خلال جلسة المساءلة التي عقدها، قبل يومين، مجلس العموم البريطاني، قدم رئيس الوزراء، بوريس جونسون، اعتذاره للشعب عن “خرقه” إجراءات كورونا، الحادثة التي تورط فيها الرئيس تعود لشهر أيار من العام الماضي، حين حضر حفلا أقامه مجموعة من الموظفين في حديقة مقر رئاسة الوزراء، أثناء الإغلاق الاحترازي لمواجهة الوباء. اعتراف الرئيس، ثم اعتذاره، لم يشفع له أمام النواب والرأي العام بطي الصفحة، فقد تصاعدت المطالبات، حتى من داخل حزبه (المحافظين)، بتقديم استقالته، وبانتظار نتائج لجنة التحقيق بالموضوع، وموعد جلسة المساءلة الثانية أمام البرلمان، سيخوض جونسون أصعب معركة للدفاع عن نفسه، وإلا فإن الاستقالة هي الحل. ما جرى في بريطانيا أمر مألوف، لكنني لم أستطع أن أقاوم فكرة المقارنة بينه وبين ما شهدناه ببلدنا خلال الأسابيع المنصرفة، سواء من جهة الدوار الرابع أو العبدلي، أو حتى من جهة ردود الأحزاب والنخب والإعلام، صحيح أنها مقارنة غير متوازنة نظرا لاختلاف التجربتين، لكنها مفيدة وضرورية لسببين: الأول أن مسؤولين عديدين، آخرهم رئيس لجنة التحديث السياسي، لم يترددوا عن تذكيرنا مرات ومرات بالديمقراطية البريطانية، والدستور، وكادوا أن يقولوا لنا: الحال من بعضه، وربما أنهم ليسوا أحسن منا ديمقراطيا. أما السبب الثاني، فهو أن من حق الأردنيين أن يطلعوا على “بروفة” التجاذبات الحزبية التي تجري في العالم، وأن يكون لهم تجربة تتجاذب فيها أحزابهم السياسة بحرية ودون تخويف أو اتهام، فيخرج مثلا من داخل الحزب الذي وصل للحكم، من يطالب الرئيس بالاستقالة، كما فعل أعضاء من حزب المحافظين مع جونسون، التجاذبات هنا ليست خطرا يهدد الدولة، وإنما حالة ديمقراطية مطلوبة. في بلادنا تبدو الصورة مختلفة تماما، المسؤولون لا يخطئون، وحتى حين يتم ضبطهم متلبسين بالخطأ، فإنهم لا يعتذرون (يعتذرون لمن؟)، الاعتذار لدينا للأسف غالبا ما ينم عن إحساس بالنقص، وليس فضيلة كما هو في البلاد التي أنعم الله عليها بثقافة المساءلة وتحمل المسؤولية والالتزام بأخلاقيات العمل العام، يكفي أن نتذكر ما حدث في “عز” الإغلاقات ضد كورونا، حين كان يمنع المواطنون من الاجتماع، فيما “يتبرطع” المسؤولون في الحفلات الخاصة، دون أن يسألهم أحد: لماذا خرقتم قانون الدفاع؟ ودون أن يعتذروا أيضا عما فعلوه.. والوقائع هنا أكثر من أن تحصى أو تعد. الصورة في بلادنا، ثانيا، تبدو مختلفة، فقد انشغلنا على مدى الأسابيع الماضية بأسطورة “التجاذبات” الحزبية التي جرى تسويقها لإقناعنا بالتعديلات الدستورية، قيل لنا إن هذه التجاذبات المتوقعة بعد عشرة أعوام أو أكثر بين أحزاب انتخبتها الأغلبية الشعبية ستكون الخطر الداهم على بلدنا، كيف؟ لا أدري! هل يمكن أن نتصور حالة ديمقراطية ناضجة، وأحزابا تصل للحكومة، وبرلمانا حزبيا، من دون تجاذبات واشتباكات سياسية؟ وإذا حدث ذلك، افتراضا، إن تحولت هذه التجاذبات الى انقلاب على مصالح الدولة، أليس لدينا ضوابط دستورية موجودة وكفيلة بحسم القرار ووقف تغول أي سلطة على أخرى؟ الصورة في بلادنا، ثالثا، تبدو مختلفة، ما حدث بالبرلمان بعد العراكات، وتمرير التعديلات الدستورية في ثلاثة أيام، ثم في جلستي أعيان فقط، ثم ما حدث بوسائل الإعلام من ردود فعل باهتة، مقارنة مع ما شهدناه بمجلس العموم البريطاني والصحافة وما سمعناه من الأحزاب ورئيس الوزراء، يستدعي الإحساس بالخيبة فعلا، فقد قامت قيامة “القوم” هناك على جونسون لحضوره دقائق فقط من احتفال أقامه موظفون تابعون له، ومن المتوقع أن يدفع ثمن ذلك بالاستقالة، فيما تمر علينا أهم القضايا والأخطاء والأزمات والاتفاقيات، وكأنها غيمة صيف عابرة.