صراحة نيوز – بقلم موسى العدوان
المقال التالي له صفة خصوصية، لكونه يهم العسكريين أكثر مما يهم المدنيين. ولكن لا بأس بإطلاع الراغبين من المدنيين عليه، سعيا لفهم بعض الأدبيات العسكرية.
عندما قاتل القدماء بعضهم بعضا، كانت أسلحتهم مكونة من العصي والحجارة، ثم تطورت إلى السيف والرمح. وكانت الحاجة تدعو إلى قليل من التخطيط ، لأن القتال كان يحدث بصورة عفوية أو بالمصادفة. قد تعود أسباب تلك الحروب إلى الجوع أو الحاجة إلى المراعي، أو لأسباب عاطفية أو عصبية أو دينية. ولكنها تطورت أيضا وتعقدت في العصور اللاحقة اعتمادا على المصالح والعلاقات بين الدول متأثرة بتنوع الأسلحة ذات العيارات المختلفة، وتوفر المواد اللازمة للقتال على نطاق واسع.
وبما أن القتال كان ضروريا لديمومة وبقاء الحياة الإنسانية، فكان من الطبيعي أن يجري تقييم كل علم أو اختراع ميكانيكي، كوسيلة جديدة لاستخدامها في الحرب. وبما أن القتال بين الأفراد من أجل الحياة، انعكس على المجموعات البشرية، التي تسعى لسيطرة بعضها على البعض الآخر، اعتمادا على أساليب إدارية واستراتيجية محددة. ومع مرور الوقت فإن وسائل القتال تنوعت وازدادت تعقيدا. كما أن تضخم عدد القوات المشاركة في القتال زاد أيضا من المصاعب الإدارية المصاحبة لها.
ولتعريف مصطلح هيئة الركن المستخدم في البيئة العسكرية، فأقول بأن هيئة الركن هي عبارة عن مجموعة من الضباط الأذكياء والمحترفين في تخصصاتهم، والذين يشكلون مجموعة استشارية لقائد الوحدة أو التشكيل، وهذا تقليد تعمل به مختلف الجيوش العالمية. ويعتمد تتشكل هذه الهيئات من مستوى الكتيبة بعدد محدود من الضباط، تتوسع كلما ارتفع مستوى التشكيل حتى تصل إلى قيادة الجيش أوقيادة الجيوش المتحالفة. مهمة هذه الهيئات قد تشمل تلك النصائح : الأمور التدريبية، الأدارية، الاستخبارية فيما يتعلق بالعدو، والعملياتية المستقبلية والجارية.
ومع اختلاف تشكيل تلك الهيئات في بعض الجيوش عن غيرها، إلاّ أن عملها يكاد أن يكونا متشابها. فكل هيئات الركن في القوات المسلحة واجباتها الرئيسية هي : تقديم النصح للقائد فيما يتعلق بتخصاتصها، لبناء خططه وأعماله سلما أو حربا وقد تشمل : البحث عن المعلومات الدقيقة وتقديمها للقائد، تحضير تفصيلات خططه، ترجمة قراراته وخططه إلى أوامر مكتوبة، إصدار الأوامر والتعليمات إلى القطعات المرؤوسة. كما تتضمن أيضا إجراء دراسات متواصلة للموقف الجاري والمتغير، ووضع خطط احترازية لأية إجراءات محتملة في المستقبل.
ومن أهم واجبات هيئة الركن هي مراقبة تنفيذ الخطط والأوامر الصادرة للمرؤوسين وتطبيق مقاصد القائد. ومع هذا فإن ضابط الركن مهما كانت رتبته، ليس لديه صلاحية القيادة أو اتخاذ القرار لكونهما محصورين بالقائد، ولكنه يُعتر ممثلا للقائد وعليه الرجوع إليه في القرارات الهامة. ومن المعلوم أن هيئة الركن على المستويات العليا، تتضمن في تشكيلها الفروع الرئيسية التالية : العمليات، الاستخبارات، الإدارة، الأسلحة والآليات، الحرب الإلكترونية، والحرب الكيماوية والجرثومية.
وعلى سبيل المثال لنأخذ ما قاله الفيلد مارشال مونتغمري في هذا المجال، عند توليه قيادة الجيش الثامن في أفريقيا بتاريخ 13 آب 1942. ” إنني أخذت أدرك قيمة مصلحة الاستخبارات في الحرب. كان بيل وليامز مصدر إلهامي الرئيسي، فقد كان أرقى مني عقليا، وأرقى كذلك من أي كان من أركان حربي، ولكنه لم يكن يظهر ذلك لأي إنسان. كان يرسم للعدو صورة كاملة وحقيقية، ويستطيع أن يغربل ركاما من المعلومات التفصيلية، ويستخرج منها الخلاصة الصحيحة.
وقد أخذ يعرف شيئا فشيئا طريقتي في العمل، فصار يقول لي في عشر دقائق ما كنت أرجو أن أعلم تماما، ويترك جانبا ما يعرفه هو مما لم أكن ارغب في معرفته. وعندما يبلغ قائد أعلى ورئيس مصلحة استخباراته هذه الدرجة من التعاون الصميمي، فمن البديهي أن لا بفترقا. ولهذا رافقني بل ويلمز في الحرب من العلمين وحتى برلين.
قد كان لي أيضا رئيس أركان حرب متفوق هو الجنرال دي غوينغواند. فقد كان عقله الخصب يعجّ بالأفكار، ولم تكن تعجزه أبدا مصاعب أية مشكلة. كان يستطيع أن يتمثل الخطة التي أتصورها ويدرس تفاصيلها، ويطلعني سريعا على ما إذا كانت ممكنة التحقيق، من وجهة نظر أركان الحرب، ويقترح – إذا لم تكن كذلك – التعديلات المطلوبة. لقد كان مستعدا لتحمل مسؤولياته، فأعطينه صلاحيات مطلقة.
كان إذا لم يستطع أن يقابلني أن يتخذ قرارا بنفسه . . قرارا رئيسيا، ولم أناقش يوما مثل هذا القرار. لقد كان لي فيه كل الثقة، وكان يبدو وكأنه يغرف بالغريزة ماذا يمكن أن أفعل أنا في موقف معين، وكان دائما على صواب. مع رئيس رئيس أركان حرب كهذا، كنت متحررا من التفاصيل، إذ تخليت لهى عنها. والذيتحتاجه القيادة العليا قبل كل شيء، هو رئيس أركان حرب جيد. وأنا أشكّ في أنه باستطاعتي، بدون دي غوينغواند أن أنجح في المهمة الضخمة الملقاة على عاتقي. لقد كان من حظي السعيد حقا أنني وجدته لدى وصولي إلى مصر، ولكنني أفدت من هذا الحظ كل الإفادة “.
وهذا ما يُظهر أهمية هيئة الركن في البيئة العسكرية، والتي تشكل هيئة استشارية للقائد، وليست كهيئة المستشارين في الدوائر الحكومية، التي أفرغت من مضمونها، وأصبحت حمولة زائدة على المؤسسسات التي تعمل بها . . لاتُشير ولا تُستشار، بل هي خُلقت لتنفيع الأقارب والأصدقاء.