الشريك الإسرائيلي في السلام، إلى الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008م، والعدوان على غزة من نفس العام، ومن ثم مقدمات واندلاع ما سمي بالربيع العربي وآثاره على المملكة من ناحية الاقتصاد واللجوء السوري، وسياسة المحاور في آخر عدة سنوات؛ كل ذلك أثر على المملكة، ووضعها في قلب الأحداث، وانعكس مباشرة على الأوضاع الاقتصادية وعلى أولوياتنا وبرامجنا وخططنا.
وعلى الرغم من كل ذلك، صمد الأردن؛ بفضل من الله سبحانه وتعالى؛ وبحكمة وشجاعة قيادته الفذة وامتلاكها الدائم زمام المبادرة، وبالتفاف الأردنيين والجيش العربي والأجهزة الأمنية خلف هذه القيادة جعلوا الأردن صخرة منيعة في وجه جميع التحديات والمؤامرات.
السيدات والسادة،
الحضور الكريم،
واليوم، وأنا ألبي دعوة المبادرة، وأسرد جزءا من تاريخ رحلتي مع العمل العام، على مدى ثلاثة عقود، آمل ان يستفيد منها الباحثون والشباب الذين بإذن الله تعالى سيكونون هم أصحاب القرار في القادم من الأيام.
وأود، أن أستثمر هذه المبادرة؛ بأن أوجه كلمة لكل الشباب والشابات الأردنيين ، وأن أقول لهم:
في مسيرة الأردن الممتدة والعابقة بالتضحيات والمواقف الكبيرة، صعد شباب مؤمنون بالأردن ورسالته، آمنوا بأن الأردن الصغير بحجمه والفقير بموارده كبير، كبير جدا، بقيادته وأهله وغني بمعنويات أبنائه؛ من كل الخلفيات والمستويات، لم يتميز أحد عن أحد إلا بالعطاء والإنجاز. وهؤلاء هم الذين بنوا الدولة الحديثة العصرية ومؤسساتها السيادية والدستورية والاقتصادية خلف قيادة أشراف بني هاشم. لم يفت في عضد أحد أنه ابن فلان أو علان، ولا التفتوا إلى الشعارات والعناوين الخداعة.
وأقول لجيل الشباب، أيضا، وأنا اليوم أنظر للأمام وقد قمت بواجبي، والمناصب التنفيذية خلفي وفي الماضي والآن جاء دوركم وأنتم المستقبل: عندما تجدون أنفسكم في مواقع عامة، لخدمة الأردن والأردنيين، لا تسلكوا الطريق السهل بل الطريق الصحيح. لا تقلقوا بشأن عناوين الأخبار أو التغريدات أو ما سيكتب على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل فكروا، أولا، بأن يكون ضميركم مرتاحا ومطمئنا، أنكم أخلصتم وقمتم بأمانة المسؤولية، وثقوا تماما، أنه، بالمحصلة لا يصح إلا الصحيح؛ وأن الإنصاف هو نصيب كل مخلص ومجتهد، وأن التقييم الحقيقي، ليس ما تبرزه ردود فعل وانطباعات وانفعالات آنية، على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها؛ بل هو ما يسجله التاريخ، مما تترجمه المعطيات والنتائج على أرض العمل وفي ميادينه المتعددة.
لا تسمحوا لذوي الطاقة السلبية بأن يبثوا إحباطهم أو أن يؤثروا فيكم، ولا تقفوا عند من يحاول أن يعيق طريقكم، بل وسامحوا من تعرض لكم بالإساءة، وادعوا لهم بالخير والهداية، لأن التسامح من شيم الهاشميين ومن أخلاق الأردنيين الأصيلة. والأساس هو أن نكون متصالحين مع أنفسنا، عازمين على العطاء.
في بعض الأحيان، قد يؤدي اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب، إلى اتهام بالشدة أو الحزم الزائد. ولكن الأهم هو أن تتوجه بوصلة الأهداف لتحقيق العدالة للأغلبية وليس للقلة القليلة. وكل مسؤول قيادي عليه السعي إلى أن يكون دائما عادلا ومنصفا في آن واحد وأن يعمل على تحفيز الأكفأ والأكثر تأهيلا وتمكينه، وأن لا يعامل الآخرين بطريقة لا يحب أن يعامل بها.
وأخيرا، أي قرار يرضي الله ويرضي ضمائركم ويفيد أجيال المستقبل هو القرار الصائب. وعليكم اتخاذه حتى لو اضطررتم لدفع الثمن. لا تترددوا أبدا عندما يتعلق الأمر بتلك المبادئ الأساسية لأنكم ستواجهون أنفسكم كل يوم وستنظرون لوجوهكم في المرآة لبقية حياتكم. واحترامكم لذاتكم ولمبادئكم وما قدمتموه للوطن وقيادته الهاشمية هو الأهم.
وقبل أن أختم، أرجو أن أؤكد: إن سردي لهذه الوقائع والمعطيات، جاء استجابة مني لدعوتكم ومبادرتكم الكريمة، وتوثيقا واحتراما لحق الناس بالمعرفة وبالمعلومة الصادقة الدقيقة.
أجدد الشكر لكم، على هذه المبادرة الرائدة، وأتمنى أن أكون أجبت من خلالها على الكثير من الأسئلة حول الحكومة التي تشرفت برئاستها، وبإذن الله ستتكلل مبادرتكم بالنجاح في استضافة رؤساء الوزارات السابقين، لكي يقدموا أيضا ما تتطلبه المبادرة ولكي ننتهي من النظر الى الخلف ونتطلع إلى الأمام وننظر الى جيل الشباب والمستقبل.
وأدعو الله جلت قدرته أن يحفظ الأردن وطنا حرا عزيزا قويا مستقرا مزدهرا بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه وبارك في عمره وأعز ملكه إنه سميع مجيب الدعاء. والله من وراء القصد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته